فتح استبدال نص المادة 38 من الإعلان الدستورى الصادر 30 مارس من العام الماضى والذى ينص على: «ينظم القانون حق الترشيح لمجلسى الشعب والشورى وفقاً لأى نظام انتخابى يحدده»، الباب على مصراعيه أمام تكهنات هذا وذاك، من الأطراف الفاعلة فى المشهد السياسى المصرى، لإقراره بدعوى أنه يتماشى مع طبيعة الوضع فى البلاد وفقاً لرؤيته الشخصية. أغلب المقترحات لم تخرج عن حيز الرؤى المألوفة إلا قليلاً منها، فانحصرت تلك الرؤى فى ترجيح تطبيق النظام الانتخابى الفردى مع تعديل قانون الدوائر الانتخابية لتصبح أصغر تلائماً مع طبيعة هذا النظام، أو نظام الانتخاب بالقائمة النسبية «مغلقة مفتوحة»، أو النظام المختلط، إلا أن بعض المقترحات طالبت بتطبيق نظم جديدة لم تعهدها البلاد سابقاً تماشياً مع طبيعة الوضع السياسى الحالى الذى تشهده البلاد. ورغم أن النظام الانتخابى الفردى استحوذ على نصيب الأسد خلال العقود الماضية من حيث التطبيق، إلا أن الكثيرين تعالت أصواتهم مطالبة بضرورة إتاحة الانتخاب بنظام القائمة النسبية أو النظام المختلط لما له من أهمية كبيرة فى الحياة السياسية الفترة الحالية. والنظام الانتخابى الفردى يتم فيه التنافس بين المرشحين فى دوائر جغرافية صغيرة تساوى، عدد المقاعد المطلوبة للبرلمان، بحيث يفوز بكل دائرة أحد المرشحين، ومن مزايا هذا النظام زيادة ارتباط النائب بدائرته الصغيرة، وإعطاء قضايا الدائرة فرصة أكبر لتمثيلها مباشرة فى البرلمان، إلا أن البعض حذر من خطورته، لأنه يعطى المال وشراء الأصوات فرصة كبيرة للتأثير على نتائج الانتخابات، كما يتيح للعصبيات والقبلية دوراً كبيراً فى اختيار النواب فى بعض الدوائر. أما الانتخاب بنظام القائمة النسبية فالتصويت فيه يركز على البرامج والأحزاب وليس الأشخاص، ويتميز هذا النظام بأن دوائره الانتخابية أقل عدداً وأكبر مساحة، وتوزع مقاعد الدائرة على القوائم بشكل يتناسب مع الأصوات التى حصلت عليها، وعادة يشترط لمنح القائمة مقعداً حصولها على حد أدنى من الأصوات يحدد بنسبة معينة. أما النظام الثالث فهو النظام المختلط والذى يجمع بين القائمة الحزبية المغلقة والفردى، وهذا النظام طبقته البلاد أكثر من مرة سابقاً، وتسبب فى حل مجلس الشعب أعوام 1987 و1990، وأخيراً العام الحالى، لإقرار المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون الانتخاب الذى على أساسه تمت الانتخابات الذى نص على انتخاب ثلثى أعضاء مجلسى الشعب والشورى بنظام القائمة الحزبية المغلقة، والثلث المتبقى بالنظام الفردى، على أن تتضمن كل قائمة مترشحة سيدة واحدة على الأقل، وخفض القانون المعدل عدد مقاعد مجلس الشعب إلى 498 مقعداً، وقسم محافظات مصر إلى ست وأربعين دائرة انتخابية يُصوت لمرشحين فيها بنظام القوائم، وثلاث وثمانين دائرة أخرى يُصوت فيها بالنظام الفردى. النائب الوفدى محمد عبدالعليم داود، وكيل مجلس الشعب، علق قائلاً: تطبيق النظام الفردى أمر فى غاية الخطورة، لأنه سيعود بالحزب الوطنى مرة أخرى نظراً لتكتل أمن الدولة والأجهزة الأمنية ولصوص النظام السابق. وتابع: الانتخابات الأخيرة التى أجريت وفق النظام المختلط والتى أنفق عليها أكثر من 2 مليار جنيه، كانت الأنزه فى تاريخ الحياة النيابية المصرية، ولن تتكرر ثانية، خاصة أن المجلس معبر بصدق عن الشعب، معتبراً أن النظام الفردى لن يستطيع أن يأتى بمجلس يعبر بأى حال من الأحوال عن جميع طوائف الشعب مثل النظام المختلط. ووصف عودة النظام الانتخابى الفردى بمحاولة إحياء النظام القديم وإنتاجه مرة أخرى، خاصة مع سهولة تزوير الانتخابات فى ظل هذا النظام بالمقارنة بصعوبة ذلك فى نظام القائمة. ويضيف «داود»: إذا نظرنا إلى الدولة وما يجرى فيها حالياً ومحاولات أعضاء الحزب الوطنى الاجتماع من جديد بمراكز الشباب، بموافقة المجلس العسكرى وأمن الدولة، والخلل الأمنى المفتعل وتصدير المشاكل للبرلمان، كل هذا يعنى غلق ملفات سرقة الأراضى وتحويل الأموال إلى الخارج وقتل الثوار حال فوزه وتشكيل مجلس الشعب وفق النظام الفردى. أما نائب رئيس حزب الوفد بهاء الدين أبوشقة فكان له رأى آخر، فهو يعتقد بأن النظام الفردى هو النظام الأصلح لمصر تجنباً لدخول البلاد فى متاهات دستورية وقانونية وضماناً لتحقيق استقرار سياسى دون مضيعة الوقت، لأن هذا النظام محصن من الطعن عليه بعدم الدستورية. وقال «أبوشقة» نظام القائمة يحتاج إلى أحزاب قوية تكون على درجة من التقارب، لكن فى ظل تواجد تفاوت بين الأحزاب سيسيطر على قوائم الأحزاب القوية فقط، ليبقى أمام الأحزاب الضعيفة الدخول فى زمرة تحالف مع أحزاب قوية لتحصل على الفتات، أو تظل مستقلة ولا تحصل على أى مقعد. وتابع نائب رئيس الوفد: نظام القوائم جرب فى البلاد مع الفردى، فقضى بحل مجلس الشعب وعدم دستورية القانون فى 1987، وعندما حاولوا تصحيح القانون وإجراء الانتخابات وفق قانون آخر للنظام نفسه حل أيضاً المجلس عام 1990، وأخيراً مجلس الشعب الأخير. وفيما يتعلق بالدوائر الانتخابية فى ظل هذا النظام، قال: «الدوائر الانتخابية مسألة تنظيمية لا تلحق بالأصل القانون، فإصدار قانون بالنظام الفردى هو الأصل الذى تجرى على أساسه الانتخابات، أما طريقة تقسيم الدوائر فستوضح فى لوائح تنفيذ القانون، مشيراً إلى أن الدوائر الانتخابية الفردية موجودة بالفعل وأجريت عليها انتخابات سابقاً، وأن عددها 222 دائرة انتخابية ل444 مقعداً. ويتفق معه أحمد حسن، أمين الحزب الناصرى، قائلاً: «الفردى هو النظام الأصلح، لعدم وجود كتل حزبية ناضجة أمام الناخبين، مشيراً إلى أن الذين سيمارسون العملية الانتخابية القادرون على رشوة الناخبين والدعاية بكثافة. وأضاف: بعد تجربة مجلس الشعب الأخيرة الشعب لم يجد أحزاباً حقيقية تغلغلت فى أعماق احتياجاته ومفاهيمه وقدمت رؤية حقيقية لمستقبل البلاد، فلم تقدم الأحزاب الموجودة حالياً شكلاً يرضى الجماهير فى ظل انتشار الرشاوى وتخريب الذمم. ورداً على مخاوف البعض من سيطرة أعضاء الحزب الوطنى على المقاعد النيابية فى حالة إجراء الانتخابات بالنظام الفردى، قال: ليس أعضاء الحزب الوطنى فقط من يملك الأموال الضخمة التى يسيطر بها على الناخب، فهناك جماعات وقوى فى الشارع تملك إمكانيات تفوق مئات المرات إمكانيات أعضاء «الوطنى»، مؤكداً أن أعضاء الحزب الوطنى لم يحوذوا الأغلبية بسبب المال فقط، ولكن لتزوير الانتخابات وعزوف الناخبين عن المشاركة فى التصويت. وقدم المتحدث باسم حزب التجمع نبيل زكى رؤية لنظام انتخابى جديد يمكن تطبيقه فى البلاد يقوم على تحويل مصر كلها إلى دائرة انتخابية واحدة، يطبق فيها النظام الانتخابى بالقائمة، مع منح المستقلين حق تشكيل قوائم، لتحصل كل قائمة على مقاعد تماثل نسبة التصويت التى حصلوا عليها، فلو كان عدد القوائم 100 وحصلت قائمة على 1٪ من الأصوات، لها الحق فى الحصول على كرسى نيابى واحد. وأكد «زكى» أن النظام الانتخابى الفردى يشوبه العديدمن العيوب على رأسها أن النائب يكون نائب خدمات، يطالب بخدمات معينة لدائرته فقط، فلا يصبح نائباً عن الأمة كلها. وطالب النائب المستقل عماد جاد، بضرورة تطبيق نظام القوائم فى الانتخابات التشريعية المقبلة، قائلاً: إذا أردنا أن ننشئ نظاماً ديمقراطياً فلابد من تقوية الأحزاب الموجودة على الساحة، وهذا لن يحدث إلا إذا اعتمدنا على النظام المختلط الذى يضم القوائم والفردى، مع وضع قانون دستورى يضمن عدم حل المجلس. ووصف تطبيق النظام الفردى فقط باستمرار الضعف السياسى للبلاد، والدخول فى متاهات ومشاكل كثيرة.