لا تكاد تنطق بكلمة إلا ويليها بكاء.. ويتدخل الزوج لاستكمال الحديث وبعد أن يتوقف الزوج تبدأ والدة "محمود" في الحديث عن يوم وفاته وتعاود البكاء.. ساعة كاملة قضتها "بوابة الوفد" مع هذه الأسرة البائسة.. الزوج "أحمد علي موسي" ، نجار موبيليا ولديه ثلاثة أبناء وبنت، كانت حياته تمضي على وتيرة واحدة.. يذهب إلى ورشته في الصباح ويعود إلى أسرته الصغيرة في المساء ليجد أبناءه الثلاثة ،"ياسر" الكبير و"محمد" الأوسط و"محمود" آخر العنقود، في انتظاره، حتى حدث ما قلب حياة الأسرة الصغيرة رأسا على عقب.. فولده الكبير "ياسر" عرف الطريق إلى عالم الكيف والإدمان حتى أصبح مطلوباً لدي رجال مكافحة المخدرات رغم أنه لم يتجاوز العشر سنوات، وفي أحد الأيام فوجئ الأب برجال المكافحة يقتحمون المنزل للسؤال عن "ياسر"، فأخبرهم أنه لا يعيش معه وأن أي خطأ ارتكبه يتحمل وحده مسئوليته كاملة وليس للأسرة علاقة به، ولكن رجال المكافحة لم يتحركوا إلا بعد القبض على "محمد" و"محمود" شقيقي "ياسر" بحجة سؤالهما عن الشقيق الأكبر، وتعهدوا بإعادتهما إلى المنزل فور الانتهاء من أخذ أقوالهما، ولكن مضت الأيام ولم يعد أي من الأبناء الثلاثة ليكتشف الوالد أنه يواجه قضية اُتهم فيها أبناؤه الثلاثة وصدر الحكم فيها بسجن ياسر 10 سنوات، ومحمد 7 سنوات ومحمود 5 سنوات. أصبحت الأم تعيش بمفردها مع الزوج بعد أن تزوجت الشقيقة الوحيدة للأبناء الثلاثة، وكان الذي يملأ عليها حياتها هو رؤية الصغير "محمود" كل أربعاء بمؤسسة الأحداث بالمرج، وذلك بسبب صعوبة زيارة شقيقيه بالسجون البعيدة عن مسقط رأس الأسرة. وقبل الثورة بأسبوعين زارت الأم ابنها "محمود" كعادتها، وأثناء الزيارة طلب منها الصغير ملابس ثقيلة بسبب البرد وبعض الأطعمة التي يحبها، فتعهدت له بإحضارها في الزيارة القادمة وغادرت المكان باكية لفراق ابنها دون أن تدري أنها المرة الأخيرة التي تراه فيها.. الشهيد البريء وفي اليوم المحدد للزيارة التالية حملت الأم الملابس والطعام الذي يطلبه طفلها، وعندما توجهت للمؤسسة وسألت عنه فوجئت بهم يمنعونها من الدخول لرؤية ابنها كالعادة، طالبين منها بعض البيانات التي تخص "محمود"، انصرفت الأم باكية وهي لا تعلم أن ابنها داخل ثلاجة الموتي بمؤسسة الأحداث. وبعد أيام جاءهم الخبر.. تقول الأم والدموع تنساب من عينيها: وجدت ابني مقتولا بالرصاص.. اخترقت رصاصة جبينه وخرجت من مؤخرة رأسه.. لم أستطع تحمل المشهد فانهرت ولم أفق إلا وأنا في المنزل وحولي الأهل والأقارب والجيران الذين حضروا لتعزيتي في ابني محمود. يواصل الأب الحديث: وفاة "محمود" جاءت بسبب الانفلات الأمني وهروب السجناء.. من يدفع ثمن موت ابني؟.. هل أدفع الثمن أنا وأمه المريضة؟.. أم من تسبب في هذا الانفلات الأمني؟.. شقيقاه عادا إلي سجن طرة وقاما بتسليم نفسيهما بعد هروب دام عدة أيام وبأوامر من داخل السجن، ولكن "محمود" لم يعد إلي السجن ولن يعود إلي الحياة مرة أخري.. مصيبة الأبوين لم تقتصر فقط على فقد الابن الصغير غدرا، لكنها امتدت لابنهما الأوسط الذي فقد آخر فرصة للبراءة بعد أن رفض النقض المقدم من الأسرة.. وأملهما في إعادة التحقيق في القضية رقم 10943 لسنة 2009 لتقديم ما يثبت براءة "محمد" المحكوم عليه بسبع سنوات دونما جريرة ارتكبها، والتحقيق في المحضر رقم 826 لسنة 2011 ،إداري المرج، لمعرفة أسباب مقتل ابنهما الصغير وتكريمه كأي شهيد نال التكريم في ثورة مصر.