مما لا شك فيه أن نجاح الجيش الوطنى الليبى فى القبض على القيادى الإرهابى هشام عشماوى بمدينة درنة يوم 8 أكتوبر الماضى ومساعده الليبى «زغيبة»، وتصفية عناصر حراسة كانت معه، يعد انتصاراً كبيراً للجيش الوطنى الليبى، وانتصاراً أيضاً لمصر التى تدعم وتساند الجيش الليبى وقائده المشير خليفة حفتر. ولا ترجع أهمية هذا النجاح فقط لما يشكله من القضاء على قيادة إرهابية خطيرة، تسبب فى مقتل المئات من الشهداء المصريين والليبيين، وتخريب عدد كبير من الأهداف الاستراتيجية والبلدين، ولكن الأهم هو لما كان يمثله عشماوى من ركيزة أساسية فى تخطيط وإدارة العمليات الإرهابية، وتجنيد وحشد وتجميع وتدريب وتسليح الإرهابيين، وعمليات تعاون وتنسيق بين المنظمات الإرهابية العاملة فى المنطقة، والدول الأخرى الضالعة فى دعم ومساندة الإرهاب ضد مصر وليبيا، وعلى رأسها تركيا وقطر التى تؤوى قيادات الإرهاب وتموله وتسلحه وتجند عناصره وترسلها إلى ليبيا وسيناء. ومن هنا تأتى خطورة القبض على الإرهابى عشماوى، الذى يعتبر كنزاً معلوماتياً خطيراً يمكن باستجوابه أن يكشف عن العديد من أخطر الأسرار المتعلقة ليس فقط بجماعة الإخوان وغيرها من المنظمات الإرهابية، ولكن بعلاقة هذه المنظمات الإرهابية بالدول الأخرى، سواء الداعمة للإرهاب بشكل مباشر- مثل تركيا وقطر- ولكن دول أخرى كبرى تعمل من خلف الستار بشكل غير مباشر لدعم المنظمات الإرهابية، لما تصب أعمالها فى صالح وخدمة أهداف هذه الدول ومصالحها الاستراتيجية فى المنطقة. لذلك أثار القبض على عشماوى موجة ذعر فى أوساط داعمى الإرهاب فى المنطقة.. سواء المباشرين أو غير المباشرين، خاصة وأن عشماوى يعتبر من القيادات الإرهابية القليلة التى تمكنت من الحفاظ على علاقات متوازنة بين تنظيمات «الإخوان» و«القاعدة» و«داعش» والدول الداعمة لهم. من هنا جاء الشعور بالخوف لديهم، ومن بين هؤلاء شخصيات معروفة فى ليبيا والمنطقة، بعضهم ظهر معه فى اجتماع سابق بمنزل المتطرف الليبى «سفيان بن قومو» الذى قتل فى عمليات الجيش فى درنة، قبل شهور. كما توجد أسئلة أخرى عن علاقة عشماوى بالقيادى الجزائرى فى تنظيم القاعدة مختار بلمختار، وقيادات داعشية تعمل فى ليبيا، وبينهم مصرى يدعى «خالد سعيد»، وتونسى يلقب ب«أبوحيدرة»، ولبنانى كنيته «أبوطلحة»، ومن ثم لم يكن عشماوى نموذجاً للإرهاب المعتاد، ولكنه كان يقوم بدور كبير جعله يتنقل باستمرار عبر دول بالمنطقة، وكان له هدف رئيسى يصر على تحقيقه، وهو تقويض الأمن القومى المصرى بشكل خاص، وهو ما فرض عليه بالتالي- من وجهة نظره- إفشال عملية إعادة بناء الجيش الليبى، وتوحيد قواته تحت القيادة الوطنية المتمثلة فى المشير خليفة حفتر، ومنع هذا الجيش من استكمال وتقوية سيطرته على شرق ليبيا، وتوسيعها نحو وسط وغرب وجنوب ليبيا. وكانت العمليات الإرهابية التى وقعت فى مدن سرت وبنغازى ودرنة منذ شهور تصب فى هذا الهدف، لا سيما بعد أن ظهر بوضوح الدور المصرى فى دعم جيش ليبيا الوطنى سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، وعلى كافة المستويات. ولقد ثبت لدى جهازى المخابرات المصرى والليبى أن عشماوى لم يكن يتحرك بقدراته فقط، ولكن كان يلقى دعماً من دول ومن أجهزة مخابرات أجنبية، فقد كان مسئولاً عن واحد من أكبر أجهزة الاتصالات والتنصت الخاصة بالإرهابيين، وهو جهاز تبلغ قيمته نحو 8 ملايين دولار، وجرى تركيبه على أيدى مهندسين أجانب فى درنة فى عام 2016، لتنسيق عمليات الإرهابيين، والتجسس على تحركات الجيش الليبى. ولأن القبض على عشماوى سيكون بمثابة قطع ذراع تنظيم القاعدة فى إفريقيا وليس ليبيا وحدها، وإجهاض مخططات قوى إقليمية ودولية يهمها تخريب دول المنطقة لا سيما مصر وليبيا وتقطيع أوصالهما وتمزيقهما عرقياً وطائفياً.. بدءاً بجيوشها، لذلك كان من البديهى والمتوقع ألا تصمت الجهات التى كانت وراء دعم ومساندة عشماوى، بعد القبض عليه، وحتى لا يكشف خلال استجواباته التى تجرى فى ليبيا ومصر عن محتويات «الصندوق الأسود» الذى يضم أسرار مخططاتهم وأهدافهم وسير عملياتهم، وأن تسعى بسرعة لتصفيته قبل أن يبوح بأسرار هذا الصندوق، حتى لا يتم فضحهم وإحباط مخططاتهم، وسيحاولون القيام بأى شىء وكل شىء للحيلولة دون استجواب عشماوى سواء فى ليبيا أو فى مصر، وقد يكون ذلك من خلال عملية مخابراتية وعسكرية تستهدف أولاً تحديد مكان اعتقاله لخطفه أو قتله والقيام بهجوم جوى يستهدف تحديد موقع الاستجواب، يواكبه عملية هجوم برى من عدة اتجاهات لتشتيت جهود الجيش الليبى. ومع التسليم بقدرة الجيش الليبى وجهاز مخابراته على الحفاظ على حياة عشماوى ومنع تصفيته بواسطة من يريدون ذلك، سواء داخل ليبيا أو خارجها، وذلك حتى يكشف عن كامل مكنون أهداف ومخططات وأساليب ووسائل الإرهابيين، وتحركاتهم وجهات دعمهم ومصادر التمويل وكيفية تحويل الأموال من الخارج، إلا أن ما ثبت من إصرار جماعات الإخوان وأذرعها فى ليبيا ومن يساندهم على إفشال مهمة الجيش الليبى فى إعادة توحيد ليبيا وجيشها، وهو ما انعكس فى حالات اختراق سابقة نجحوا فيها فى بنغازى ودرنة وسرت، ووصولهم إلى المنطقة النفطية فى «رأس لانوف» و«النوفلية»، يتطلب تخطيطاً مغايراً يفرض إبعاد عشماوى عن ليبيا، وترحيله إلى مصر حتى يمكن تأمينه من محاولات تصفيته فى ليبيا، وهذا لا يعد أبداً انتقاصاً من مقدرات الجيش الليبى، ولكن مساندته ودعمه فى مواجهة محاولات غير مشكوك فيها من جانب أجهزة مخابرات أجنبية ومنظمات إرهابية لتصفية عشماوى ويمكن بالطبع أن تكون عملية استجوابه فى مصر تتم بمشاركة مخابراتية مصرية وليبية وبهذا فقط يمكن إحباط المخططات المعادية لتصفية عشماوى. إن متطلبات الأمن القومى المصرى والأمن القومى الليبيى، بل والأمن القومى العربى، تتطلب تحقيق تعاون وثيق بين أجهزة الأمن فى الدولتين فى إنجاح عملية استجواب هذا القيادى الإرهابى، وكشف كل شىء عن ما كان يجرى من عمليات إرهابية ومخططات إرهابية مستقبلية، لذلك يجب أن تتم وتجري عملية استجواب عشماوى- سواء فى ليبيا أو فى مصر- بشكل غير نمطى وغير تقليدى، يضع أهداف ومخططات القوى المعادية فى داخل ليبيا وخارجها لتصفيته فى الحسبان، فضلاً عن توقع أساليب عملها لتحقيق هذا الهدف، ومواجهة ذلك بعملية خداع متكاملة- سياسية وإعلامية واستخباراتية- لتضليل هذه القوى من مكان تواجد عشماوى ونتائج استجوبه، وتحقيق كل ذلك يتطلب بل ويفرض نقل عشماوى إلى مكان آمن بعيداً عن أيدى أجهزة المخابرات المعادية، وليس أفضل من مصر لتحقيق هذا الهدف، وللمرة الثانية لا يعد ذلك انتقاصاً من قدرة الجيش الليبى على المحافظة على حياة هذا الإرهابى الخطير، ولكن يجرى فى إطار تعاون وتنسيق أمنى تتطلبه الظروف الاستثنائية التى تجريها ليبيا ومصر، لا سيما أن هناك مئات الأسئلة فى انتظار هذا الإرهابى الخطير.