[محمد إبراهيم خاطر يكتب:الفلول.. هل يعودون لحكم مصر؟] يقولون إن مصر هي (أرض المتناقضات LAND OF PARADOX) وقد اعترض العبقري الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه «شخصية مصر» على هذا التعبير ووصفه بأنه تعبير سطحي لا يعبر عن حقيقة مصر ووضعها الحقيقي الذي يمثل حالة فريدة ونادرة من حيث السمات والقسمات التي اجتمعت فيها. ولكن يبدو أن التناقضات في بر مصر المحروسة لا تنتهي ولا يمكن أن تنتهي ويصعب حالياً على وجه الخصوص الحديث عن بعض هذه التناقضات الصادمة التي تضاعفت في الفترة الأخيرة. والتناقض الذي نحن بصدده هو أن مصر شهدت قبل نحو عام ونصف ثورة أطاحت برأس النظام وأطاحت في طريقها بنائب الرئيس عمر سليمان وبآخر رئيس وزراء في عهد مبارك وهو الفريق أحمد شفيق الذي ينافس حالياً على منصب رئيس الجمهورية في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية!!! ومن المفارقات والتناقضات في مصر المحروسة أن يكون رئيس مصر بعد الثورة ضد الثورة وضد الثوار على طول الخط وعرضه! ومن المفارقات كذلك أن ينطلي كذب وخداع الفلول على المصريين وأن يلدغوا من نفس الجحر الذي لدغوا منه عشرات ومئات المرات طوال ستة عقود من حكم العسكر! ومن التناقضات أن يطلب المصريون الأمن والاستقرار ممن هددوا أمنهم واستقرارهم وقتلوا أبناءهم! ومن التناقضات أن يأمل أو ينتظر المصريون خيراً من الذين سرقوا أموالهم وباعوا بلادهم وأذاقوهم ألواناً من الذل والإهانة! والسؤال الذي يحير الكثيرين هو لماذا صوت أكثر من خمسة ملايين من المصريين لشفيق في الجولة الأولى وهم الذين تظاهروا قبل عام ونصف من الآن لكي يجبروه على ترك رئاسة الوزراء؟!! والصدمة التي يشعر بها الكثيرون من وصول شفيق للمرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية يمكن تخفيف وقعها إذا تعرفنا على بعض الأدوات التي استخدمها شفيق في انتخابات الرئاسة واستطاع من خلالها أن يحصل على أكثر من خمسة ملايين صوت. فحملة شفيق الانتخابية قامت بالأساس على الدعاية الكاذبة المتمثلة في الادعاء بأن الرجل سيعيد الأمن خلال 24 ساعة وهو الأمر الذي فشل فيه حتى الآن المجلس العسكري وحكومة الدكتور الجنزوري وقال بعض الخبثاء إن الأمن الذي سيعيده شفيق يعني به القيادات الأمنية التي حصلت مؤخراً على حكم بالبراءة وخرجت لتوها من السجن. وحملة شفيق ولأنها لم تجد للرجل أية مزايا تقدمها للناخبين وتقنعهم بالتصويت له في الانتخابات قامت بمهاجمة الإخوان وألصقت بهم من الاتهامات ما لا يصدقه عاقل ولا ينطلي على أحد من العوام، ومن هذه الاتهامات التي أصبحت مادة للسخرية من الرجل وتصريحاته التي يقول فيها أن الإخوان سينقلون عاصمة مصر من القاهرة إلى القدس!!! وأن الإخوان يمثلون النظام السابق الذي ينتمي إليه شفيق في الواقع!!! وشفيق في حملته الانتخابية استعان بالغالبية العظمى من موظفي الحكومة وأدوات الدولة التقليدية التي كان النظام السابق يستخدمها في تزوير الانتخابات. وحملة شفيق حصلت على دعم مادي من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق وحصلت على دعم من أطراف خارجية حتى وصل إنفاق شفيق على الدعاية الانتخابية كما يقول النائب عصام سلطان إلى مليار جنيه وهو أمر يستوجب المحاسبة لمخالفته للقانون وتجاوز الحد الأقصى المسموح به للدعاية الانتخابية وهو عشرة ملايين جنيه. وجزء كبير من الأصوات التي حصل عليها شفيق في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية كانت أصوات الأقباط الذين انحازوا بشكل مريب لشفيق وظهرت تصريحات تقول إن «أصوات الأقباط محجوزة لشفيق»!!!. وتصويت غالبية الأقباط لشفيق أبلغ رد على من قالوا إن الأقباط لا يمثلون كتلة تصويتية واحدة وهذا الموقف ليس نابعاً على ما يبدو من قناعة لدى الأقباط بشخصية شفيق وقدرته على تلبية مطالبهم وحماية مصالحهم لأنهم شاركوا في الثورة وفي إسقاط النظام القديم والتفسير الوحيد المقبول هو أن الكنيسة حثت أتباعها على التصويت لشفيق. والأصوات التي حصل عليها شفيق جاءت من كشوف الناخبين التي لم تتم مراجعتها وأضيف إليها أعداد كبيرة من الناخبين خلال الفترة القليلة الماضية. والوعود الانتخابية التي أطلقها شفيق كلها وعود سلبية وليس فيها شيء إيجابي على الإطلاق وهو دليل على إفلاس الرجل وعلى أنه يحاول طمأنة الثوار الذين وقف منهم موقفاً معادياً منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة. ومن الوعود التي قدمتها للناخبين أنه سيطعم المصريين خبزاً!!! وكأن المصريين قاموا بثورتهم من أجل الخبز فقط!! وأين الشيكولاته والبونبوني التي وعد بها المتظاهرين في ميدان التحرير!!! ومن الوعود التي قدمها شفيق أنه لن يقدم على عدم اعتقال الثوار، واعتقال الثوار أمر هين إذا ما قورن بتصريحاته التي قال فيها إن أحداث العباسية الدموية «بروفة» على ما سيحدث للرافضين له في حال فوزه بالرئاسة. وقال الرجل في إضافة بليغة كررها مراراً في المؤتمر الصحفي: «إن القاهرة ستظل عاصمة لمصر» وفي ذلك مكاسب كثيرة سوف تتحقق للمصريين وفي مقدمتها احتفاظ ميدان التحرير بأهميته!!! وقال الرجل أيضاً: «إن الإخوان هم النظام القديم» فهل يعني ذلك أنه هو الذي قام بالثورة على النظام القديم الذي لن يعود على حد قوله؟!! ماذا يعني وصول شفيق للرئاسة؟ وصول شفيق للسلطة يعني أن الثورة قد أصبحت في مهب الريح وأن فصلاً جديداً من الصراع سوف يبدأ بين القوى الثورية وبين شفيق الذي يحاول إعادة إنتاج النظام القديم معتمداً على جسم النظام الذي ما زال يعمل بنفس الآليات القديمة ومعتمداً على المؤسسات التي لم تطلها يد الثورة بعد وفي مقدمتها وسائل الإعلام الحكومي ومن هنا يمكن أن نفهم رفض شفيق لتغيير القيادات الإعلامية التي كان ينبغي تغييرها عقب الثورة مباشرة حتى لا تقوم بالدور القذر الذي قامت به خلال الفترة الماضية وهو تشويه صورة الثورة والثوار وتلميع رموز النظام السابق والهجوم على التيارات الإسلامية وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين. ووصول شفيق للرئاسة يعني أنه لن يكون هناك وجود لدولة القانون لأن شفيق بكل بساطة «رئيس فوق القانون» فقد تحدى قانون العزل السياسي وتحدى قانون الانتخابات وضرب به عرض الحائط في مناسبات كثيرة وخالف الكثير من القوانين أثناء عمله كوزير للطيران المدني وارتكب جرائم تستوجب المحاسبة والمعاقبة. والرجل كغيره من الفلول لا يحترمون أحكام القضاء إلا عندما تكون في صالحهم فقط وعدم التزام الرجل بالقوانين لا يبشر بخير لأن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى استمرار تأثير السلطة التنفيذية على القضاء كما كان الحال في عهد مبارك. الإخوان في قلب العاصفة بحصول الدكتور محمد مرسي على المركز الأول في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة في مصر وتأهله للمرحلة الثانية من الانتخابات وجد الإخوان أنفسهم في قلب العاصفة وانهالت عليهم الاتهامات من كل حدب وصوب. والهجوم على الإخوان تجاوز كل الحدود فهناك المقارنة الظالمة بين الإخوان وبين الحزب الوطني المنحل فالإخوان أتوا للمجالس النيابية عن طريق الانتخابات وليس عن طريق التزوير كما كان يفعل الحزب الوطني. وإذا كان الإخوان قد ارتكبوا تجاوزات من أي نوع فلماذا لم يتقدم أحد بهذه التجاوزات للنيابة العامة لكي تحقق فيها؟! وعقب إعلان نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات ودخول الدكتور محمد مرسي لجولة الإعادة حدث تصعيد غير مبرر ضد جماعة الإخوان المسلمين وتعددت أشكاله وألوانه ما بين الابتزاز السياسي والاملاءات والاتهامات. والابتزاز جاء من قبل أناس بعضهم كان جزءاً من الإخوان في السابق لسنوات طويلة والبعض الآخر كان من المتحالفين مع الإخوان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهؤلاء قدموا عددا من المطالب وطلبوا ضمانات مكتوبة فهل حصل هؤلاء على ضمانات في السابق لكي يطلبوها الآن؟!! ومن ألوان الابتزاز التي تعرض لها الدكتور محمد مرسي طلب البعض منه التنازل لصالح حمدين صباحي الذي حل في المركز الثالث وكأن حمدين صباحي أصبح الوصي على الثورة المصرية والممثل الوحيد لها!!! ومنها مطالبة البعض للدكتور محمد مرسي بتشكيل «مجلس رئاسي» وهو أمر مخالف للدستور وجاء بعد فوات الأوان ومنها مطالبة البعض بحل جماعة الإخوان المسلمين والتوقيع على ضمانات مكتوبة وتقديم تنازلات مقابل دعم الدكتور مرسي في جولة الإعادة وكأن أصوات الناخبين أصبحت في جيوبهم!!! أما الاتهامات الموجهة لجماعة الإخوان المسلمين فلم تقف عند حد وبعضها كان تافهاً وممجوجاً ومنها على سبيل المثال الادعاء بأن الإخوان يشترون أصوات الناخبين بالزيت والسكر فهل حصل المصريون في الخارج الذين أعطوا أصواتهم للدكتور مرسي وجاء ترتيبه الأول في تصويت المصريين بالخارج على زيت وسكر؟!! ومن الاتهامات التي توجه لجماعة الإخوان المسلمين فرية الاستحواذ على السلطة فعن أي سلطة يتحدثون؟ فالإخوان ليس لهم وجود حتى هذه اللحظة في أي منصب تنفيذي لا في الداخل ولا في الخارج. والتشريعات التي صدرت عن مجلس الشعب الذي حصل فيه حزب الحرية والعدالة على أغلبية المقاعد يتم تعطيلها والتحايل على تنفيذها وعندما يتحدث الإخوان عن انجازات البرلمان خلال الفترة القصيرة الماضية ترتفع الأصوات بأن الإخوان ينسبون هذه الانجازات لأنفسهم ويتجاهلون الآخرين وعندما يصمت الإخوان يقال إن البرلمان لم يقدم شيئاً!!! والبعض يتحدثون عن علاقة الجماعة مع المجلس العسكري فهناك من يقول إن هناك صفقة بينهم وبين المجلس العسكري ولكن الخلافات العميقة التي تظهر بين الطرفين من حين لآخر تكذب ذلك الادعاء. ومن المفارقات في المشهد المصري أن الإسلاميين هم الفئة الوحيدة التي تحاسب على النيات بينما لا يحاسب الآخرون على جرائمهم الموثقة!!! وحزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين ليس مؤسسة خيرية حتى يتنازل للآخرين عن المكتسبات السياسية التي حققها بطرق مشروعة ومن حق هذا الحزب أن يدير شؤون البلاد في الفترة الحالية. ومرشحو الرئاسة الذين وقفوا موقف المعاند والرافض تجاه دعم الدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة كان حريا بهم أن يكون موقفهم موقف المدافع عن الثورة وليس موقف الراغبين في السلطة حتى ولو أدى إلى ذلك إلى فوز شفيق بمنصب الرئيس!!! والموقف الوطني الحقيقي لمرشحي الرئاسة السابقين وللشعب المصري يتمثل في دعم الدكتور مرسي لأنه حالياً الوحيد الذي يمثل الثورة والقادر على تحقيق أهدافها لأنه ليس بحاجة إلى عقد صفقات أو تقديم امتيازات للمؤسسة العسكرية. مختارات من «فيس بوك» يقول أحدهم: المصريون أبهروا العالم بثورة 25 من يناير فأرادوا أن يبهروه مرة أخرى بإعادة النظام القديم!!! ويقول آخر: «سوف نقوم بالتصويت للدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة بشرط وهو أن نأخذ المرشد كرهن حتى تتحقق المطالب»!!! نقلا عن صحيفة الوطن القطرية