مصر تعيش واقعاً جديداً، تبرز على ضفاف مشهده متشابك العناصر، العديد من الأسئلة المفتوحة التي تنتظر الإجابات الوافية عنها، وليس الحراك السياسي والميداني المتصاعد الذي تنشغل به الساحة المصرية، إلا صورة معبرة عن رحلة البحث عن إجابات للأسئلة الكبيرة المفتوحة التي يجتهد الكثير من المحللين والسياسيين، وحتى المصريين البسطاء لوضع أيديهم عليها . النقاش المتصاعد - وإن لم يأت على شكل أخذ ورد - بين قياديي جماعة الإخوان المسلمين، ومؤسسة رئاسة الجمهورية المصرية، عمّن هو المخول بالحديث باسم الرئيس المنتخب محمد مرسي، والجدل في زيارة الأخير إلى أحد القصور الجمهورية قبل أدائه اليمين الدستورية، ولقاؤه رئيس المجلس العسكري الأعلى، وما تبع ذلك من تصريحات لقيادات في الجماعة، لا مناصب رسمية لها، ولا حتى مكلفة الحديث باسم مرسي عن مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وغيرها من الشؤون المتعلقة حصراً بالرئيس المصري، تضع أسئلة كثيرة عمّا سيكون عليه الأمر مستقبلاً، أهمها ما إذا كانت الرئاسة آلت للجماعة أم لمرسي؟ وما هو موقع مؤسسة الرئاسة المستقبلي؟ البرنامج الذي نشرته مواقع إعلامية مصرية كثيرة، الذي أطلق عليه اسم “خطة المئة يوم” الأولى للرئيس المصري، يطرح أسئلة مفتوحة أخرى، وإذا ما تنقلنا بين محاوره الخمسة التي تبدأ ببسط الأمن والأمان وتنتهي بالخبز والوقود، مروراً بتيسير حركة المرور، والنظافة، نراه نسخاً أولياً لبرنامج عمل محلي لا يرقى إلى مستوى مصر الدولة الكبرى التي تحتاج إلى ما هو أكثر من قائمة “نوايا حسنة”، أطلق عليها اسم خطة المئة يوم، وهي تفتقر إلى أبسط درجات تحليل الحالة، مكتفية بوصف أهداف من دون الإتيان على ذكر الآليات المقترحة لتحقيقها، ما يطرح تساؤلاً كبيراً عن إمكانات الرئيس وحزبه السياسي، وإطارهما الأوسع ممثلاً بالجماعة التي لعبت تاريخياً أدواراً اجتماعية وسياسية من خارج مؤسسة الحكم، وتجد نفسها الآن في قلب المؤسسة، وقلب معركة الواقع المر الذي أشعل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 . أما بالنسبة إلى العلاقة بالمجلس العسكري، ومعركة الصلاحيات والإعلان الدستوري المكمّل، والبرلمان المنحل بقرار المحكمة، وغيرها من قضايا تشكيل الحكومة الجديدة، وصبغتها، سياسية أو حزبية أو حكومة “تكنوقراط”، أو ائتلاف، أو غير ذلك، فهذه المسائل تفتح باباً جديداً للأسئلة التي لن تلبث أن تجد إجابات سريعة، مع أن الموقف يدعو إلى التحذير من حكومة اللون الواحد، ويكفي ما كان بعد انتخابات العام 2006 في فلسطينالمحتلة، وما أفرزته من أغلبية لحركة “حماس”، وما تبع ذلك من إنتاج حكومة لون واحد، وتجاذب وتنافر تحوّلا إلى اقتتال داخلي، انتهى بما نشهده حالياً من انقسام على اعتاب دخول عامه السابع، هذا مع الإشارة إلى الكثير من نقاط الاختلاف الجذري بين الحالتين . وأخيراً وليس آخراً، تأتي أحلام وآمال وآلام المصريين البسطاء، الذين تحمّلوا عاماً ونصف العام من حالة انعدام الاستقرار، وتزايد حالات الاعتداء والبلطجة، وظلت حالتهم الاقتصادية حبيسة أمل مستقبلي، مركزه خفض نسب البطالة العالية، وتحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي والمعيشي، ووضع الآليات الفعّالة لحل مشكلاتهم الحياتية التي لا تلتفت إلى ما تزخر به السياسة من معارك وصراعات، ولا تلقي بالاً إلى نقاشات المحللين والمختصين والخبراء الذين لا يجدون أبسط من التوصيف الجامد البعيد عن اقتراح أو صياغة الحلول، ولا يبدعون في أغلب الأحيان إلا في جلد الذات والنقد، لتضع أكبر الأسئلة أمام من يهمهم الأمر، وأمام من فوّض المصريين أمور حياتهم إليه . نقلا عن صحيفة الخليج