يخطئ من يتصور أن الأحد المقبل هو نهاية عهدنا ب «ماراثون» التصويت الذي انطلق قبل عام بالاستفتاء على الإعلان الدستوري مرورا بالانتخابات النقابية والتصويت لانتخابات مجلس الشعب ومن بعده مجلس الشورى وصولا إلى انتخابات الرئاسة، ولم يعد لدينا شئ نصوت له سوى لمجلس «الأسرة» وربما يأتي يوم ونصوت «هل نأكل باليد اليمنى أم باليسرى»؟!. نعم كنا عطشى للحرية والممارسة الديمقراطية الجادة طيلة العقود السابقة، ولكن يبدو أننا قفزنا من العطش إلى الغرق، ومن الحرمان إلى التخمة القاتلة، فلا يتصور أن يصبح شعارنا بعد الثورة هو «تصويت حتى الإشباع» ولأن معدة الإنسان العربي لا تعترف بالتدرج ولا بالإشباع فسنظل نصوت إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. أقول هذا لأن ستار تصويت المصريين الممتد لن يسدل كما نأمل بانتهاء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة فالمشهد السياسي، أو لنقل المشهد المصري تحديدا، لم يكتمل بعد فالبرلمان مطعون في دستوريته وسيتحدد مصيره بعد غد، وكل الشواهد تقول إننا سنخضع لانتخابات برلمانية أخرى، ربما تشمل مجلسي الشعب والشورى، بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، وهكذا ندخل الدوامة من جديد لتصبح «متاهة» ما بعد الثورة بديلا ل «مناحة» ما قبلها، وهذه هي الديمقراطية على الطريقة المصرية!. حقا هي حالة مصرية شاذة ولن تنصفنا مقولة «نحن نخطو سنة أولى ديمقراطية» فهذا غير صحيح لأننا لم نتعلم من تجاربنا السابقة ولا من تاريخنا الحديث، بل نكرره بنفس أخطائه، وسبق أن حذرت هنا وقبل إجراء انتخابات مجلس الشعب من عدم دستوريتها، وقلت أن النظام الانتخابي الجديد مستنسخ من نظام 1986 المطعون في دستوريته، وإن مصر مرت بثلاثة من أهم الأنظمة الانتخابية خلال الفترة ما بين عام 1984 - 2005 وهي: نظام القائمة الحزبية النسبية (عام 1984)، ونظام القوائم الحزبية مع وجود بعض المقاعد الفردية (عام 1987)، والنظام الفردي (انتخابات أعوام 1990 و1995 و2000 و2005)، وأغلبنا عاصر دوامة عدم الدستورية التي عاشتها مصر طوال عقد الثمانينيات عندما حل مجلس الشعب لدورتين متتاليتين. استنادا إلى قانون الانتخاب رقم 114 لسنة 1983 الذي نص على أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية النسبية، حيث رأت المحكمة الدستورية العليا عام 1986 عدم دستورية القانون بسبب ما يؤدي إليه انتخاب أعضاء المجلس بالقائمة النسبية من حجر على المواطنين غير المنتمين للأحزاب في ترشيح أنفسهم. أيضا قانون الانتخاب 188 لسنة 1986 الذي تشابه مع القانون السابق المطعون في دستوريته، وهو قريب الشبه أيضا مع قانون الانتخاب الجديد الذي تشكل على أساسه برلمان الثورة، إذ أكد أن يكون الانتخاب عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، وعلى الرغم من أن هذا التعديل قد جاء بأكبر نسبة من المعارضين في تاريخ مجلس الشعب (100 عضو تقريباً). إلا أنه كان تعديلاً شكلياً إلى حد كبير، لأنه لم يعط المستقلين سوى مقعد واحد في كل دائرة انتخابية، وهو أمر لم يتناسب مع الوزن السياسي الضخم للمستقلين، وعلى أية حال أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً بعدم دستورية قانون المزج بين القوائم والفردي. باختصار، نحن أمام معضلة سياسية اسمها شبهة عدم دستورية تطول برلمان الثورة وقد تؤدي الى بطلانه وحله قياسا على تجربة برلمان 1986 لعدم تكافؤ الفرص بين المرشح المستقل ومرشحي القوائم ، ومن ثم تعاد الانتخابات البرلمانية من جديد، والخوف كل الخوف أن يطول هذا البطلان انتخابات الرئاسة أيضا سواء من باب قانون العزل الذي يستهدف الفريق احمد شفيق أو من بوابة الجنسية الأمريكية التي يتمتع بها أبناء المرشح الإخواني الدكتور محمد مرسي. وفي الختام أخشى أن نكون أمام سيناريو لا نهائي يجمد قدراتنا ويشل إرادتنا مع مرور الوقت، ومالم تتكاتف الجهود وتصدق النوايا سنجد بيوتنا في القريب العاجل أشبه ببيت جحا الذي مرت به يوما جنازة، وكان ابنه معه، وفي الجنازة امرأة تصوت و«تنتحب» قائلة: الآن يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا غطاء ولا خبز ولا ماء، فقال ابن جحا: والله يا أبي إنهم يذهبون إلى بيتنا.