28 سبتمبر 1970 أصبحت مصر بلا رئيس ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. مات جمال عبد الناصر وسبحان الحي الذي لا يموت وخيم الصمت والرعب علي ضفاف النيل لأن الرئيس الراحل كان بيده مقاليد كل شيء في مصر المحروسة حتي نحن المعتقلين في عنبر تأديب سجن القناطر العمومي سيطر علينا الخوف، فحين سألت أحمد سليم: - جمال عبد الناصر مات؟ أجابني: - أيوة وارجوك مش عايزين نظهر أي رد فعل. ولذلك سألته: - مات ازاي؟ قال: - مات موته ربنا وارجوك مش عايزين نظهر اي رد فعل. فقلت له: - وهي دي حاجة تفرح. وبعدها بحوالي خمس دقائق دخل علي الزنزانة الاستاذ محمد قطب الشقيق الاصغر للشهيد سيد قطب وقال: - هم الان مرتبكون وخائفون ونحن ننتظر منهم اي فعل فأرجوك ان تهدأ انت بالذات. قلت: - ولماذا انا بالذات؟ فضحك ضحكة خافتة وقال: -كل الزملاء يخافون منك انت بالذات ومن رد فعلك الذي قد يكلفنا الحياة. قلت له مندهشاً: - انا يا استاذ محمد لا أشمت في الموت لانني اعرف ان كل نفس ذائقة الموت وكل حي يموت. وخيم الصمت علي سجن القناطر العمومي من الضباط والسجانة والمساجين فيما عدا الاذاعة المصرية التي كانت تولول بأصوات المذيعات والمذيعين علي حد سواء وكان معنا في عنبر التأديب مسجون صعيدي اسمه شاكر رأيته يبكي بحرقة. فسألته: - انت بتعيط ليه يا شاكر؟ قال: باعيط علي جمال عبد الناصر. فقلت له: - مش جمال عبد الناصر ده هو اللي حابسك. قال: - ايوة هو اللي حابسني لكن نزل في القرآن يا عم احمد. قلت له: - نزل في القرآن إمتي يا شاكر؟ قال: - من قيمة شوية كان الراجل بيقول في الراديو انه من القديسين والشهداء. قلت له: - لأ إذا كان كدة يبقي من حقك تعيط وتتنيل بستين نيلة. ومن يومها بس اكتشفت ان احنا يا مصريين شعب بكاء وعرفت ليه احنا بنحتفل بالموت ونغني له اوجع وأعذب الاغنيات والتي يسمونها في الادب الشعبي «العدودة».