قبل أن يعثر الموظف على اسمي ويقارنه بالاسم المثبت فى بطاقة الرقم القومى، تخيلته يرفع رأسه ويقول لى جملة سمعتها منذ 35 سنة: ما أنت انتخبت قبل كده أنا؟ مش ده اسمك؟ قبل 35 سنة ذهبت لصناديق الانتخاب لكي أدلى لأول مرة بصوتى كمواطن، وكنت قبل أيام قد استلمت بطاقة الانتخاب الخاصة بى، جاء أحد رجال الشرطة إلى المنزل وتسلمتها بعد توقيعى فى كشف معه، أمام مكتب ناظر مدرسة الأقباط الإعدادية بطنطا، وقفت أنتظر دورى، بعد فترة قصيرة شاهدت أحدهم يقدم بطاقته، فتشوا فى الكشوف عن اسمه، دقائق ورفع المراقب عينيه من الكشوف وصاح فى الرجل: ما أنت انتخبت قبل كده، أقسم الرجل أنه لم يأت سوى هذه اللحظة، وطالب بأن يرى توقيعه، كما طالب من المراقب أن يتأكد من صحة الاسم ربما كان متشابها، احتد الحوار بين الموظف والمراقب وارتفعت الأصوات وكاد الحوار يتحول إلى مشادة، أسرع إلى الغرفة بعض رجال الأمن، استفسروا بهدوء عن سبب المشادة، بعدها سحبوا الرجل إلى خارج اللجنة، لا أعرف ماذا قالوا له، لكنني شاهدته يسرع خطاه فى فزع شديد إلى خارج المدرسة. تذكرت هذه الواقعة أثناء بحث المراقب عن اسمي فى كشوف انتخابات الرئاسة الأسبوع الماضى، وقلت لنفسى: ماذا لو اكتشفت أن احدهم اختار الرئيس نيابة عنى؟، هل سأتمسك بحقي في التصويت أم سأسرع الخطى مثل الرجل الذى شاهدته منذ 35 سنة؟. قررت ساعتها أن أتمسك بحقى، الأيام اختلفت والحكومات تبدلت، ونحن اليوم فى ثورة ضد القهر، وقد شجعنى على اتخاذ هذا الموقف كلمة للمناضل الأمريكي مارتن لوثر كنج (1929 1968) كانت لها أثر كبير فى حصول الزنوج فى أمريكا، على حقوق سلبها البيض منهم، قال: «لا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنيا»، نعم لن أنحنى لأحد، وسوف أتمسك بحقى فى التصويت، قبل ثورة يناير كنا نولد منحنين بسبب الفقر والقهر والمعتقلات، وقد علمتنا الحكومات السابقة كيف نكون مطايا، كما عودونا على الانحناء، أذكر فى الطفولة كنا نرتدى المريلة من قماش يسمى تيل نادية، وكانت هذه المريلة هى الزى الموحد لجميع الأطفال فى مدرسة القرية، فى السنة الرابعة صدرت تعليمات من مديرية التعليم وربما من الوزارة أن تسمح ادارة المدرسة للتلاميذ ابتداء من الصف الرابع بارتداء ملابس مدنية، بعد أيام من تطبيق هذه التجربة اكتشفت ادارة المدرسة أن معظم التلاميذ يحضرون بالمريلة، وأن عددا محدودا لا يتعدى أصابع الكفين، جاء بشورت أو ببنطلون وقميص، استفسروا من التلاميذ واكتشفوا أن الفقر جعلهم يتوارون فى المريلة. عندما وقعت ما اسموها بالنكسة نبهوا علينا ألا نتكلم فى السياسة، وإذا تحدثنا هتفنا باسم زعيم الأمة العربية: «بالروح بالدم نفديك يا جمال، بالروح بالدم هنكمل المشوار»، لم أكن أعرف أيامها ما هو المشوار، لكننى أدركت ان جميع هتافاتنا تتضمن روحًا ودمًا، ارواحنا ودماءنا، وكنا نرى اهالينا وهم يهمسون فى المنازل بتناتيش حكايات عن اختفاء بعض الأشخاص، قيل إنهم عملاء وخونة، وقيل إنهم يكرهون الوطن، وقيل: إنهم كانوا ينتقدون زعيم الأمة، بعد شهور أو سنوات كان بعض هؤلاء يظهرون فجأة، لكننا لم نكن نستطيع التحدث أو الترحيب بهم، كما أننا لم نكن على يقين أنهم هم الذين اختفوا من فترة، فالذى عاد أصبح مهزوما ومكسورا يفضل الإنزواء والبقاء فى المنزل عن الاختلاط والجلوس فى المقهى. قدم الموظف لى قلم جاف وأشار إلى خانة بيضاء أمام أسمى وطلب منى التوقيع، وقعت اسمى كما كانوا ينادون به فى الفصل، واستلمت من القاضي ورقة تتضمن صورة واسم ورمز لمحمد مرسى ممثل الدولة الدينية، ولأحمد شفيق ممثل الدولة المدنية، اخترت الدولة المدنية الديمقراطية وأعدت بطاقتي مرة أخرى إلى جيبى، على باب اللجنة سألت نفسى: ماذا لو كان هناك من سبق واختار نيابة عنك؟، هل كنت ستعمل بمقولة مارتن لوثر كنج أم ستهرب فى فزع كما فعل الرجل منذ 35 سنة؟. منذ يومين قرأت ما يكتب عما تم تزويره وتسويده فى بطاقات انتخابات الرئاسة، قيل: إن جماعة الإخوان سودت آلاف الأصوات، وأكد كمال الهلباوى المنشق عن الجماعة لإحدى الفضائيات عدم استبعاده قيام الجماعة بتزوير الانتخابات، واستنكر بشدة استباق محمد مرسى للأحداث وإعلان فوزه بمنصب الرئاسة بعد ست ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع.