يلح عليّ كثيراً هذه الايام بيت الشعر عظيم المعني كثير الحكمة، الذي نظمه اكثر شعراء الوطنية المصرية، شاعر النيل، حافظ إبراهيم.. يقول هذا البيت الذي يعبر تماما عن حالتنا الحالية: إلام الخلف بينكم إلام وهذه الضجة الكبري علام وقال حافظ إبراهيم عندما اختلف كل المصريين في عشرينيات القرن الماضي وانقسمت الأمة وكادت تنحدر إلي منزلق خطير.. هكذا نحن الآن. وإذا كانت الأمة قد انقسمت زمان بين سعد وعدلي.. فانها تنقسم الآن بين شفيق ومرسي وشتان ان يكون مرسي في مقام سعد زغلول.. أو مقام عدلي يكن، فقد كان كلاهما من رجالات مصر العظماء الذين تركوا بصمات رائعة في تاريخ مصر.. وأعود وأسأل: هل كل هذا الانقسام والاختلاف حول تشكيل الجمعية أو اللجنة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور.. وإذا كان تشكيل اللجنة قد أدي إلي كل ما نعيشه هذه الأيام.. فماذا يكون الوضع عند صياغة أي مادة من مواد الدستور، وهناك الكثير من الألغام في طريق هذه المواد ربما أخطرها المادة الثانية.. وربما أيضا المواد التي تحدد سلطات رئيس الجمهورية حتي لا نصنع بأيدينا فرعونا جديداً.. وحتي لا نسمح لهذا الرئيس - يوما ما - بتعديل أي مادة، أو باضافة أي مادة كما حدث في آخر أيام السادات الذي قتلته جماعة إسلامية خرجت من العبادة الأم لكل التنظيمات الإسلامية في مصر.. أو تلك التعديلات التي تمت في عهد حسني مبارك.. ولا ندري ما الذي سوف نصر عليه ومن أهمها الفصل بين السلطات، لأن هناك بدايات أو إشارات تتحدث عن اعتداء سلطة علي أخري، أو التقليل منها.. ما دمنا دخلنا عصر التكويش علي كل السلطات في مصر. وهذه الاختلافات الآن حول تشكيل لجنة إعداد مشروع الدستور تشير إلي السبب الجوهري لإعداد ترتيبات انتخاب رئيس الجمهورية قبل إعداد مشروع الدستور.. ورغم عقبات انتخاب الرئيس إلا أن مشاكل اعداد الدستور تقول لنا إن اعداد هذا الدستور بهذا الشكل سوف يستغرق العديد من الشهور.. وسوف ننتقل من مادة إلي أخري في فترات طويلة، وبالتالي كما يقول المثل: ابقوا قابلونا!!. وطبقاً لهذه الظروف الحالية، فإن الاباء وقبلهم الأجداد كانوا اكثر حكمة منا.. خصوصاً في اعداد دستور 1923 أو دستور 1954.. ففيما يتعلق بلجنة اعداد الدستور نجد أن الملك فؤاد حسم هذه النقطة بقرار حاسم أصدره رئيس وزرائه عبدالخالق ثروت يوم 3 أبريل 1922 بتشكيل لجنة وضع مشروع الدستور وقانون الانتخاب.. وعهدت الحكومة برئاسة اللجنة إلي حسين رشدي باشا، وأحمد حشمت باشا نائباً للرئيس مع 30 عضواً ولذلك أطلق عليها اسم: لجنة الثلاثين وضمت خلاصة اساتذة القانون وكبار المحامين والشخصيات العامة العظيمة، ومن ذوي الفكر والرأي والعلماء ورجال الدين والسياسيين المعتدلين والاعيان والتجار والماليين ولم يكن الوفد والحزب الوطني ممثلين في هذه اللجنة، ولهذا السبب أطلق سعد زغلول علي هذه اللجنة اسم لجنة الاشقياء.. ورغم ذلك استمرت اللجنة في عملها حتي انتهت من اعداد مشروع الدستور ورفعته إلي ثروت باشا رئيس الوزراء يوم السبت 9 أكتوبر 1922 أي استغرقت في اعداد المشروع حوالي ستة أشهر وأيام قليلة.. وهو الدستور الذي أصدره الملك فؤاد يوم 19 أبريل 1923 متأخراً بسبب محاولات الملك زيادة سلطاته الدستورية، وكان الدستور من 70 مادة.. وكذلك الدستور الذي وضع في بدايات ثورة يوليو 1952.. ففي يوم 13 يناير 1953 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بتشكيل لجنة لوضع مشروع دستور جديد يتفق وأهداف الثورة وضمت اللجنة 50 عضواً يمثلون مختلف الاتجاهات والاحزاب والطوائف وكان منهم ثلاثة من اعضاء لجنة دستور 1923 وانتخبت اللجنة علي ماهر رئيساً لها.. وإذا كانت لجنة 1923 قد أعدت الدستور في حوالي ستة أشهر.. فإن لجنة الخمسين انتهت من اعداد مشروعها في اغسطس 1954، أي بعد اكثر من عام ونصف العام علي تأليفها. فلماذا لم يصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة قراراً بتشكيل لجنة الدستور أو لم يصدر الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء قرار تشكيل هذه اللجنة.. مستنيراً بما حدث في تاريخ مصر الحديث.. وكان المجلس الأعلي «وهو يشبه مجلس قيادة ثورة يوليو» يمكنه ان يشكل لجنة الدستور ليقطع الطريق أمام كل من يتهجم علي السلطة في مصر.. أم يا تري: المجلس الأعلي وأيضا رئيس الحكومة كانا يعلمان بمدي الاختلاف وعدم امكانية الاتفاق فأطلقا الكرة في ملعب الاحزاب لنعيش كل هذه الفرقة التي تدمر المجتمع المصري وهم الآن في بداية الطريق.. فما هو الوقت الكافي امام المختلفين الآن علي تشكيل اللجنة لإعداد مواد مشروع الدستور.. أغلب الظن أنهم لن يتفقوا.. فها هم الآن بينهم من انسحب من هذا التوافق.. ومن ترك موقعه ليعطي الفرصة لفئات حرمت من الانضمام.. مثل المرأة.. ومثل الإخوة المسيحيين.. والأهم من القانونيين!! أنني وأمامي اسماء لجنة الثلاثين «عام 1923» ولجنة الخمسين «عام 1953» أري اننا كنا شعبا متحضرا.. ولكم وانتم ترون الاختلافات الآن أن تقولوا انتم ما نحن فيه حالياً.. ألوم المجلس الأعلي.. وألوم رئيس الحكومة لأنهما لم يتوليا بنفسيهما تشكيل لجنة اعداد هذا الدستور. ايه رأيكم؟! ورحم الله حافظ إبراهيم..