أعلن رئيس مجلس الشعب عن دخول المجلس فى إضراب عن العمل لمدة أسبوع ، هذا هو حقيقة ما أعلنه الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب بعد موافقة الأكثرية من تعليق إنعقاد الجلسات لمدة أسبوع ، وهكذا لم يبتعد المجلس عن سلوك عامة الشعب كثيراً ، إذ سلك المجلس نفس مسالك فئات شعبية كثيرة عند رفض مطالبها ، فهى تلجأ للإعتصام والإضراب عن العمل ، بإختصار تلجأ لأسلوب" لى الذراع " . إن إستعداء البرلمان للحكومة بهذا الشكل لامبرر منطقى له ، خاصة فى تلك الفترة الحرجة ، وإن الإصرار على تغيير الحكومة أو على الأقل تعديلها ، لايعنى شيئاً بالنسبة للشعب ولايمثل مطلباً له ، ولكن يبدو أنه يمثل شيئاً هاماً لمجلس الشعب ، وهكذا تبدو الفجوة واضحة بين الشعب ومجلسه ، وبين إرادة كل منهما ، ومن ثم فإن المجلس الذى يباهى بانه جاء بإرادة شعبية ، أصبحت إرادته تختلف عن إرادة شعبه . إن ما يتبقى من عمر هذه الحكومة أصبح معدوداً بالأيام ، كما أن المرحلة التى تمر بها البلاد حرجة جداً لاتقبل المراوغات السياسية ، وكذلك فالمواعيد السياسية المقررة خلال الفترة القادمة لاتسمح بتلك الصدامات ولا تحتمل هذه الأزمات ، لذا فقد كان من الأولى الإبتعاد عن تلك المواجهة ، والسمو على دوافع العناد ، وتجنب محاولات فرض السيطرة ، والبعد عن الملاسنات الدائرة ، والتصرف دائما إنطلاقاً من كونكم نخبة يتابعها عموم الشعب بل وقد يحتذى بها . ولايمكن أن نفصل بين قرار تعليق الجلسات وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ، فلم يلبِ رئيسا مجلسى الشعب والشورى دعوة المجلس العسكرى لمشاركة القوى السياسية فى الإتفاق على معايير تشكيل تلك اللجنة ، وعلى الرغم من حضور ممثل لحزب الحرية والعدالة ( صاحب الأكثرية بالبرلمان ) فى هذا الإجتماع ، ومن المفترض موافقته على ماتم التوصل إليه فى الإجتماع ، إلا أن مجلس الشعب أعلن عن رفضه لما تم التوصل إليه بين المجلس العسكرى والقوى السياسية ، لنعود إلى المربع رقم ( 1 ) فى تلك المسألة الحيوية ، ومن هنا يرى البعض أن تعليق جلسات مجلس الشعب بحجة عدم إقالة الحكومة هو ذريعة لتعطيل عمل لجنة الدستور ومن ثم عدم وضع دستور قبل إنتخابات الرئاسة ، وهكذا يتم تفعيل الطريق إلى الجنة كما كانوا يروجون وقت إستفتاء مارس بالإنتخابات أولاً ، كما أن هذا الإتفاق والإختلاف البيّن داخل حزب الحرية والعدالة يجعلنا نفكر فى مدى حرية الإختلاف التى يكفلها الحزب وفق عقيدته بين أعضائه فى الأمور الهامة ، وهو مالا يتوافق مع مبدأ الإلتزام الحزبى ، كما يدفعنا إلى النظر للأمر وفقا لنظرية تقسيم الأدوار ، وهى ما تسمح للحزب ومن خلفه الجماعة الإمساك بالعصا من طرفيها وليس من وسطها فقط .
إن قرار تعليق جلسات مجلس الشعب لا يعبر عن حق دستورى أو تفعيل مادة لائحية لسيد قراره ، بقدر ما يعبر عن عناد برلمانى تجاه الحكومة ، كما يكرس هذا القرار المبدأ المجتمعى الذى يسود مصر منذ فترة وهو مبدأ " لى الذراع " ، هذا المبدأ الذى إعتمدته فئات عديدة من عامة الشعب ، وهاهو يتم إعتماده اليوم من قبل النخبة السياسية ، التى يُفترض إختلاف ممارستها عن سلوكيات العامة . إن أزمة البرلمان / الحكومة ستنعكس مؤكداً على تأسيسية الدستور ، بل قد تؤثر على إنتخابات الرئاسة التى لايفصلنا عنها سوى ثلاثة أسابيع ، بل قد نصل إلى رئيس جمهورية دون الوصول إلى دستور ، وهو أمر يخالف خارطة الطريق المتفق عليها بين جميع الأطراف وهو ما قد يدفع نحو عدم الإستقرار . وأخيراً .. أيتها القوى السياسية أكثرية وأقلية / دينية وليبرالية / برلمانية وشعبية أعيدوا ترتيب أولوياتكم للتوافق و أولويات الوطن ، وعبروا عن حسن نواياكم تجاه هذا الشعب ، دعوا جوانب الإختلاف وإجتمعوا حول هوامش الإتفاق ، إحرصوا على تنفيذ الخطوات المتبقية للوصول إلى وضع الدستور وإنتخاب رئيس الجمهورية ، لنبدأ مرحلة جديدة من عمر هذا الوطن ، وإعلموا أن التاريخ لايتوقف عن كتابة شهادته ، فإجعلوا صفحاتكم بيضاء تحمل طيب ذكراكم ، يثنى عليكم من يقرأها فى المستقبل من الأجيال القادمة ، ولاتجعلوها سوداء يندى من ذكرها جبين أبنائكم وأحفادكم .