تبدأ مصر العربية، في أعقاب ثورة يناير الشعبية ومع إعلان جمهوريتها الثانية، بداية تاريخية جديدة في مواجهة تحديات خارجية وداخلية جديدة، توافقا مع بداية يوليو "شهر الثورات والجمهوريات التاريخية"، والذي شهد في يوليو عام 52 كبرى ثورات الشعب المصري، التي أسست جمهوريته الأولى في مواجهة تحديات خارجية وداخلية مماثلة. هكذا سارت وتسير حركة تاريخ العمل الوطني المصري المتغير السمات والمتجدد المراحل، والذي يحتاج مع كل مرحلة جديدة قيماً جديدة وأهدافا جديدة تحقق الآمال الشعبية، وتحفظ الثوابت الوطنية والقومية، وتستجيب للمتغيرات الدولية. لقد كانت مصر دائما في موقع القلب من الوطن العربي، وسواء هنا في الخليج العربي أو هناك حول المحيط الأطلسي، كانت كل أنظار العرب هنا في الإمارات أو في موريتانيا الإسلامية، تحب شعبها وتحترم إرادته وكرامته، مثلما كانت أنظار العالم في الشرق أو الغرب. ولا تزال، تتطلع إلى مصر وشعبها بإعجاب واحترام. يعكس ذلك ما أكدته دولة الإمارات العربية المتحدة على لسان وزير الخارحية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، من حرص على تعزيز العلاقات الإماراتية المصرية التاريخية والأخوية، على الصعد السياسية والاستثمارية والاقتصادية.. ومن تأكيد على متانة هذه العلاقات، وعلى صلابة أرضها، وعلى الرغبة الحقيقية في تطويرها، بما يعود بالخير على البلدين والشعبين الشقيقين.. ومن ترحيب "بكلمة الرئيس محمد مرسي في جامعة القاهرة، لما احتوته من قواعد ثابتة للسياسة الخارجية المصرية، وعلى رأسها الالتزام المصري الواضح بالأمن القومي العربي والعمل على تفعيل منظومة العمل العربي المشترك. وعلى عدم التدخل في شؤون الغير وعدم تصدير الثورة"، حيث قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد: "إن هذا التوجه هو توجه رجل الدولة القادر، وهو توجه مصر الدولة التي يرغب كل العرب في رؤيتها مستقرة مزدهرة"، مضيفا إن "حيوية الدور المصري في هذه الفترة بالذات من تاريخ العالم العربي والتحديات التي يواجهها، تمثل مطلبا استراتيجيا يعزز دور الأمة العربية". ومؤكدا سموه أن الدور المصري القوي والمتزن والفاعل، ينعكس إيجاباً على عالمنا العربي ليصبح أكثر تأثيرا على الساحة العالمية ويمنع التدخلات الإقليمية في الشأن العربي. لقد كان اليوم الثلاثون من يونيو "يوم القسم الرئاسي" أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، إعلانا بتنصيب أول رئيس مصري مدني منتخب بإرادة شعبية حرة، مع نهاية أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تعددية حقيقية في التاريخ المصري، تتويجا لخطوات التحول الديمقراطي المصري، وانتقالا من الثورة إلى الدولة العادلة القوية الوطنية الديمقراطية الدستورية. كما نصت وثيقة الأزهر الشريف، دولة الحق والقانون والحقوق والحريات. ولم يكن ذلك سهلا ولا ممكنا، لولا رعاية الله لهذا الشعب المصري وثورته في الخامس والعشرين من يناير 2011 التي لم يصنعها فرد أو جماعة أو حزب، بل صنعها رفض الشعب للفساد والاستغلال والاستبداد. أمام مصر في عهدها الجديد برئاسة الدكتور محمد مرسي، العديد من الملفات العاجلة الواجبة الاستحقاق في هذه المرحلة الانتقالية. وفي ظل الإعلان الدستوري، فمصر التي لم يعد مقبولا من شعبها أن يحكمها فرد أو جماعة أو حزب واحد، وغير القابلة لأن تُحكم من الشوارع أو الميادين، سوف يشارك في حكمها كل الوطنيين بألوان طيف شعبها، من مواطنين مؤيدين ومعارضين ومستقلين. ولهذا، فإن مصر الدولة ومصر الشعب، تحتاج الآن إلى الانتقال إلى تقاليد الدولة، محتفظة بروح الثورة، وبقيم الوطنية وبحقوق المواطنة. ومن هنا يبدو تكوين مؤسسة الرئاسة بتقاليد الشراكة الوطنية وتشكيل الحكومة بقيم الوحدة الوطنية، هي الخطوات الأولى القادمة في الطريق إلى إعداد مشروع الدستور، لطرحه على الاستفتاء وتنظيم الانتخابات البرلمانية، احتراما لدولة القانون ولأحكام القضاء. إن أعظم ما في تاريخ مصر هو أن فردا أي فرد لم يصنع مصر، فلا مينا ولا أحمس ولا رمسيس قديما، ولا محمد علي ولا سعد زغلول ولا جمال عبد الناصر حديثا.. صنع مصر. بل كانت القيمة الكبرى لكل هؤلاء الزعماء العظام، أنهم اكتشفوا قيمة شعب مصر وقيمة مكان مصر في الجغرافيا ومكانة مصر في التاريخ، وأدركوا تلازم دورها الحضاري والتاريخي مع واجبها الوطني والقومي، تعبيرا عن مبادئ ورسالة الشعب المصري، دفاعا عن مصر وعن أمتها العربية والإسلامية. وهنا ربما تكون التجربة الوطنية التاريخية المصرية، وتاريخ «الثورة المصرية» عبر الأجيال المختلفة، جديرين بالدرس والتدريس، فمصر هي «أم الدنيا» باعتبارها أول دولة في التاريخ، ولا بد أن تكون بالطبيعة هي "أم الحضارات" و"أم الدساتير"، و"أم الثورات" أيضا. فقد بدأت ثورة شعبية بمسيرة كبرى عبر محطات تاريخية كبرى، وأعقبت كل تجربة ثورية تجربة برلمانية ودستورية جديرة بالدراسة والمراجعة، بداية بأول دستور عام 1923 ومرورا بدستور 1956، ونهاية بدستور 1971. وهنا نتذكر ونذكر، أنه في كل التجارب الوطنية والثورية، كان الجيش المصري هو جيش الشعب المصري والدرع الوطني لحماية الوطن وتحقيق إرادة الشعب. وهو الذي قام بأعظم الأدوار التاريخية، إما بدور الطليعة الثورية أو الأداة الثورية للشعب، بداية بثورة الجيش بقيادة أحمد عرابي، ضد الظلم والتمييز في وجه الخديوي توفيق عام 1881، مرورا بثورة الشعب المصري بقيادة سعد زغلول، ضد الاحتلال الإنجليزي عام 1919، وانتهاءً بثورة جيش الشعب بقيادة جمال عبد الناصر، ضد الاحتلال والاستغلال معا في يوليو عام 1952. في النهاية، فإن بلدا كبيرا وشعبا عريقا، وموقعا عبقريا على الخريطة العالمية، ورصيدا حضاريا عربيا وإسلاميا عظيما في سجلات التاريخ، هو الذي صنع عظمة مصر على أرض وادي النيل، حينما بنى أعرق حضارة إنسانية ما زالت شواهدها شاهدة على قيمة وعبقرية هذا الشعب، وأسس أول دولة على وجه الأرض ما زالت على مر الأجيال، قادرة على عبور التحديات العاتية وتجاوز الأزمات العابرة. وعلى الرغم من الغزوات الاستعمارية ومحاولات الغزو من الداخل، لا تزال بشعبها ولشعبها، وبأمتها ولأمتها، تصنع المعجزات، فتحول المحن إلى منح، وتحيل الهزائم إلى انتصارات. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية