[أحمد فودة يكتب:حل مجلس الشعب المصري ومجتمع الفاسدين] أحمد فودة كنا نظن أن نظام مبارك، الذي قامت ثورة يناير للقضاء عليه، هو وحده الفاسد مع بعض القوى والمؤسسات المستفيدة من وجوده. لكن بمرور الأيام اتضح أن الفساد لم يقتصر فقط على هؤلاء، ولكن شمل كافة مؤسسات وفئات المجتمع.. بدءا من أجهزة الشرطة والجيش والمخابرات ومرورا بالسلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، ووصولا إلى فئات المجتمع ومؤسساته المدنية.. فالجميع فاسدون.. لا نستثني أحدا. لقد كنا نظن أن انكسار قوات الأمن يوم 28 يناير في جمعة الغضب، يعني سقوط النظام.. لكن وجدنا أن الجيش، الذي نعتبره جيش الشعب، يقف قلبا وقالبا مع النظام، وإن كان بشكل غير مباشر. فقد تركه يفعل ما يشاء مع الثوار من قتل ودهس واختطاف، وكانت نقطة الذروة في موقعة الجمل حينما سمحت قوات الجيش التي تحمي الميدان بدخول البلطجية إليه وقتل المتظاهرين بدم بارد دون أن تحرك ساكنا. وبعد أن وجد الجيش ممثلا في مجلسه الأعلى، أن الثورة لن تهدأ إلا برحيل مبارك، قام بالضغط عليه على أمل أن يتوقف الزخم الثوري ليتفرغ لعملية قتل الثورة، من خلال إدخالها في آتون الصراعات والأنفاق القانونية والسياسية. وهو ما رأيناه بدءا من التعديلات الدستورية واستخدامها في تنفيذ سياسة "فرق تسد" بين القوى الثورية، والتي نجح فيها نجاحا كبيرا. وهكذا فعل طوال الفترة الانتقالية من خلال وضع قوانين للانتخابات البرلمانية والرئاسية يشوبها البطلان الدستوري حتى يستخدمها في الوقت المناسب بعد حرق قوى الثورة أمام الشعب المصري ودفع هذا الشعب إلى كره الثورة، واختيار ممثل النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، أحمد شفيق، طلبا للاستقرار والأمن المفقود. وساعده على ذلك تلك القوى السياسية القديمة التي كانت تعتبر جزءا من النظام السابق، وعلى رأسها القوى اليسارية والليبرالية. كما ساعدت القوى الإسلامية بارتكابها الأخطاء القاتلة التي زادت من كراهية الشعب للعلمية السياسية برمتها، خاصة في ظل الأزمات الحياتية التي كان يفتعلها المجلس العسكري من أجل الضغط على الشعب ليكفر بالثورة. ولا يمكن أن ننسى الدور الذي شاركت به السلطة القضائية في هذه اللعبة من خلال إصدار الأحكام وفقا لأدلة تقدمها لها الأجهزة والمؤسسات التي تتبع النظام السابق وتسعى لاستعادته مرة أخرى، دون أن يبادر القضاة إلى طلب أدلة جديدة من قوى ومؤسسات محايدة، وهو ما أدى إلى إصدار أحكام بالبراءة ضد قتلة الثوار من رجال الشرطة، وكذلك الأمر مع الرئيس المخلوع حسني مبارك ورموز حكمه، فضلا عن رفض الحكم في قضايا الفساد المالي والإداري بدعوى انقضاء المدة الزمنية. وكأنه ليس هناك ثورة قامت وغيرت من قواعد العمل القانوني والسياسي في البلاد. ثم جاء الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا مؤخرا بخصوص قانون العزل السياسي ضد رموز النظام السابق، وقانون انتخابات مجلس الشعب، ليقضي على ما تبقى من الثقة في نزاهة هذه السلطة القضائية، بعد أن حددت المحكمة وقتا لإصدار الحكم تثور حوله الكثير من الشبهات، حيث جاء قبل يومين فقط من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية للتأثير على توجهات الناخبين، حينما قضت بعدم دستورية عزل أحد مرشحي جولة الإعادة المدعوم من كافة قوى النظام السابق، وكأنها تقول للناس إنه سوف ينجح غصبا عن إرادة المواطنين. وكذلك الأمر بالنسبة للحكم بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، والذي أوصل رسالة مفادها أن المؤسسة الوحيدة المنتخبة بإرادة شعبية حقيقية يمكن القضاء عليها من قبل قوى النظام السابق في الوقت الذي يريدونه، لأنهم المتحكمون بزمام الأمور، وليس الثوار. لقد جاء حكم المحكمة الدستورية العليا ليؤكد على أن مبارك لم يخلق فقط نظاما فاسدا بل مجتمعا من الفاسدين، وأن نجاح الثورة لن يتحقق إلا بعد القضاء على هذا الفساد. وهو ما يعني أن هناك سنوات طويلة من العمل الجاد أمام قوى الثورة، شريطة التوحد وصدق النوايا. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية