استمرارًا لتواصل القراء مع خدمة واتس آب الوفد "المواطن الصحفي"، أرسل القارئ حسن بخيت مقالا بعنوان " الاعتذار.. سلسلة أخلاق نسيناها". نص المقال: نعيش على أرض أعدت للابتلاء والاختبار، ولم يعصم من العيوب والنقص سوى الأنبياء.. لكن أصحاب الحكمة والعقل والنفوس السليمة هم من يراجعون أنفسهم ويتسامحون فيما بينهم، ولا تمتلىء قلوبهم بالغل ولا الكراهية ولا البغضاء. قصة أسمعها منذ صغرى، والتمس العذر من أصحاب العلم والفقة في مدى صحتها، لأننا أصبحنا نخاف في الاختلاف بين العلماء على عدد ركعات صلاة الظهر، هل هى أربعة كما تعلمناها منذ مجيئنا للحياة، أم أنها ستصبح مع الأيام ثلاثة ركعات، والتمس العذر أيضا لأصحاب اللغة في صياغتها وكتابتها، لأنهم أصبحوا أصحاب تصيد أخطاء في ماء عكر. المهم: نترك هذا الجدل، فنحن نتكلم عن الاعتذار والتسامح، وحتى نغلق باب المهاترات، فلم ولن تسلم الأرض من مكر المتصيدين إلى قيام الساعة. القصة: اجتمع الصحابة رضى الله عنهم فى مجلس لم يكن معهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وبلال وأبوذر، وكان أبوذر فيه حرارة وحدة وحماس، فتكلم الناس فى موضوع ما، فقال أبوذر: أنا أقترح أن يفعل كذا وكذا.. قال بلال: إن هذا الاقتراح خطأ. فقال أبوذر : حتى أنت يابن السوداء تخطئنى! فقام بلال مدهوشًا غضبانًا أسفًا. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصل بلال للرسول- وقال: يا رسول الله: أما سمعت أباذر ماذا يقول في؟ قال عليه الصلاة والسلام : ماذا يقول فيك ؟؟ قال بلال: يقول كيت وكيت.. فتغير وجه النبى صلى الله عليه وسلم ، فسمع أبوذر الخبر فاندفع إلى المسجد. فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. قال عليه الصلاة والسلام: يا أباذر أعيرته بأمه.. أنك امرؤ فيك جاهلية!! فبكى أبوذر.. وأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلس وقال: يا رسول الله استغفر لي..سل الله لي المغفرة. ثم خرج باكيا من المسجد.... وأقبل بلال ماشيا، فطرح أبوذر رأسه فى طريق بلال، ووضع خده على التراب.. وقال: والله يا بلال لا أرفع خدى عن التراب حتى تطأه برجلك.. أنت الكريم وأنا المهان. فأخذ بلال يبكى.. وأقترب وقبل ذلك الخد ثم قام وتعانقا وتباكيا.. هكذا كانت حياة رجال تمسكوا وتعاملوا بالإسلام وبالسلام رضى الله عنهم أجمعين. فكم مرة فى اليوم يسىء بعضنا لبعض باللفظ أو الفعل، أو بالهمز واللمز..بقصد أو بدون قصد، ولا يقول: عفوا أخى، بل إن الكثير يجرح الأخرين جرحا عظيما بكلماته القاتلة الفتاكة فى عقيدته أو مبادئه، فى عرضه وشرفه، وأغلى شىء فى حياته، أو في رأيه وشخصيته ولا يقول: "سامحنى"، ويخجل من كلمة الإعتذار أو طلب السماح لغرور فى نفسه وكبرياء فى ذاته، أو لعصبية ورجعيه تتملك شخصيته. فالإنسان اجتماعى بطبعه، ولا يمكنه أن يعيش بمفرده على هذه الأرض، أو من خلال عمله وحياته، فهو بحاجة إلى التعامل والتواصل مع الأخرين. والتعامل والتواصل مع الأخرين يحتاج إلى أسلوب مميز وفن ومهارة، وهذا اللأسلوب لا يمتلكه الجميع، فهو رزق من الله يختص به من يشاء من عباده، فقد يعطى الله _عز وجل_ الرزق والمال والصحة وكل ما فى الحياة من نعم للكثير من خلقه، إنما يؤتى الله الحكمة لاصفيائه من البشر. (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرًا). ومن الحكمة: فن التعامل مع الناس، وهى مهارة تختلف من شخص لأخر. فالبعض منا يكون بفضل من الله ملما بأساليب التعامل والتعايش مع الناس بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، ويكون صاحب أسلوب رائع، يمتلك الكثير من الوعى والثقافة والخلق الحسن، والتصرف الحكيم، ويستطيع احتواء المشاكل والأزمات بكل أدب ومرونة، ويمتلك فن الحوار والمناقشة، وتكون لديه القدرة على الاقناع لأنه يمتلك الكثير من المنطق، بالاضافة لرحابة صدره وسلامة قلبه . وقوعنا جميعا في الخطأ وارد لا محالة لأن الخطأ من صفات بنى أدم - "فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". فالخلاف بين طرفي العمل أمر لا مفر منه بفعل الاحتكاك اليومي وما ينتج عنه من أخطاء وهفوات، لذلك نحتاج إلى تعلم واكتساب مهارات التعامل مع المشاكل في الحياة العملية وخاصة المجال التربوي التعليمي. والأفضل من يبدأ بالاعتذار خصوصا في مجتمعاتنا العربية المكبلة بالتفكير الخاطيء بعقدة الكبر و"الأنا" والكرامة التي تعتبر أن الشخص الذي يعتذر يكون ضعيفا وسلبيا، وجرح لكرامته وكبرياءه، وكذا وكذا وكذا، في ظل غياب كلمة "آسف" من قاموس حياتنا التي لا تعتبر فقط مشكلة عمل فقط، بل أزمة مجتمع وخلل في ثقافته وتربيته ودليل على تراجع روح المحبة والتسامح والاعتراف بالخطأ.