خرج علينا فجأة اللواء أحمد أنيس وزير الإعلام في زمن احتدام منافسات المرحلة الأولي لانتخابات الرئاسة، ليقول بكل فخر واعتزاز «نعم أنا الذي قررت، ولا تحملوا أي مسئول في التليفزيون المصري عدم الدخول في منافسة مع الفضائيات التليفزيونية الخاصة في إعداد برامج تليفزيونية تُقيم مناظرات بين المرشحين، وسنكتفي بمناظرة واحدة أراها الأهم بين من يصلا لمرحلة الإعادة»..وفي هذا الصدد ذكر الرجل مبررات لم أفهم منها شيئاً، غير أن الوزير ضيع علي التليفزيون المصري فرصة عظيمة في تحقيق دخل هائل لجهاز مفلس يحتضر مادياً لو تم استثمار الحدث ليقدم للمشاهد بحيادية تامة قد لا تتوفر لقنوات خاصة لأصحابها الكثير من المصالح مع بعض المتسابقين قد تفقدها المصداقية.. لقد كنت أتمني أن أري رد فعل الوزير ومعاونيه، وهم يتابعون النجاح الهائل للمناظرة الشهيرة بين عمرو موسي وعبدالمنعم أبوالفتوح، بينما كانت قنواته تذيع أفلام العتبة الخضراء ومسلسلات الضياع والتفاهة المصرية والعباطة الغير مصرية.. ألم تحركهم الغيرة المهنية ولا أقول الدوافع الوطنية نظراً لجسامة مسئولية جهاز المفروض أنه وطني تجاه مشاهده في مرحلة هي الأخطر والأهم في تاريخ البلاد والعباد. لقد كنت أتصور مبادرة الوزير فور إعلان أسماء من وصلوا لحلبة النزال الانتخابي، بتشكيل لجنة رفيعة المستوي للاتصال والتنسيق مع المتسابقين لوضع أطر وآليات لشكل تلك المناظرات وفق جداول زمنية لمقابلات يتم التوافق علي كل ترتيباتها، من أجل تقديم متوازن لبرامج وخطط من يتسابقون لدخول قصر الرئاسة عبر انتخابات تُجري لأول مرة علي أرض الكنانة. وبالرغم من هذا الأداء المتواضع الذي قد يصل في كثير من الأحيان حد الغياب عن المشهد الإعلامي العام، فإن مجلسنا الموقر ورئيسه الكتاتني لم يغضبهم حالة التراجع الإعلامي الحكومي، وإنما كل الحكاية واللي مضايقهم هو الهجوم الشديد من كل وسائل الإعلام علي المجلس الذي وصفه الكاتب الساخر الراحل جلال عامر بأن قبته لم يعد يتصاعد منها سوي روائح البخور! لقد علق رئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني علي بيان وزير الإعلام بأن المجلس طلب من الوزير هذا البيان نظراً للهجوم الشرس الذي يتعرض له أعضاء مجلس الشعب من جانب الإعلام سواء المرئي أو المقروء، موضحا أنه مع حرية الإعلام والصحافة فمن حق الجميع أن يحلل ويكتب أما أن يقلب الإعلام الحقائق ويزيفها فإن هذا مرفوض. وكان أعضاء المجلس قد أكدوا خلال مناقشة بيان وزير الإعلام أن الحرية في الإعلام لا تعني البعد عن الموضوعية والحيادية في تناول الموضوعات كما أنها لا تعني تبني وجهة نظر واحدة دون الأخري.. إنه برلمان ما بعد ثورة عظيمة يستدعي وزير ليس لمناقشة خيبة أملهم في وزارته في تلك المرحلة، ولكن لتقديم عرضحال بالتماس لكف الهجوم عن مجلسهم، ووقف قنوات لاينبغي وجودها في زمن «الحرية والعدالة» و«النور» باعتبار الوزير حضرة الناظر القامع المسيطر الحامل لسوط العقاب لإعلام يطالبون بحريته التي ينبغي أن تتوقف أدواتها عن العمل عند أسوار سيد قراره! منذ إنشاء وزارة للإعلام، وكرسي الوزارة لا يجلس عليه سوي أصحاب الرتب العسكرية، وحتي عندما يتم الخروج عن القاعدة يكون المرشح للكرسي رجل علي علاقة حميمة بالمؤسسة العسكرية.. ولكن من الصعب مقارنة الوزير العسكري العملاق الدكتور عبدالقادر حاتم علي سبيل المثال بمن تلوه في العطاء والثقافة والدور الوطني، وصولاً لحالة التدهور في الفترة الأخيرة، والذي نأمل أن يتعامل مع سلبياتها اللواء أنيس بكل جدية وفهم لطبيعة المرحلة ومتطلباتها. إن التاريخ يوثق في صفحاته كل من أهان الوطن ،وأهمل في حق المواطن أن يعلم ويُعلم عنه بمصداقية ووطنية، وليس علي طريقة قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري الذي أهان الثورة والثوار إبان ثورة 25 يناير وصورها بأنها مجرد مظاهرات تحت السيطرة، بينما كانت محطات الدنيا تنقل خبر ميلاد أعظم ثورات المنطقة، ولم يُحاسب أحد علي ما ارتكب من خطايا تصل حد الجرائم في حق أبناء الوطن في ميادين الحرية، ولازال من حرضوا الناس علي الأقباط أمام ماسبيرو علي مقاعدهم الوثيرة، بل وصل الأمر برئيس ذلك القطاع في زمن الثورة وبعد أن خرج من التليفزيون المصري من الباب الخلفي في حراسة الأمن أن يكتب لنا في الصحف السيارة، ويشنف آذاننا بدروس في الإعلام الوطني المسئول، ولك الله يا أم الدنيا! جاء في متن خبر مهم بجريدتنا الوفد «يحتفل هذا الأسبوع الإعلاميون بعيدهم ال 78.. ويأتي هذا الاحتفال في الوقت الذي يشهد فيه الإعلام حالة من الانفلات لم يشهدها من قبل.. الاحتفال بالرواد هو إحدي وسائلنا للوقوف ضد ما يحدث من ضبابية ربما يعيد للإعلام المصري العام، والخاص رشده المفقود عندما يتذكر أهله، الآن معنا هؤلاء الرواد.. وتاريخ إعلامنا الذي بدأ عام 1934 مع ظهور الإذاعة المصرية». أذكر أهل الإعلام بالرائد العظيم الدكتور عبدالقادر حاتم، وبعض أهم إنجازاته، أنشاء أول وكالة أنباء «الشرق الأوسط» في العالم العربي، قيادة حملة الإعلام ضد العدوان الثلاثي، التي قال عنها «المستر إيدن» رئيس وزراء بريطانيا: «كان الإعلام المصري سبب هزيمتنا في الحرب»، والتخطيط وقيادة خطة إعلام استراتيجية قبل وأثناء حرب 1973 ساهمت في تضليل كل القوي المعادية وفي مقدمتها الكيان الإسرائيلي حول حجم وجاهزية الجيش الحقيقية وحالة الجبهة الداخلية واستعداها للحرب.. إنه الإعلام الوطني، هل فهم رسالتي من أقصدهم بها.. اللهم بلغت.