70 عاماً من الإبداع.. والنهر الخالد ما زال يجرى إنه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب التى تحل غداً ذكرى ميلاده، ولا نعلم بالضبط متى ولد، وهذا أمر مختلف عليه. ولكن ما يؤكده التاريخ أن ظهور محمد عبدالوهاب على الساحة الموسيقية والغنائية فى عشرينيات القرن الماضى، كان ميلادًا جديدًا للموسيقى والغناء بعد رحيل فنان الشعب سيد درويش 1923، ظهر عبدالوهاب كحالة جديدة ومختلفة تماماً، موهوب بالفطرة وتربى فنياً وأدبياً وشعرياً على يد أمير الشعراء أحمد شوقى بك، الذى أثر كثيراً فى شخصية عبدالوهاب الفنية وحتى الشعرية والأدبية. قطع عبدالوهاب العهد على نفسه أن يرتقى بالأغنية والموسيقى ليحدث نقلة هائلة فى عالم الموسيقى والأغنية المصرية بصوته الرخيم، استطاع أن يرتقى بأحاسيس الملايين على مدى سنوات طويلة، صوته العذب كان يحمل معانى وروعة زمن مضى. حدث ولا حرج عن أغنيات الموسيقار الراحل التى ما زال معظمها محفورًا فى الوجدان ولا أبالغ إذا قلت إن عبدالوهاب أفضل من غنى من الرجال على مدى تاريخ الأغنية المصرية والعربية. حرك المياه الراكدة بأغانٍ عذبة ومعان فريدة للغاية، غنى من تأليف فحول الشعر، أحمد شوقى وعزيز أباظة وأحمد فتحى وأحمد رامى ومأمون الشناوى وعبدالمنعم السباعى، وبالطبع الرائع حسين السيد، وأخيراً مرسى جميل عزيز. روائعه الغنائية على سبيل المثال وليس الحصر «كليوباترا» و«حياتى أنت» و«همسة حائرة» و«النهر الخالد» و«الحبيب المجهول» و«عاشق الروح» و«دعاء الشرق» و«حبيبى لعبته» و«عندما يأتى المساء» و«مصر نادتنا» و«كل ده كان ليه» و«يا مسافر وحدك» و«أنا والعذاب وهواك» و«خى» و«من أد إيه كنا هنا» و«آه منك يا جارحنى» و«علشان الشوك» و«يا دنيا يا غرامى» و«هان الود» و«جفنه علم الغزل» و«حكيم عيون» و«آه منك يا جارحنى» و«إنسى الدنيا» و«فى الليل لما خلى» و«النيل نجاشى» و«ياللى نويت تشغلنى» و«على إيه بتلومنى» و«لست أدرى»، ولا ننسى آخر ما غنى رائعة «من غير ليه» تأليف مرسى جميل عزيز والتى كان من المقرر أن يغنيها العندليب الراحل عبدالحليم حافظ والذى رحل عام 1977، وظلت الأغنية حبيسة إلى أن ظهرت بصوت الموسيقار الراحل فى مايو 1989 وأحدثت دوياً هائلاً. حدث ولا حرج عن ألحان عبدالوهاب الخالدة لعمالقة الطرب وحتى الشباب وجميعها تجسد بالفعل الزمن الجميل للموسيقى والغناء، وفن حقيقى باق مهما مرت السنوات، لحن لكوكب الشرق أم كلثوم مجموعة من أروع ما غنت، تأخر لقاؤهما كثيراً حتى تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بصفة شخصية ليتعاونا فنياً حتى تحقق لقاء السحاب فى فبراير 1964 برائعة «أنت عمرى» تأليف أحمد شفيق كامل، واستمر التعاون بينهما فى الروائع الأخرى «أنت الحب» و«أمل حياتى» و«فكرونى» و«هذه ليلتى» و«دارت الأيام» و«أغداً ألقاك» وأخيراً «ليلة حب» وكانت بحق مسك الختام بين العملاقين. العلاقة بين عبدالوهاب والعندليب الراحل عبدالحليم حافظ كانت حدوتة فنية، كانت بحق علاقة قوية للغاية بين الأستاذ والتلميذ، استمرت قوية حتى رحيل حليم. عندما ظهر العندليب فى بداية الخمسينيات أحس عبدالوهاب بمدى موهبته الفذة وعامله كابن له، ولحن له عشرات الروائع، نذكر منها «أهواك» و«توبة» و«ظلموه» و«عقبالك يوم ميلادك» و«إيه ذنبى إيه» و«علشانك يا قمر» و«قوللى حاجة» و«الويل الويل» و«فوق الشوك» و«يا خلى القلب» و«ذكريات» و«أنا لك على طول» و«المركبة عدت» ورائعتى «فاتت جمبنا» 1974، و«نبتدى منين الحكاية» 1975. ولا ننسى مشاركة العندليب فى أنشودة «الوطن الأكبر» و«الجيل الصاعد». لحن عبدالوهاب لنجاة الصغيرة العديد من الأغنيات الرائعة، نذكر منها «مرسال الهوى» و«إلا أنت» و«آه لو تعرف» و«القريب منك بعيد» و«حبك أنت شكل تانى» و«دوبنا حبايبنا» و«موكب حب»، والقصائد وما أروعها «لا تكذبى» و«أيظن» و«ماذا أقول له» و«إلى حبيبى»، وأخيراً «أسألك الرحيل» ولحنها 1990، وهى من أكثر المطربات اللاتى غنين من ألحان عبدالوهاب. ولحن لوردة، روائع «لولا الملامة» و«فى يوم وليلة» و«أنده عليك بالحب» و«بعمرى كله حبيتك» و«لبنان الحب» و«أنشودة مصر». ولحن لكروان الشرق الراحلة فايزة أحمد «ست الحبايب» أروع أغنية عبرت عن الأمومة، و«قدرت تهجر» و«هان الود». ولحن لمحمد ثروت «مصريتنا» و«يا حياتى». ولحن لياسمين الخيام «خدنى معاك».. كما وضع العديد من المؤلفات الموسيقية الرائعة. استطاع عبدالوهاب بعبقرية شديدة أن يجمع النجوم والنجمات الشباب فى أوبريت «الأرض الطيبة» 1981 وهم محمد الحلو ومحمد ثروت وسوزان عطية وتوفيق فريد وإيمان الطوخى وزينب يونس، وكان الأوبريت من كلمات حسين السيد وحقق نجاحاً مدوياً. حصل محمد عبدالوهاب على العديد من الأوسمة والنياشين من العديد من الزعماء فى مصر والعالم.. ولكن التكريم المختلف الذى منحه الرئيس الراحل أنور السادات رتبة اللواء شرفياً، وظهر مرتدياً الزى العسكرى وهو يقود الفرقة الموسيقية لعزف السلام الوطنى «بلادى بلادى». رحل عبدالوهاب يوم 4 مايو 1991، لكنه يبقى على الدوام ظاهرة فنية نادرة فى الرقى والإحساس والإبداع الفنى الشديد، وهو الذى جعل للموسيقى والغناء شأنًا آخر.. وهو الجامعة التى تخرج فيها كافة المبدعين من المطربين والملحنين ،والقدوة لكل من مارس فن الموسيقى والغناء منذ ما يقرب من قرن من الزمان.