وضعتنا نتيجة الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية في مفرق طرق.. وعلينا أن نختار.. وأختلف مع الكثيرين الذين اعتبروا وصول الفريق أحمد شفيق إلي مرحلة الإعادة انتكاسة للثورة لسبب بسيط وهو حصول مرشحي الثورة الثلاثة مرسي وأبوالفتوح وصباحي علي أكثر من 70٪ من الأصوات أي أن أكثر من ثلثي الشعب المصري مؤيد ومؤازر للثورة.. وأري أن ما حدث هو سوء تخطيط من قوي الثورة.. فمثلاً لم يتفق الإسلاميون علي مرشح واحد وهو ما دفع إلي تفتيت الأصوات بهذا الشكل، وأيضاً لم تتفق القوي الثورية من تيار إسلامي وليبراليين وحركات ثورية علي مرشح واحد. أما وقد قال الصندوق كلمته ووضعت الحرب أوزارها، فقد أصبحنا بين خيارين لا ثالث لهما: الأول مرشح يمثل الثورة والثاني يمثل فلول النظام الذي سقط بعد فساد 30 عاما.. الأول تم اعتقاله في جمعة الغضب وطوال الأيام الأولي من الثورة، والثاني كان رئيساً لوزراء مبارك أيام الثورة العصيبة.. الأول استعانت به جماعة الإخوان بعد خروجه من المعتقل في تأجيج الثورة، والثاني استعان به مبارك في اللحظات الصعبة ليكون المنقذ للنظام والقيادة التي تجهض الثورة والثوار. الأول شارك في حماية الثورة والثاني كان رئيس وزراء موقعة الجمل التي وقعت تحت سمعه وبصره والدليل أنه لم يفعل شيئاً بعد الكارثة ووقف يتفرج وكان الأولي أن يستقيل ويعتذر للشعب إذا لم يكن مشاركا فيها. وبما أن ذلك لم يحدث فإن الأولي أن يكون مكانه خلف القضبان ليتم محاكمته مع رموز الوطني في التدبير لهذه الموقعة الإجرامية. وضعتنا نتيجة الجولة الأولي أمام مرشح يتعهد بالبحث عن أدلة جديدة لإعادة محاكمة مبارك والعادلي ومساعديه الستة بالإضافة إلي جمال وعلاء في تهم قتل المتظاهرين والتربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام، وآخر لم ينطق بكلمة واحدة حول حق الشهداء الذي ضاع وسط مؤامرة كبري قد يكون هو نفسه مشاركاً فيها، وقد كشف القاضي أحمد رفعت هذه الجريمة بقوله إن الأدلة التي تم تقديمها لا تقدم ولا تؤخر.. وهو ما يؤكد أن هناك أيدي قوية وقادرة تمكنت من العبث بأوراق القضية وغيبت الأدلة بقصد حتي لا تصل إلي محراب العدالة. وضعتنا نتيجة الجولة الأولي أمام مرشح يتعهد ببناء نظام جديد يقوم علي العدل والحرية والمساواة وسبيله في ذلك مشروع النهضة الذي يهدف إلي دفع عجلة الاقتصاد والإنتاج واصلاح الخدمات، ومرشح آخر سيعمل علي إعادة انتاج النظام القديم ويصدر عفواً عن الرئيس المخلوع، ويعيد جمال مبارك إلي صدارة المشهد السياسي، ولم لا فهو لا يناديه إلا ب«أنكل» نظرا للعلاقة الحميمة التي تربط شفيق بالرئيس المخلوع وأسرته. وضعتنا النتيجة أمام رئيس اصلاحي يتعهد بدفعنا إلي الأمام وبين رئيس وزراء سابق يعتبر مبارك مثله الأعلي وقد صرح بذلك مراراً وتكراراً وسيعيدنا ثلاثين عاما إلي الوراء. نحن أمام مرشح يحترم القانون والدستور، وآخر لا يحترم قوانين ولا أعرافاً وأصر علي خوض المعركة الانتخابية رغم صدور قانون للعزل السياسي من البرلمان يمنعه من الترشح لمدة 10 سنوات. نحن أمام مرشح يرفع شعار الحرية واحترام الصحافة والإعلام ومد الجسور مع مختلف الأحزاب ومرشح آخر يقول إنه لن يسمح بالتظاهر في ميدان التحرير وسيضع له ضوابط ومعني هذه الكلمة في عرف رجل من رجالات النظام القديم وهو وضع عراقيل ومعوقات تقضي علي حق التظاهر وتعليق المشانق للثوار.. ولم يكتف الرجل بذلك بل أعلن أنه سيقوم بحل حزب النور في حالة نجاحه ولا أدري كيف يصل به الغضب إلي حد حل الأحزاب ومصادرة الرأي الآخر. نحن أمام مرشح لم تمتد يدايه إلي المال العام وآخر يواجه اتهامات بإهدار المال العام أثناء توليه وزارة الطيران المدني، وجاءت هذه الاتهامات في صورة بلاغات رسمية إلي النائب العام. نحن أمام مرشح يعتمد علي دعم جماعة قدمت تضحيات كبيرة من أجل إسقاط النظام ومرشح آخر يعتمد علي دعم فلول الحزب الوطني من نواب البرلمان وأعضاء المحليات الذين عاثوا في الأرض فسادا طوال 30 عاما ويبحثون عن طوق نجاة يعيدهم إلي سابق عهدهم بالبلاد والعباد، ووجدوا في هذا المرشح ضالتهم المنشودة. نحن أمام مرشح يعتبر أن إسرائيل دولة مغتصبة وعدو صهيوني وكيان اجرامي ولا ينبغي أن نفرط في حقوقنا كما فعل النظام السابق، ولا نمده بالغاز الذي حرموه علي المصريين من أجل ارضاء هذا العدو الغاشم بينما يري المرشح الآخر غير ذلك ولعل أبرز دليل هو تعليقات الصحف الإسرائيلية علي نتيجة المرحلة الأولي ووصول الفريق شفيق إلي الإعادة فعندما تقول «جيروزاليم بوست» إن شفيق هو أمل إسرائيل الوحيد في مصر فإن الأمر يستحق الانتباه لأننا طبقا لهذا التصريح سنعود إلي عهد أسوأ من عهد مبارك.. وعندما يقول السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة «زيفي مازل» إن شفيق يمثل كنزا استراتيجياً جديداً لإسرائيل فإن الأمر يؤكد أننا علي مفترق طرق.. إما نسير علي الطريق الصحيح أوإما ندخل في مرحلة ضبابية وطريق بلا معالم.