كمبضع جراح كان ينفذ إلى موضع الألم فينكيء بحرفية لا مثيل لها أوجاعًا اجتماعية لم تستطع أقلام غيره الوصول إليها ، فلطالما أثار بحرفه الجريء ذوبعات من غضب لا يهدأ. اتهمه البعض بإثارة قضايا جنسية فجة وراح البعض الآخر يتهمه بتناول مشاكل طبقة بعينها وهي الطبقة المترفة ، حتى أن أفرادا من تلك الطبقة ظنوا أنه يعنيهم برواياته فاتخذوا حياله موقف العداء. غضب منه عبدالناصر وترصده سوط الرقابة وعانى كثيرا قبل أن يدرك المجتمع المصري آنذاك أن لإبداعه هدفا مختلفا ومذاقا مميزا ،وأنه وهو الرجل الشرقي استطاع أن يلمس قضايا ذات خصوصية ويعبر عن الأنثى أبلغ تعبير، فلم يثنه الانتقاد ولم يزده الهجوم الا اصرارا على النبش في جوف المجتمع علّ سوءاته تجد من يهتم ، فغيرت دفة الحظ مسارها ليصبح إحسان عبدالقدوس واحدا من الأسماء اللامعة في عالم الأدب والفن معا. فمن تطرقه لعالم الجنس والحب في روائعه "النظارة السوداء" و" بائع الحب" و" صانع الحب" ،" أنا حرة"والتي عالجت مبدأ حرية الفتاة في المجتمع الذكوري ، "شفتاه" ،" لا ليس جسدك"، " لا أنام"، " نساء بلا رجال"، " أبي فوق الشجرة"، وغيرها، وروايته "العذراء والشعر الأبيض" التي أثارت إحدى قضايا المسكوت عنه في مجتمعاتنا وهي اشكالية زنا المحارم ، ثم خوضه في دنيا المطلقات ومعاناتهن ونظرة المجتمع المتدنية لهن في روايته " رائحة الورد وأنف لا تشم "، لتجئ روايته"شيء في صدري"والتى صاحبتها ضجة كبيرة في عام 1958، والتي رسم فيها صورة الصراع بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشعبي وكذلك المعركة الدائرة بين الجشع الفردي والإحساس بالمجتمع ككل، إلى تناوله لقضايا سياسية وعنصرية شائكة في " ثقوب في الثوب الأسود" ، وأخرى وطنية في قالب استطاع عبره المزج بين الوطن والحبيبة في رائعته التي نال عنها جائزة أفضل قصة فيلم " الرصاصة لا تزال في جيبي" . * إثارته للجدل ولم يقتصر الأمر على اعتراض القراء أو رفض الرقابة بل وصل إلى غضب عبدالناصر نفسه واعتراضه على روايته "البنات والصيف"، والتي وصف فيها العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، فأرسل احسان رسالة إلى جمال عبد الناصر يبين له فيها أن قصصه هذه من وحي الواقع بل إن الواقع أقبح من ذلك، وهو يكتب هذه القصص أملاً في إيجاد حلول لها. وها هو إحسان يتحدث عن كونه مثيرا لقضايا جنسية قائلا : "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" وتوفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس عليّ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب!! ونجيب محفوظ أيضاً يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحس أن القصة تمسه أو تعالج الواقع الذي يعيش فيه، لذلك لا ينتقد ولا يثور.. أما أنا فقد كنت واضحاً وصريحاً وجريئاً فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندي ما أكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقات الشعبية –دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى". * إحسان والسينما وصل عدد روايات إحسان التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات قرابة ال 70 فيلما ومسلسلا تلفزيونيا، منها ما عرض ومنها ما لم يعرض ليتربع بذلك على عرش أكثر كاتب وروائي له أفلام ومسلسلات في تاريخ السينما والتلفزيون المصريين، ولا ينافسه في ذلك إلا الأديب نجيب محفوظ. وعن أفضل من استطعن من الممثلات إجادة شخصيات قصصه يقول إحسان:" أما الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصصي في مقدمتهن كانت فاتن حمامة؛ فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلت دور (نادية) في فيلم (لا أنام)، وعندما جسدت دور (فايزة) في فيلم (الطريق المسدود)، وأذكر اني ذهبت يوما أنا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم (لا أنام) ووقفت أنا ويوسف السباعي مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة فقد كانت تشبه البطلة الحقيقية للقصة التي كتبتها، كذلك من أفضل اللواتي جسدن شخصياتي هن نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني". * مائة عام على مولده ولد إحسان عبدالقدوس في الاول من يناير عام 1919 لتمر بذلك مائة عام على مولده ، وهو ابن روز اليوسف مؤسسة مجلة روزاليوسف ومجلة صباح الخير، ووالده محمد عبدالقدوس كان مؤلفا وممثلا مصريا . منحه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومنحه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وسام الجمهورية، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1989. حاز الجائزة الأولى عن روايته : "دمي ودموعي وابتساماتي" في عام 1973 ، وجائزة أحسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي". رحل عنا إحسان عبدالقدوس في 12 يناير عام 1990، ليخلف من ورائه إرثا أحدث ثورة في عالم الرواية والسينما العربية على حد سواء.