بعد حوالي عام والنصف.. وصل قطار الثورة إلي.. محطة منتصف الطريق.. ومنها إما انطلاقة إلي الأمام والاستمرار في المسيرة الحضارية.. وإما- أعوذ بالله- الارتداد إلي الخلف والعودة بمصر إلي.. ظلمات ومتاهات.. تهدم تاريخاً حضارياً امتد لأكثر من 7000 عام!! وسألت «عم عثمان الغلبان» -بوصفه مصرياً أصيلاً- عن توصيفه لأحوال مصر إذا حدث الارتداد والقهقرة -حاشا لله- وجاءت إجابته.. بأن الأحوال حينئذ ينطبق عليها المثل القائل: «قلت لهم فاتيك ورايح اتفسح.. قال لي وراك يا أخي هو أنا مكسح».. لذلك أقول للمجس الأعلي للقوات المسلحة أوقفوا المسلسل.. وعودوا إلي 28 يناير 2011.. وسيروا في طريق الحق!! ومن الطبيعي هنا أن نتساءل عن بعض الأسباب التي وصلت بنا إلي هذا الحد من البلبلة والغموض والبعد عن المألوف والصحيح!! وعلي الرغم من الكثير من المقالات التي قرأناها في حينه حول هذا.. فإنني أود أن أوجز فيما يلي أهم هذه الأسباب.. مع اعتذاري مقدما لمن سيغضبون.. ولمن سيكابرون. 1- الاستجابة لمستشاري السوء الذين نجحوا- ولا أدري كيف؟- في أن يتم انتخاب السلطة التشريعية قبل وضع الدستور.. علماً بأن هذا الدستور هو الذي ينظم كل سلطات الدولة.. وهو الذي يحدد نظام الحكم!! 2- السماح للسلطة التشريعية المتمتعة بالغالبية للاحزاب الدينية- في ظل ظروف مطعون فيها علي نطاق واسع- السماح لتلك السلطة بالاستيلاء علي «الدولة» وكل السلطات: سلطة تشريعية غير قابلة للمراجعة، الإنذار بوضع الدستور، الاستيلاء علي السلطة التنفيذية بجناحيها مجلس الوزراء، رياسة الجمهورية.. هدم السلطة القضائية واستئناسها من خلال الإفزاع والتخويف والتهديد والذبح التشريعي.. تحجيم الأزهر الشريف بعد أن أثبت للجميع «وسطيته».. وحكمته في «الوثيقتين»!! 3- التراخي والتهاون في تطبيق القواعد التنظيمية الموضوعة في عدد من المجالات وفي مقدتها: السماح بقيام أحزاب دينية- ولا أقول إنها مجرد «مرجعية» دينية- وهي أحزاب تدين بمبدأ «السمع والطاعة».. وتعلن عن نوايا.. ثم تطبق غير ذلك بالمخالفة.. تهدد.. ولها كتائب وميليشيات مسلحة!! وأخيراً نري في مشهد الانتخابات الرئاسية كل أنواع الخروج علي القواعد وعلي العرف وعلي المعمول به في كل بلاد الدنيا!! ياربي.. «لا أسألك رد القضاء.. وإنما اسألك اللطف فيه..»!! 4- غض «غ ض» النظر عن التطبيق المطلق لمبدأ «المواطنة»..!! وليكن معلوماً أن من لا ينتمي لمصر «حصرياً» -وأكرر حصرياً- لا مكان له في الدولة المصرية الجديدة التي قامت ثورة 25 يناير من أجل بنائها!! ولا يمكن لأبناء مصر الحقيقيين أن ينتموا إلي أية «مسميات».. مثل «دولة الخلافة».. أو «البيعة».. أو «الحركة العالمية.. لل..» أو المبدأ الشهير «.....ظ» في مصر..!! 5- عدم التوصل حتي الآن «؟؟!!» إلي من قاموا بقتل الثوار الأبرياء.. من نهبوا الممتلكات العامة والخاصة من أحرقوا أقسام الشرطة واستولوا علي أسلحتها.. من أحرقوا المحاكم وملفات القضايا.. من هاجموا السجون وأخرجوا المحكوم عليهم!! وعلي رأي «عم عثمان الغلبان».. «أنا.. وأنت نعرفهم وهذه مصيبة.. وإن كنا لا نعرفهم.. فالمصيبة أكبر» ومع كل فمازال الفاعل مجهولاً.. ورحم الله صلاح جاهين عندما قال.. «عجبي»..!! والآن يأتي دور «انتخابات» رئيس الجمهورية.. وماسبقها من «اشتراكات».. وما اعتراها من مخالفات.. ومهاترات ودعاوي زائفة.. واستخدام للأماكن الممنوع استخدامها في الدعاية الانتخابية، ثم أخيراً ما طرأ عليها من تهديدات بالويل والثبور.. فإن لم تسفر الانتخابات عن «المطلوب».. فإن بحور الدم ستسيل.. والخراب سيعم!! يا أولي الأمر.. أليس ذلك «كبري المهازل»؟! هل يمكن تطبيق القواعد في حسم ووضوح؟! وعلي هامش هذه الانتخابات لي عتاب- شديد اللهجة- للشباب المصري وللأحزاب المنتمية لمصر حصرياً.. وللسادة المرشحين للرئاسة.. أين تعلمتم أن تعملوا علي «تشتيت جهودكم واصواتكم».. بدلاً من أن توحدوا هذه الجهود والأصوات.. تلافياً «لطوفان الباطل»..!! هل لديكم.. فرصة -ولو محدودة- لأن تنسقوا فيما بينكم.. حتي ولو كان الأمر يتطلب «اشتراكاً.. في إدارة شئون مصر»!! فإذا انتقلنا إلي «ثورة 25» يناير الحقيقية.. وما حققته من اهدافها المعلنة: العيش «أي مستلزمات الحياة اليومية» الحرية «وما يترتب عليها من ممارسة ديمقراطية.. أفضل من فصلها.. وثيقتا الأزهر الشريف».. العدالة الاجتماعية «وما تعينه من الحد من الفقر والبطالة والارتفاع بمستوي الخدمات التعليمية والصحية وعدالة توزيع الدخل القومي بصفة عامة»!! إن تحقيق هذه الأهداف السامية يتطلب: 1- دستور ينبع من ضمير كل المصريين- وأكرر المصريين- علي اختلاف طوائفهم.. ويضمن لمصر ولكل المصريين.. سلطات متوازنة.. فصل للسلطات تداول للسلطة.. حياة منطلقة تحقق سباقا حضاريا في خضم ما يحدث علي مستوي العالم!! هذا بالإضافة إلي استقلالية السلطات وبالذات القضاء!! 2- رئيس ينتمي إلي «مصر حصرياً».. وبالتالي لا يتلقي تعليمات.. من الداخل أو الخارج!! يؤمن بمصر وبمصالحها ولا يألو جهداً في سبيل التغلب علي مشكلاتها.. وجعلها تتبوأ مكانتها اللائقة والمستحقة والممكن تحقيقها.. علي الرغم من انف المتشككين!! 3- حكومة قادرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وثقافياً واجتماعياً.. تعمل في شفافية كاملة.. ومن منطلق «مصري» خالص.. وتكون آمنة مما يدبر لحكومة المكافح الدكتور كمال الجنزوري من تهديد واستفزاز وعرقلة وتنغيص وغير ذلك يندرج تحت مسمي «الباطل»!! 4- برلمان تمثل فيه كافة قوي الشعب المصري.. يمارس عمله بنية البناء.. في شفافية.. وفي تناغم مع سياسات واتجاهات «مصر المستقبل»!! رقابة فعالة وتشريع يخدم الأهداف!! وختاما.. لابد أن نسير جميعاً خلف «عم عثمان الغلبان» وهو يهتف: «وقاك الله من كل سوء.. يا مصرنا الغالية.. ولتبق رايتك مرفوعة خفافة.. ولترتد الخناجر إلي صدور.. المغرضين.. والكارهين» وتحيا مصر.. تحيا مصر.. ولسوف تحيا.. ولسوف تحيا.