ليلة رحيل جمال عبدالناصر كان عندي زيارة والزيارة بالنسبة للمعتقلين هي مصدر الأخبار الموثوق لأن استمرار الاعتقال من عدمه يخضع دائماً للظرف السياسي في تلك الزيارة التي جاء موعدها مع نهاية مؤتمر القمة العربية الذي دعا اليه عبدالناصر لبحث المذابح التي كان يتعرض لها الشعب الفلسطيني علي يد النظام الهاشمي في الأردن والنظام الوهابي في الرياض فيما سمي آنذاك "مذابح ايلول الأسود" ومن هنا جاءت أهمية الزيارةبالنسبة لي وللشيخ إمام من ناحية ومن ناحية أخري بالنسبة للمعتقلين في عنبر تأديب سجن القناطر العمومي ويومها جاء لزيارتي جلال أبو أيمن ونعمة خطيبتي وقال لي جلال. إمبارح زارنا نايف حواتمة قائد الجبهة الديمقراطية في منظمة التحرير الفلسطينية وهو بيسلم عليك بشدة وقال انه كلم الرئيس جمال عبدالناصر بخصوصك انت والشيخ إمام وان الريس رد عليه بغضب قائلاً. ما حدش يكلمني في نجم والشيخ إمام لأنهم شتموني شخصياً وطول ما أنا عايش لا يمكن حيخرجوا من المعتقل والحقيقة ان الكلام ده غاظني جدا جداً لكن مارضتشي أبلغ الشيخ إمام بهذا الكلام الغبي لكن أثناء ما كنا بنمشي في الفسحة قلت له فجأة. تراهني يا إمام إن عبدالناصر مش حيكمل السنة دي في الحكم؟ فتوقف فجأة عن السير وقال بمنتهي العصبية. جمال عبدالناصر حيقعد لحد سنة 1983. فضحكت وقلت له: تراهني. فقال علي الفور: أراهنك علي وقية حشيش قلت وأنا أضحك. موافق: فقال: طب وقدر إن أنت اللي كسبت الرهان أجيب لك منين وقية الحشيش ضحكت وقلت له: يا حبيبي ياغبي ماهو لو أنا كسبت الرهان احنا مش حنبقي هنا. فضحك وقال: أيوه صحيح أما أن صحيح غبي. قلت ضاحكاًَ: بس بلاش التواضع ده. وليلتها نمت مقهوراً ويمكن دي كانت أول مرة أشعر بالقهر وتاني يوم الصبح صحيت علي صوت المرحوم الشيخ منصور الشامي الدمنهوري الذي يسحرني صوته الحزين وأداؤه المميز بصيت علي الجدار المواجه لزنزانتي لقيت الشمس وصلت لمكان سماعة الراديو وده معناه ان الساعة تعدت موعد تلاوة القرآن الصباحي. أمال ليه القرآن دلوقتي. وفجأة فتح باب زنزانتي ودخل منه أحمد سليم وبمجرد دخوله سألته. جمال عبدالناصر مات. فأجاب هامساً: أيوه بس مش عايزين نعمل أي دوشة سألته: مات ازاي؟ قال لي: مات موتة ربنا. قلت علي الفور ودا مش يفرح!