لم يعش طفولة عادية، كانت حياته منذ صغره سلسلة من المآسى، هجر الأب البيت مبكرا، وتزوجت أمه بآخر عسى أن ينفق عليها وعلى طفلها، لكن الصغير ذاق العذاب من عنف وقسوة على يد زوج الأم الذى طرده إلى الشوارع، وحاولت أمه قتل هذا الزوج فسجنت، ليتم إدخاله إلى دور لرعاية الأطفال، ومن هذه الدار إلى الشارع مرة أخرى حيث كان كل صراعه اليومى من أجل الحياة، الحياة بين المشردين دون أن يؤذيه أحد، حتى عندما صار شابا وتزوج وهو فقير، هجرته زوجته لفقره بعد أن أنجبت منه، وتركت له الطفل ليتشرد معه فى الشوارع، لكنه رغم كل هذا لم يفقد الأمل فى أن يجد عملا، أى عمل ليبنى به نفسه، وينهى به حياة التشرد ويصبح له مأوى، وبالفعل، نجح فى أن يفعل شيئا، بل أشياء فى بضعة أعوام، وأصبح واحدا من أثرى رجال الأعمال فى أمريكا من خلال عمله فى أسواق المال حتى صارت له أكبر شركة للأوراق المالية فى شيكاغو، وهو حتى الآن لا يتوقف عن الحديث عن التشرد والمشردين والدفاع عن حقوقهم، لأنه لم ينس إنه كان يوما منهم، إنه المليونير «كريستوفر بول كريس جاردنر» صاحب واحدة من أكبر شركات اوراق المال فى أمريكا. ولد جاردنر فى فبراير 1954 فى مدينة ميلووكى فى ولاية ويسكونسن، كان الطفل الثانى لأمه، لم يكن لديه نماذج إيجابية يقتدى بها فى طفولته، فقد كان والده يعيش منفصلا فى ولاية لويزيانا، فيما زوج والدته يؤذيها ويؤذيه هو وإخوته، مما جعله فى خوف مستمر، وتم إيداعه دار الرعاية عندما سجنت أمه فى محاولة قتل زوجها للتخلص من إيذائه، بأن أشعلت النيران فى المنزل والزوج بداخله، رغم ذلك عندما زار أمه فى السجن وجدها قوية لتقول له «هل يمكنك أن تعتمد على نفسك فقط، وليس الفرسان القادمة»، وهى كلمات خلقت بداخله قوة لمواجهة الشعور بالعجز فى المستقبل، فردد دوما بأن هذه الكلمات صنعت بداخلة التحدى للمستحيل. فى السبعينيات كان هناك شعور عام بالفخر العميق لدى السود على إثر إحياء تاريخ وأعمال مارتن لوثر كينج محرر السود، وحلم جاردنر أن يصبح طبيبا، فتخلص تدريجيا من حياة التشرد وعمل فى عدة أعمال متواضعة ليوفر لنفسه سبيل الحياة للتعليم، وبالفعل أنهى الدراسة الثانوية، التحق بالكلية البحرية، ولكنه كان يتجه بقوة إلى كلية الطب، فغادر البحرية إلى الطب عام 1974، وعلى مدار عامين، عرف كيفية إدارة المختبرات والتقنيات الجراحية، وحاول أن يجد عملا فى مجال الطب، لكنه أدرك انها ليست وجهته، وفى عام 1977، تزوج جاردنر من شيرى دايسون لكنها اختلفت معه كثيرا، وهجرته بعد أن تركت له طفلهما واتهمته بضربها، فسجن عشرة أيام، وعندما غادر السجن، وجد شقته فارغة، وبها طفله، وترافقه إحدى صديقاته، فعاد معدما فقيرا، وعاش مجددا مع طفله حياة التشرد فى الشوارع، فكان يتناول مع ابنه الطعام المقدم من الجمعيات الخيرية، وينام به فى الكنيسة، وبعض الأيام فى دورات المياه التابعة لمحطة مترو الأنفاق، واضطر إلى إيداع طفله بإحدى دور الرعاية المؤقتة، إلى أن وجد عملا فى مجال المبيعات الطبية، وهنا جاءت لحظة حاسمة فى حياته، عندما كان فى مهمة عمل كرجل مبيعات فى مستشفى فرانسيسكو، شاهد رجلا يبدو عليه الثراء فى سيارة فيرارى حمراء، فسأله جاردنر عن مهنته، وعرف أنه يعمل وسيطا فى البورصة، ومنذ تلك اللحظة، قرر جاردنر تغيير مساره الوظيفى، فدخل عالم السمسرة للأوراق المالية بعد أن التحق بتدريب عملى على هذا المجال بصورة سريعة. وبعد التشرد وقسوة الحياة أنصفته أسواق الأوراق المالية، التى ظل يعمل فيها ليل نهار، واستطاع بعد كفاح وعمل دؤوب أن يؤسس شركة للأوراق المالية، ويتحول إلى خبير عالم فى هذا المجال، وظل يتوسع فيها حتى صارت واحدة من أكبر شركات الوساطة فى هذا المجال، وليصل بثروته إلى 60 مليون دولار، ويجوب العالم كخطيب مؤثر لتحفيز الجماهير على الصبر الكفاح والعمل، بجانب رعاية عدد من الجمعيات الخيرية للمشردين. لقد صارت قصة جاردنر إلهاما للمؤلفين، وفى مايو 2006 قام جاردنر نفسه بإصدار كتاب عن قصة نجاحه تحت عنوان (البحث عن السعادة) وتحولت إلى فيلم سينمائى بنفس الاسم بطولة الفنان الأمريكى الأسمر ويل سميث، وقدم من خلال فيلمه الدروس للمواطنين فى التمسك بالأمل والعمل لتحقيق الاستقلال المالى، والشعور العملى بمزيد من المسئولية تجاه رعاية أسرهم، ويقول جاردنر «عندما أتحدث عن إدمان الكحول فى الأسرة، والعنف المنزلى، والاعتداء على الأطفال، والأمية، وجميع تلك القضايا، فليعلم الجميع أنى عايشت كل هذا، ولم تكن لى مجرد رموز».