على الرغم من صعوبة أوقات عديدة مرت بها مصر خلال العام والنصف الماضى ، إلا أن ما نمر به هذه الأيام قد يمثل لحظة من أحرج اللحظات فى تاريخ مصر ، فالتفاعلات عديدة ، والتغيرات دراماتيكية ، والأحداث تتابع وتتصاعد بشكل غير متوقع وغير مسبوق ، فخلال المائة ساعة الأخيرة تابعنا حكمين من أهم أحكام المحكمة الدستورية من حيث تأثيرهما فى المشهد السياسى ، أفضى أحدهما إلى حل مجلس الشعب الأول بعد الثورة ، وقضى الثانى بإستمرار أحد مرشحى الرئاسة فى السباق . وقد أعلن أعضاء من مجلس الشعب رفضهم للحكم !! ، مما حدا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار بيان تنفيذى لحكم الدستورية !! ، فيصر عضوان بينهما رجل قانون على الذهاب إلى المجلس فيمنعهما الأمن تنفيذاً للقانون الذى لم يحترمه أحد رجاله !! إنها أمور تدعو للعجب ، رجال القانون ، الذين من المفترض أنهم أكثر الناس إدراكاً لمعنى وإحتراماً لقيمة الأحكام الدستورية هم الذين يرفضون تنفيذها ، وإحدى سلطات الدولة ترفض أحكام سلطة أخرى مارست دورها وواجبها الوطنى ، ليتطور صدام السلطات إلى تصارع ينال من الدور الوطنى لكل منها . ولم يكد يفيق الشعب من اللغط الإعلامى حول أحكام الدستورية ، حتى دخلنا فى دوامة متابعة جولة الإعادة من إنتخابات الرئاسة ، تلك الجولة التى سادها طقس شديد الحرارة والرطوبة ، مما دفع البعض لإستغلال أيام إجازة الإنتخابات فى الذهاب إلى المصائف مهملين لحق الوطن عليهم ، ليضاف هؤلاء إلى مجموعة أخرى رفعت شعارى المقاطعة وإبطال الأصوات ، فبعد هذا العمر الذى إنتظرناه لنصل إلى اللحظة التى ننعم فيها بممارسة حقنا الإنتخابى دون تدخل أو تزييف للإرادة ، وبعد أن نصل إلى إنتخابات حرة ونزيهة بشهادات الداخل والخارج من المتابعين ، وبعدما يصبح لصوتنا قيمة ولإرادتنا دور فى صنع مستقبل البلد ، نجد العديد منا يترفع عن المشاركة بحجة عدم قناعتهم بكلا المرشحين اللذين أتت بهما صناديق إنتخابات المرحلة الأولى ، والحقيقة فهذه رفاهية إنتخابية لا تتناسب معنا على الأقل فى هذه المرحلة ، بل والبعض يعتبر ذلك تقصيراً فى حق الوطن وإخلالاً بالواجب الوطنى . إن الإمتناع والإبطال كرد فعل إحتجاجى يصب بالفعل فى صالح أحد المرشحين على ماأتى به الصندوق الإنتخابى فى المرحلة الأولى ، يؤكد أننا نريدها ديمقراطية " على مزاجنا " . وخلال متابعتنا لمن حضر ومن إمتنع ، تطل علينا أغرب الغرائب وأطرف الطرائف ، وهى إعلان حملة أحد مرشحي الرئاسة بعد سويعات قليلة من إنتهاء التصويت عن فوز مرشحها ، على الرغم من إستمرار الفرز فى بعض اللجان ، ثم يتبع ذلك مؤتمراً صحفياً للمرشح الفائز بنفسه ( أقصد الرئيس ) ليلقى إلى الشعب خطاب الإنتصار عقب" صلاة الفجر " وبصحبة بعض رموز تياره السياسى ، ، لنرسى مبدأً إنتخابياً " صُنع فى مصر " أمام العالم كله ، وهو إعلان المرشح فوزه بنفسه دون إنتظار لإنتهاء العملية الإنتخابية أو إنتظار إعلان اللجنه المسئولة عن تلك الإنتخابات ، موقف لم نره من قبل لا فى العالم المتقدم ولا فى العالم المتخلف ، حقاً إختراع لابد ان يسجل مصرياً 100% . ثم نصل إلى أن يعلن كلا المرشحين فوزه ورفض ما يعلنه معسكر المرشح الآخر ، فيما تبقى اللجنة المسئولة تلزم الصمت ، ويبقى الشعب فى حيرة من أمره ، فهل ما يحدث هو إستباق ، أم نشوة إنتصار ، أم سيناريو محدد سلفاً لتكريس واقع معين ، الحيرة تسكن رؤوس الشعب وتغذيها البرامج الفضائية . ومع تلاحق تلك الأحداث على أهميتها أصبحنا كجمهور مباريات التنس ، رؤوسنا تدور يميناً ويساراً لمتابعة ما يدور ، ولا نستطيع إغماض أعيننا للحظة حتى لايفوتنا حدث من الأحداث . وما بين حل مجلس الشعب وإنتخابات الرئاسة وتأسيسية الدستور والإعلان الدستورى المكمل وصلاحيات الرئيس الجديد ودعوى حل الأحزاب القائمه على أساس دينى ، يبدو الصدام وشيكاً بين جماعة الإخوان المسلمين ( وليس حزب الحرية والعدالة ) وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، والصدام هذه المرة لا يبدو ناعماً ، ولكنه قد يكون عنيفاً ، وقد ينال من حلم الإستقرار الذى يتوق إليه كل المصريين ، وهكذا عند اللحظة التى إنتظرناها لتكون نهاية المرحلة الإنتقالية بإضطراباتها لنبدأ مرحلة الإستقرار ، نجد انفسنا على أعتاب مرحلة إنتقالية جديدة ، قد تشهد صدامات وليس إضطرابات ، ويبدو أن القادم أخطر ، والآتى قد يشهد تطورات تحمل معها تغييرات فى المشهد السياسى ، لو لم نحكم ضمائرنا فى أفعالنا وردود أفعالنا ، وأن ننحى جانباً المصالح الضيقة لتياراتنا السياسية ، إعلاءً للمصالح الأوسع لكامل الوطن بكل أطيافه ، وأجياله الحالية ومستقبل أبنائه .