التحول السريع في الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي تشهدها فرنسا من الاحتجاج على ارتفاع الضرائب المفروضة على الوقود إلى المطالبة باستقالة الرئيس ايمانويل ماكرون، ليس من باب المصادفة، فالسياسات الاقتصادية غير المثمرة التي اتبعها ماكرون خلال السنة الأولى من توليه رئاسة فرنسا أدت إلى نشوب هذه الاحتجاجات التي تشكل خطرًا كبيرًا عليه يمكنها من الإطاحة به. وبدأت في فرنسا الشهر الماضي احتجاجات بسيطة من سائقي السيارات، يرتدون السترات الصفراء، بسبب الضرائب على الوقود، قبل أن تتزايد الحركة الاحتجاجية لينضم إليها الآلاف من المواطنين الآخرين الذين أعلنوا عن رفضهم لسياسات ماكرون التي أسهمت في رفع تكاليف المعيشة. وبلغت ذورة الاحتجاجات السبت الماضي، حيث وأضرم المحتجون النار في سيارات وقطعوا عشرات الطرق ومستودعات الوقود وحطموا النوافذ ونهبوا المتاجر ورشقوا قوات الشرطة بالحجارة، فضلاً عن تشويه "قوس النصر. وأصيب خلال أحداث يوم السبت في باريس أكثر من 100 شخص، وألقي القبض على 412 شخصًا، في أسوأ أعمال شغب تشهدها فرنسا منذ سنوات. وانضم مؤخراً الي التظاهرات المزيد من المحتجين المناهضين للحكومة، حيث شارك عمال الإسعاف وتجمعوا بالقرب من الجمعية الوطنية في وسط باريس للاحتجاج على التغييرات في ظروف العمل. ونقلت وكالة بلومبيرج عن أحد رجال الإطفاء، ويدعى جوفري دينيس "33 عامًا"، قوله إنه قطع مسافة 125 كيلومتراً للقدوم إلى باريس والمشاركة في الحركة الاحتجاجية في العاصمة المناهضة للحكومة، مضيفًا: "نحن نتحدث عن تكاليف المعيشة ويتحدث ماكرون عن البيئة !." وأضاف دينيس "نحن ندفع أكثر فأكثر للحصول على خدمات أقل وأقل"، متسائلاً "أين تذهب تلك الأموال؟." وشدد دينيس على ضرورة تركيز حركة "السترات الصفراء" على إيجاد قادة من أجل تلبية المطالب الأساسية، موضحاً "نحن بحاجة إلى التركيز على الأساسيات: الضرائب ، وإعادة ضريبة الثروة ، ورواتب السياسيين، والمعاشات التقاعدية، والحد الأدنى للأجور". ويقول مراقبون إن حركة التظاهرات الحاشدة في باريس أظهرت للجميع مدى قوة وتماسك تلك الحركة العفوية بالرغم من عدم تواجد قيادة سياسية يمكنها من التحكم بها، فالحركة المستمرة في شوارع باريس تؤكد أنه في أحيان كثيرة قد لا يتطلب الاحتجاج ذراعاً سياسياً لارتداء السترة الصفراء ومشاركة المتظاهرين في شوارع باريس. ويبدو أن الرئيس ايمانويل ماكرون لا يعتزم التراجع عن سياساته التي أدت إلى تفاقم الأزمة الاكبر في البلاد منذ عام 1968، وهو ما سيمدها إلى وقت أطول قليلاً. لكن، كيف ينظر المتظاهرين أنفسهم للحركة من الجانب السياسي؟ ذكرت وكالة بلومبيرج الأمريكية أن هناك حالة من الانقسام قد لا تبدو ظاهرة للعيان بين متظاهري السترات الصفراء أنفسهم. وتقول الوكالة إن هناك من المعتدلين في الحركة يرون ضرورة إنشاء هيكل تفاوضي مع الحكومة، يبدأ من تشكيل قيادات للحركة، لتمثيله والتحدث بإسمه، والتواصل والتفاوض مع مسئولي الحكومة، والتوافق على الأهداف المحددة، والسيطرة على حركة التظاهرات في الشوارع ، وقد تتحول إلى حزب سياسي مستقبلاً. وتضيف الوكالة أن هناك الجانب الراديكالي الرافض تماماً لأي شكل من أشكال الهيكل القيادي، حيث يرون أن القوة في الجماعة وليست في ممثليهم، فقد يتم السيطرة على قيادات الحركة مستقبلاً، أو أن يتخللها الفساد بعقد صفقات سرية مع مسئولي الحكومة، وبالتالي احتواء التظاهرات وإخمادها، مشددين على أن التظاهرات تمثل وسيلة ضغط قوية على الحكومة لتنفيذ المطالب، كما يرون أنه في حال عدم تنفيذ المطالب فالمظاهرات الحاشدة ستتواصل حتى إسقاط الرئيس شخصياً من منصبه. وأشارت الوكالة إلى واقعة حدثت في صفوف "السترات الصفراء"، عندما شكل ثمانية متحدثين محليين لجنة وطنية للتحدث بإسم الحركة الاحتجاجية، إلا أنه تم حل تلك اللجنة بعد 4 أيام فقط من تشكيلها بعد أن تلقى 4 منهم تهديدات. ويقول سيلفان بولوك ، وهو كاتب ومؤرخ كتب العديد من المقالات حول الأحزاب المتطرفة، إنه لا توجد طريقة يمكن من خلالها احتواء السترات الصفراء أوالتأثير عليهم، موضحاً أن التيارات السياسية والحزبية لم تنجح – حتى الآن – في توجيههم إلى الجمهوريين من يمين الوسط أو من الاشتراكيين من يسار الوسط. ويضيف المراقبون أنه حتى اللحظة لا يمكن التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام المقبلة اذا استمرت الأوضاع على هذا النحو دون تقديم أي حلول لاحتواء التظاهرات، وسط محاولات من احزاب المعارضة في فرنسا للالتفاف على الحركة والانقضاض عليها واستقطابها لنفسها. وبحسب استطلاعات الرأي، فإن الحركة التي نظمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدون قيادة سياسية أو ثورية حقيقية تحظى بتأييد 75 بالمئة من الشعب الفرنسي.