اندهشت عندما اطلعت علي التقرير الأولي لمركز كارتر بمراقبة الانتخابات حول انتخابات الرئاسة عقب جولة الاعادة وكنت اعتقد أنني سأكون أمام تقرير مهني محايد يرصد ويحلل الوقائع علي ضوء ما تم توثيقه من فريق المراقبين التابع له و لكنني فوجئت بتقرير سياسي وليس تقريراً حقوقياً ووجدت لغة سياسية معادية ومنحازة ضد اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة وضد المجلس العسكري وليست لغة حقوقية كما وجدت غياب معلومات أساسية هي ألف باء المراقبة الدولية ومنها معرفة الدستور وأنواع القضاء وتسلسل المحاكم في كل دولة واختصاصاتها وقوانين الانتخابات والإجراءات الإدارية المنظمة ومعرفة نظام قيد الناخبين في الدولة وهي أوراق يتسلمها المراقب الدولي فور وصوله إلي غرفته في الفندق وعليه قراءتها جيداً. وتعلمنا أن تقارير مراقبة الانتخابات لابد ان تكون تقارير واضحة ومحددة في لغتها دون انحياز لأي طرف وتشير الي مرتكب الانتهاك دون خجل ويبدو أن رئاسة الفريق من مجموعة من السياسيين مثل الدكتور عبد الكريم الإرياني رئيس وزراء اليمن الأسبق ومروان معشر وزير خارجية الأردن الأسبق وحفيد جيمي كارتر عضو مجلس الشيوخ لولاية جورجيا أثرت علي لغة التقرير وعدم فهم القوانين ومقارنتها بالمعايير الدولية للانتخابات الحرة النزيهة. فلأول مرة يصف تقرير رقابي حكماً قضائياً صادراً من أعلي محكمة قضائية في مصر أو أي دولة بأنه قرار إدارى ويوجد فرق قانوني بين الحكم القضائي وبين القرار الإداري خاصة مع ربط الحكم بقرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لرجال القوات المسلحة في القبض علي المتهمين أو صدور الإعلان المكمل قبل بداية عملية فرز الأصوات في جولة الإعادة وكان لابد أن يفرق التقرير بين الحكم الذي هو عنوان الحقيقة والذي يجب أن يلتزم به الجميع وبين قرارات تصدرها هيئات سياسية مرفوضة شعبياً وأنا شخصياً ضد قرار وزير العدل وضد الإعلان المكمل لأنهما من رؤية سياسية اغتيال للديمقراطية الوليدة لكن حكمي القضاء أرحب بهما لأنهما انتصرا لمبادئ حقوق الإنسان وهي المساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد. والنقطة الثانية التي أشار اليها التقرير التي كشفت جهل البعثة بالقانون المصري عندما أشارت الى انها لم تتمكن من متابعة عملية تسجيل الناخبين أي القيد في الجداول وبمجرد الاطلاع علي قانون مباشرة الحقوق السياسية سوف يكتشف أي مراقب أن عملية القيد في مصر تلقائية لكل من بلغ 18 عاماً وأنها عملية مستمرة لأن التصويت يتم بالرقم القومي وليس كما يحدث في اليمن مثلاً أن تتم عملية القيد قبل كل انتخابات وتذهب بعثات إلي المدن والقري لقيد الناخبين ففي مصر نظام قيد مختلف ولايمكن أن نوافق علي بعثة مقيمة طوال العام لمراقبة عملية القيد. والنقطة الثالثة التي انتقد فيها التقرير لجنة انتخابات الرئاسة منح التراخيص لهم قبل الانتخابات بأسبوع مما أدي لعدم تمكنهم من مراقبة الحملات الانتخابية وهي عملية لاتستدعي الحصول علي ترخيص من اللجنة ولكنها تحتاج الي ترخيص من المرشحين لأن الحملات الانتخابية ملك لهم ولاسلطان للجنة عليهم فهم يحددون من يحضر أي فاعلية انتخابية ومن لايحضر ومثلما فعلنا في عشرات الدول التي راقبنا فيها الانتخابات ومنها اليمن فقد قمنا بمراقبة الحملات بمجرد إرسال خطاب من البعثة للأحزاب وحملات المرشحين وليس من لجنة الانتخابات خصوصاً وأن كافة الأنشطة كانت تتم لأول مرة في أماكن عامة يمكن لأي شخص حضورها ورصد ما بها من أحداث والنقطة المثيرة وهي الرابعة التي وردت في التقرير وهي التهديد أو القرار الذي اتخذه المركز بعدم متابعة أو مراقبة أي انتخابات في مصر في مثل هذه الظروف السيئة في مصر وهو تهديد ضمني يحمل في طياته أموراً خطيرة ورسائل ملغومة منها أولاً أن الانتخابات غير حرة ونزيهة ثانياً أن الحكومة المصرية هي التي دعت مركز كارتر الي متابعة الانتخابات وأنه لم يطلب منها ذلك ثالثاً إشارة خطيرة للعالم كله أن الأوضاع في مصر سيئة جداً وأن المجلس العسكري فشل في إدارة المرحلة الانتقالية خاصة وأن التقرير تحدث بإسهاب عن حالة الغموض السياسي التي تمر بها مصر وتضارب القرارات التي يصدرها العسكري ومع تأييدي للتقرير في توصيف حالة الغموض وحالة الفشل الذريع للعسكري في إدارة المرحلة الانتقالية لكن أنا ضد هذا التهديد بالمرة وضد استخدام هذه اللغة خاصة وأن مركز كارتر راقب كما ذكر التقرير 1000 لجنة من بين 13 ألف لجنة أي لم بستطع رصد أي تجاوز حدث في الانتخابات خصوصاً وأن عدد البعثة بلغ90مراقباً فقط أي أن كل مراقب تابع مايقرب من 14 لجنة انتخابية وهو عدد وفق أدبيات المراقب لايأتي بتقدير صحيح للعملية الانتخابية لذا خلا التقرير من وقائع تؤكد وقوع الانتهاكات وكان مجرد ملاحظات عامة بدون توثيق دقيق وكان يجب أن يشير الي بعض الوقائع أسوة بما هو متبع في التقارير الدولية. والملاحظة الأخيرة علي التقرير غير المهني لمركز كارتر هي ذكره ان لجنة الانتخابات الرئاسية سمحت للمراقبين البقاء 30 دقيقة داخل كل لجنة والقرار الذي صدر من اللجنة 60 دقيقة أي ساعة ووفقاً لتقاليد المراقبة لايجوز للمراقب أن يبقي في اللجنة اكثر من 10 دقائق لمتابعة محيط اللجنة إن افترضنا انه عين مراقب علي كل صندوق أي انه من حقه الدخول والخروج 6 مرات في اليوم الانتخابي وليس 30 دقيقة كما ادعي التقرير. هذه الملاحظات علي تقرير كارتر ليس للانتقاص من المؤسسة ولكن لأنها اخطأت عندما كلفت سياسيين برئاسة البعثة وليس حقوقين خاصة وأن الدكتور الأرياني ومروان معشر أدارا انتخابات عندما كانوا مسئولين في بلديهما كانت أسوأ من الانتخابات المصرية حتي التي كانت تجري في النظام السابق بمعني أن ليس لهم ايادٍ بيضاء علي الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلديهما وليست مصر المكان الذي ياتي فيه أي شخص ليغسل تاريخه ويدعي أنه نصير للديمقراطية بعد أن انتهكها عندما كان في السلطة وهي نقطة جوهرية تفقد التقرير من البداية نزاهته ومصداقيته ومهنيته بجانب جهل من كتب التقرير بالقانون المصري المنظم للانتخابات. وأود أن أهمس في أذن مستر كارتر اسأل عن من الذي أصر علي وضع المادة 28 في قانون الدستور وحرض الناس علي التصويت بنعم يوم 19 مارس 2011 وكفر من قال لا واسأل عن من الذي عدل قانون انتخابات الرئاسة مرتين أثناء بدء العملية الانتخابية ومن الذي عدل قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل إغلاق باب الترشح بأربعة أيام وأصر عليه أليس هذه التعديلات ادت الي زيادة حالة الغموض والارتباك وأليس من المعايير الدولية للانتخابات الحرة النزيهة استقرار القواعد القانونية التي ستجري عليها الانتخابات قبل الاجراءات الإدارية المنظمة لها ولايجوز تعديل اي قانون طالما أعلن عن فتح باب الترشح؟ يبدو أن كارتر وشلته انخدعوا في النتائج التي أعلنت من مرشح بعينه وأراد مغازلته بهذا التقرير السياسي الذي يؤكد لي كل يوم ان المنظمات الأمريكية التي تدعي أنها دولية هي مجموعة من المتاجرين بالديمقراطية وحقوق الانسان.