قبل 10 أعوام اعترف روبرت كرين -المستشار السياسي للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون - بأن السياسة الأمريكية تدعم التمثيل الدولي لأي كيان في العالم، وتقبل قيام أي دولة إلا الدول الإسلامية، مؤكدًا أن هناك جماعات ضغط كثيرة في أمريكا تدعو الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ اتجاه مضاد للإسلام ضاربًا المثل في هذا المجال بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن الذي يعارض مساندة الديمقراطية في البلدان المسلمة بدعوى أن المسلمين ديكتاتوريون بطبيعتهم، ولا يعترفون بالديمقراطية. وقال «كرين» الذي دخل في الإسلام قبل نحو 20 عامًا، وبعد أن أتم الخمسين من عمره: إنه كان يشترك مع الرئيس الأمريكي نيكسون الذي عمل معه كمستشار للشئون الخارجية من عام 63 إلى عام 68 في وجهة النظر التي تستخدم المسلمين كحلفاء في مواجهة الشيوعية، غير أن وجهة نظرهما تغيَّرت خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات حيث بدءا النظر إلى المسلمين باعتبارهم قوة كبرى تستطيع أن تساهم في بناء نظام عالمي يقوم على العدالة والحق، مشيرًا في هذا الإطار إلى أن نيكسون قد تأثَّر بكتاباته التي كتبها بعد أن تحوَّل للإسلام. تزامن ذلك مع ندوة عقدت في أكسفورد ببريطانيا عن الديمقراطية في الوطن العربي وسيطرت على الندوة حزمة من التساؤلات مازالت تبحث عن اجابات واضحة حتى اليوم لدى الدوائر الغربية ، وكان في مقدمتها: هل القناعة بالديمقراطية عند الإسلاميين العرب مترسخة أم صورية؟ وهل تبني كثير من الإسلاميين الحل الديمقراطي كمنهج للتعامل بين الأطراف السياسية والاجتماعية المتنافسة والمتصارعة داخل كل وطن من الأوطان هو تبن حقيقي أم مدفوع بضرورات ظرفية ومصلحية ومن أجل تخفيف الضغط عليهم؟ وبعيدا عن الجدل السياسي والمصلحي, ما هي حقيقة الموقف النظري للإسلاميين حيال الديمقراطية؟ وهل الشكوك التي يثيرها كثير منهم حول مضامين الديمقراطية وتعارضها مع الشرعية الدينية والسياسية التي جذرها الإسلام تبرر المخاوف التي يرددها خصوم الإسلاميين من أن هؤلاء سينقضون على الديمقراطية فور وصولهم إلى الحكم ويحولونه إلى استبداد إسلامي منافس لأنواع الاستبداد الأخرى التي شهدتها المنطقة العربية؟ وأين تقف الدول والأنظمة السياسية والنخب المقربة منها بما فيها شرائح ليبرالية متعاظمة من هذا الجدل كله؟ وتطرقت الندوة الى الاتهام الموجه للحركات الإسلامية بأنها تميل إلى استخدام العنف عند وقوع خلاف مع الأطراف الأخرى, وأنها تستخدم الديمقراطية مطية للوصول إلى السلطة وحالما تستولي عليها فإنها تلغي الديمقراطية. وانتهت الى أن التجربة العملية والممارسة على الأرض هي في نهاية المطاف الشيء الأهم. وبهذا يجد الفكر الإسلامي نفسه - ولأول مرة في تاريخه الطويل - أمام وضع عالمي، يجعله مدفوعا إلى أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح متجاوزة للحيز الجغرافي للأمة، يمكن أن نطلق عليها وصف المصالح العالمية، أو الكونية، أو الكوكبية التي تفرض نفسها على مجمل الاعتبارات الداخلية والخارجية. فكل ما يصدر من قرارات وأفكار وسلوكيات عن الدول والمجتمعات الإسلامية يكون له وقع وتأثير على بقية المعمورة، وعلى مصالح الإسلام والمسلمين في أرجائها المختلفة. والغريب أن هذه التخوفات لم تكن من نصيب الغرب وحده فقد عقد وبالتزامن تقريبا مركز القاهرة لحقوق الإنسان ندوة تحت عنوان (الحزب الإسلامي وحرية الرأي والتعبير) شارك فيها حشد من الصحفيين والمثقفين من اتجاهات مختلفة. وقد ظهر من خلال الندوة أن التيارات اليسارية والليبرالية في مصر تتخوف من إمكانية وصول التيار الإسلامي إلى السلطة؛ حيث دار جدل حول «التيار الإسلامي لا يحمل أي مشروع ولا أي برنامج وأنه إذا ما قدر له ووصل للحكم فسيقوم بإلغاء الديمقراطية والتعددية وسيمنع الآخرين من التعبير عن آرائهم» . كل هذه التخوفات وغيرها أضعها أمام الدكتور محمد مرسي لأنها تزيد من عبء المسئولية على مصر «الإخوانية» وترهن مشروع النهضة بنزع هواجس الداخل والخارج ، وأتصور أن طوق النجاة في هذا الاختبار يكمن في دستور مصر الجديدة، فحلفاء وأعداء الشرق والغرب سيراجعون تصنيف وضع مصر ويتعاملون معنا بناء على معطيات هذا الدستور. نعم لقد تحولنا الى نظام اسلامي بتقلد الاخوان السلطة وهذه حقيقة ينبغي أن نتعاطى معها طالما ارتضينا الديمقراطية سبيلا ، ولكن الغرب أبو الديمقراطية لا تعنيه إرادة الشعوب ، بل يتخذها هو أيضا مطية لتحقيق مآربه، وصحيح أن مصر ليست هي العراق التي احتلت باسم الديمقراطية الامريكية، ولكن مصر سيتم تصنيفها دوليا إما عبر البوابة الايرانية أو البوابة التركية، وسيتحدد ذلك بناء مساحة «مدنية» دستورنا الجديد، فكلما زادت هذه المساحة اقتربنا من النموذج التركي وربما أنتجنا نموذجا أفضل منه يطمئن القاصي والداني، ليس فقط على مستقبل مصر وانما أيضا على النموذج الاسلامي المعاصر، أما اذا تفننا في خنق مساحة المدنية في الدستور المصري الجديد فليس أمامنا سوى الخيار الايراني للتعامل مع الغرب، مع الفارق أننا لا نملك في هذه المرحلة أدوات المقاومة التي تمكننا من الصمود مثل طهران. من هنا، على الاخوان أن ينتبهوا الى أبعاد «الفخ» الغربي الذي سيواجه «التكويش» بالتهديد وربما ب «التفتيت»، كما أن على الدكتور محمد مرسي أن يبرهن للجميع أنه رئيس منتخب لكل المصريين، وأن يقدم للعالم النموذج الحضاري الذي تستحقه مصر، وكله من خلال الدستور وليس عبر الخطب والميادين.