كتب – محمد غنيم بنظارة طبية عريضة تخفي عيونًا حائرة ولزمات أهلا بكم وسبحان الله قدم المفكر الدكتور مصطفى محمود نفسه للمرة الأولى للمشاهدين كان وجهًا جديدًا، طبيب مخ وأعصاب سابق وباحث عن الله دائم ، مطرب و عازف عود ، ووجه يحمل حيرة في عيونه وذبذبات صوته مرتشعة ، استمرت رحلته طوال 88 عامًا . هو واحد ممن شغل الدنيا بكتاباته وأفكاره التى إصطدمت أحيانًا مع ما إستقر في أذهان الناس إمتلك ناصية الفكر و الأدب ببراعة التي لم ينكرها كل من إختلف معه الرأى و الفكر . يٌعد الدكتور مصطفى محمود من أكثر المفكرين كتابة، حيث ألف نحو 89 كتابًا منها الكتب العلمية و الدينية و الفلسفية والإجتماعية والسياسية أيضًا إضافة إلى المسرحيات و قصص الرحلات ، أحد أهم رواد الفكر المعاصر في الوطن العربي ، الذي يربط بين العلم و الدين حيث قدم نحو 400 حلقة في برنامجه الشهير " العلم و الإيمان". ورغم إنشغاله بالابحاث والدراسات العلمية ومؤلفاته لم ينسَ المفكر الكبير عمله الخيري فقام بإنشاء مسجده المعروف "مصطفى محمود" بمنطقة المهندسين، والذى يتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوى الدخل المحدود. من الشك إلى الإيمان طريق طويل مر به الدكتور مصطفى محمود ، الذى كان لا يخجل أن يعلن للعالم أجمع أن يشك في وجود الله سبحانه وتعالى ، وأنه صاحب تفكير مادي بحت لا يعتقد في الغيبيات، قطع شوطًا طويلا في الشك جعله أكثر إيمانًا ويسبح. ولد مصطفى محمود بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية في 27 ديسمبر 1921 في أسرة متوسطة الحال ينتهى نسبها الأشراف زين العابدين بن الحسين بن على و تخرج من كلية الطب عام 1953 وتوفي في 31 أكتوبر عام 2009. تحول الطبيب العالم مبكرًا عن مهنته الاساسية الطب الذي درسها و فضل طريق الأدب و حصل على عضوية نقابة الصحفيين و عند صدور قرار الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بحظر الجمع بين وظيفيتن فضل العالم أن يظل داخل أروقة بلاط صاحبة الجلالة ، و نشر العديد من المؤلفات و الكتابات في مجلة " روز اليوسف " و كان له باب خاص به داخل أبواب الجريدة حمل عنوان " إعترافات عاشق " و كذا " البوسطجي " و باب " اعترفوا لي " في مجلة " صباح الخير ". إلى جانب الكتابات و الفكر و التأمل وعلومه العلمية ، كانت له هواية أخرى عشقها أثناء دراسته الجامعية و هي العزف على الناي ، ويقول في مذكراته المنشورة عام 2009 " شاء القدر أن أتعرف على الأسطى عبدالعزيز الكمنجاتى والراقصة فتحية سوست ، وكانا أصحاب فرقة لإحياء الأفراح والطهور واتفقا معي أن أنضم لفرقتهما ووافقت دون مقابل مادي، وهذا ما أثار دهشتهما، ولكني قلت لهما أنا أهوى العزف فقط ولا أنوي احترافه". شغل مصطفى محمود الرأي العام المصري والعربي بعد انضمامه لمعسكر "الوجوديين"، أو الباحثين عن الحقيقة من خلال التمحيص في أصل الوجود ونشأة الكون وما بعد الموت، والتيار المادي الذي تزايد في الستينيات ولم يكن أول من دخل في هذه التجربة. ثلاثون عاماً من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عاماً من البحث عن الله!، قرأ وقتها عن كل المعتقدات الدنيوية والسماوية وخاض مقارنات فلسفية ونفسية وعقائدية كثيرة، ومما لاشك فيه أن التجربة كانت كالمراهنة الكبرى التي صهرته بقوة ألقت بآثارها عليه وصنعت منه مفكراً دينياً خلاقا، وعاد من تجربته بقطعة أرض اشتراها من عائدات أول كتبه "المستحيل"، وأنشأ عليها مسجدا حمل اسمه بشارع جامعة الدول العربية ومستشفى وأربع مراصد فلكية . على مدار 18 عامًا فى التليفزيون المصرى وعلى مدى 400 حلقة عامرة بالكمال والجمال قدم الفيلسوف الراحل برنامجه الأشهر والأنجح، لم يكن راغبًا فى شهرة أو نجاح أو مال، هو ربما كان يرسم به صورة من الإيمان تعوض عليه ما فاته فى رحلة الشك، وتعوض على قرائه ما فاتهم من تأملات ربما ضاعت وسط ما كتبه خلال رحلته "من الشك إلى الإيمان". 15 جنيهًا كان أجره فى الحلقة الواحدة من البرنامج، لكنه مقابل ذلك كان يقدم خزينا من الروح والتأمل يربى به جيلاً من الفلاسفة الصغار ممن تأملوا جمال كلماته وحضوره قبل أن يعايشوا محاضراته الشاملة الجامعة، فى برنامجه الأنجح، عن مخلوقات الله عزوجل . أشهر أقواله : لو تأملوا الموت لما تهالكوا على الحياه ، ولو ذكروا الآخرة لفرّوا فراراً إلى جناب ربهم. قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته. الحب هو الجنون الوحيد المعقول في الدنيا. نعم إن الأمر صدق وحق.. ولا شيء يستحق البكاء من الإنسان أكثر من خطيئته ولا شيء. السعادة لا يمكن أن تكون في المال أو القوة أو السلطة بل هي في " ماذا نفعل بالمال والقوة والسلطة " المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولاً وتتصفحه دون نظر إلى غلافه ..قبل أن تحكم على مضمونه. الصيام رياضة روحية وقهر للبدن وكبح وإلجام للعنصر الحيواني في الإنسان. في هذا العالم لا وجود للنهايات الجميلة إلّا في الأفلام.. فقط لإنها من خيال المؤلف وفاته: في عام 2003 دخل في عزلة عن من حوله إلى أن فاضت روحه إلى بارئها في 31 أكتوبر 2009