أعدت الملف: نادية مطاوع - اشراف : نادية صبحي فى كتابه «فجر الضمير»، أكد المؤرخ الأمريكى جيمس هنرى بريستيد أن بداية الضمير الإنسانى ظهرت فى مصر أولاً قبل نزول الوصايا العشر على سيدنا موسى بنحو ألف عام تقريباً، واستند الباحث فى دراساته المختلفة حول تطور الأخلاق الإنسانية إلى أن المصريين كانوا أول من أصل للأخلاق والضمير فى التاريخ البشرى، إلا أن ما حدث للمصريين الآن يؤكد أن هذا الضمير قد توارى وغاب لأسباب مجهولة، ويدفع المصريون جميعًا ثمن هذا الغياب خسائر اقتصادية واجتماعية وثقافية، وعلى كافة المستويات، الخسائر الاقتصادية جراء انخفاض إنتاجية العامل المصرى تقدرها بعض الدراسات ب1.5 تريليون جنيه، فإن الخسائر الأخرى الناجمة عن انعدام الضمير فى كافة مجالات الحياة لا تقدر بالمال إنما يدفعها المجتمع كله من أمنه وسلامته ورقيّه وتحضره. وإذا كان علماء الاجتماع قد عرفوا الضمير بأنه قدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب، أو بين الحق والباطل، فقد توصل المصريون لهذا المفهوم قبل ظهور علم الاجتماع بسنوات طويلة، إلا أنهم فقدوا البوصلة وغاب هذا الضمير فى كل المجالات، التعليم، الصحة، الإدارة، الإنتاج والاعلام، حتى أصبحنا شعباً لا ينتج، يستغل كل واحد فيه الآخر ولا يرى أنه يخطئ، لا يراعى ضميره فى عمله ولا علمه ولا حتى فى تربية أبنائه، والنتيجة مجتمع واهٍ لم ينجح فى الحفاظ على تاريخه ولا خلق مستقبلاً حقيقياً، رغم أنه يمتلك مقدرات تجعله فى مصاف الدول العظمى. فإذا كان الضمير الغائب هو سبب ما آلت إليه مصر من انهيار اقتصادى وثقافى واجتماعى فإن عودته تعنى تقدمها وازدهارها.. والسؤال هو: كيف نستعيد الضمير الغائب فى مصر. 121 قضية فساد ورشوة فى العام الماضى.. «وما خفى أكثر» تعتبر قضايا الفساد والرشوة أحد أوجه غياب الضمائر فى مصر، فرغم أن الرشوة مجرمة منذ عام 1883، إلا أنها ما زالت موجودة ومنتشرة فى كل المصالح الحكومية، وتحمل أسماء مختلفة للتخفيف من حدتها، كالشاى أو الإكرامية أو غيرهما من المسميات التى لا تقلل من الجرم نفسه، بل إنها تطورت بتطور العصر وأخذت أشكالا، وضمت فئات جديدة من المجتمع، ورغم الضربات الموجعة التى وجهتها الجهات الرقابية للمرتشين فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ما تم ضبطه يعد نقطة فى بحر الفساد والرشاوى المنتشر فى بر مصر. فغياب الضمير يعتبر هو السبب الأول لانتشار الرشوة والفساد فى كل المصالح الحكومية تقريبا، وإذا كان البعض يتعلل بضعف الأجور كسبب لانتشار هذه الجريمة، إلا أن وقائع الفساد التى كشفتها هيئة الرقابة الادارية مؤخرا وتورط فيها محافظون ووزراء ونواب ومستشارون بالعديد من الوزارات والهيئات، هى أكبر دليل على أن الضمير الغائب هو السبب الأول فى انتشار هذه الجريمة، التى أضرت بمصر حتى احتلت المركز 108 بين 179 دولة فى مستوى الفساد وفقا لتقرير مركز الشفافية الدولى الصادر فى العام الماضى. والمتتبع لجرائم الرشوة والفساد يجد أنها الأكثر شيوعا فى المجتمع المصرى حيث تنتشر فى كل مكان، ويعانى منها الجميع، وترتكب يوميا حتى عجزت الأرقام والاحصاءات عن رصدها، فما يتم ضبطه منها ما هو إلا أقل القليل، بينما الكثير متخفٍ ومنتشر بل مقنن فى العديد من المصالح الحكومية. وقد شهد عام 1883 صدور أول نص قانونى لتجريم الرشوة، والصادر بقانون العقوبات الأهلى وقتها، وبعدها استمر النص فى قوانين العقوبات المختلفة على هذا التجريم الذى تصل عقوبته للسجن لمدة تتراوح بين 3 و10 سنوات. ومع انتشار الرشوة وتقنينها فى كل مكان بدأ المصريون يبحثون عن مسميات أخرى لها، فظهرت عبارات «كل سنة وانت طيب يا بيه» و«فين الشاى؟ » و«الحلاوة»، وكلما تطورت لغة الحوار فى المجتمع تطورت معها المسميات، ففى فترة السبعينات ودخول مصر عصر الانفتاح الاقتصادى ظهرت عبارة فتح دماغك أو فتح مخك، وعبارة اصبر وهتتظبط، ومع نمو لغة الخطاب الدينى فى الثمانينات ظهرت عبارة النبى قبل الهدية، ومع دخول مصر عصر «الروشنة» فى التسعينات ظهرت عبارة «أبجنى تجدنى» ومع تدهور لغة الخطاب فى الشارع أكثر فى الألفية الجديدة ظهرت عبارة «كرمش له 50 جنيه» وكما تطورت عبارات الرشوة تطورت أيضًا قيمتها ومفهومها، فبعد أن كانت الرشوة عبارة عن أموال تقدم للمرتشى كمقابل لإنهاء مصلحة الراشى، تطورت لتصبح رشوة جنسية وهو ما ظهر فى عدد من القضايا التى تم ضبطها مؤخرا، كما تضمنت الرشاوى اشتراكات فى الأندية الرياضية ورحلات حج وعمرة، وتليفونات أى فون حديثة واجهزة لاب توب، وبعد أن كانت الرشاوى بالآلاف دخلت عصر الملايين أيضا، وهو ما تؤكده وقائع القبض على رئيس حى الهرم السابق ومحافظ المنوفية السابق ومستشارى وزير التموين الحالى. كذلك هناك تطور آخر حدث فى شخصيات المرتشين، فبعد أن كانت الرشوة من أعمال صغار الموظفين الذين اعتادوا فتح الدرج أمام المواطنين لإنهاء مصالحهم، أصبح المرتشون الآن من كبار الموظفين، بل إن هناك نصابين ينتحلون صفة كبار الموظفين للحصول على رشاوى بالملايين، وهو ما قام به أحد الأشخاص مدعيا أنه مستشار رئيس الجمهورية وحصل على رشوة بلغت 650 ألف جنيه من رجال الأعمال لتسهيل حصولهم على مناقصات خاصة بأعمال حكومية، كما تورط وزراء وكبار موظفى الدولة فى قضايا فساد كبرى صدمت الرأى العام، ويكفى أن نذكر أن الجهات الرقابية ضبطت 121 متهمًا فى قضايا فساد قدرت قيمتها ب9.24 مليار جنيه خلال العام الماضى وحده، بخلاف 14 قضية هزت الرأى العام خلال العام الحالى منها القبض على محافظ المنوفية السابق الدكتور هشام عبدالباسط ورجلى أعمال لاتهامهم فى قضايا فساد ورشوة، واعقبها القبض على رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة النصر للتعدين، ورئيس القطاع التجارى، والمستشار التجارى السابق للشركة، لتورطهما فى عملية صرف المستخلصات الخاصة بمشروعات الشركة لصالح أحد المقاولين، مقابل رشوة قيمتها 24 مليون جنيه. ناهيك عن القبض على وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال فى قضية رشوة، وتكررت هذه الوقائع كثيرا خلال الفترة الماضية ولكن ما خفى دائما كان أعظم، والسبب الأول هو الضمير الغائب. أطباء يشاركون فى عصابات بيع الأعضاء وتحويل الطب إلى «بيزنس» الطب مهنة إنسانية فى المقام الأول، يقسم كل طبيب فور تخرجه وقبل مزاولة عمله على أن يراعى الله فى مهنته وأن يصون حياة الإنسان فى كل أدوارها وأن يخفف عنه الألم والمرض والقلق، وهذا القسم يمثل دور كل العاملين فى الحقل الطبى سواء أكانوا أطباء أم معاونين لهم، إلا أن أزمة الضمير التى تعيشها مصر منذ سنوات طويلة اجتاحت هذا المجال، فجردت الطب من إنسانيته وجعلته وسيلة لتحقيق الثراء ولو على حساب أرواح المرضى ببيع أعضائهم، وفى ظل غياب الرقابة الحقيقية من وزارة الصحة راح المصريون جميعا يدفعون ثمن غياب الضمير الطبى. هناك مهن إذا غاب عنها الضمير تحولت إلى كارثة بكل المقاييس، والطب احدى هذه المهن، فقد حولها الضمير الغائب من مهنة إنسانية مقدسة إلى جريمة ترتكب فى حق الإنسانية، فكم من الأرواح تزهق بسبب غياب الضمير الطبى، وكم من الأرواح تقهر لنفس السبب. وفى السنوات الأخيرة شهدت مصر أخطاء طبية يندى له الجبين بسبب عدم مراعاة الأطباء ضمائرهم فى عملهم، وإذا كانت الأخطاء الطبية ظاهرة عالمية تقدر منظمة الصحة العالمية وفياتها بنحو 98 ألف حالة سنويا، فإن هذه الظاهرة تتضاعف 3 مرات كل عام، وفقا لتقارير كلية تمريض جامعة القاهرة، إلا أن الاحصاءات والتقارير الرسمية لم ترصد رقمًا واحدًا لضحايا الأخطاء الطبية، وأن كانت لجنة الشكاوى بنقابة الاطباء تؤكد انها تتلقى 100 شكوى يوميا، وان كانت لا تنظر الا فى ستة منها فقط حيث تكون مرفقة بأوراق رسمية، فى حين يكون مصير 94% من الشكاوى الحفظ، ومع ذلك تشير التقارير إلى أن هناك نحو 5 آلاف شخص يلقون حتفهم سنويا بسبب الأخطاء الطبية، خاصة أثناء الجراحات حيث ينسى الأطباء أدوات طبية وفوطًا فى بطون المرضى ما يسبب تلوثًا قد يودى بحياة المريض، بالإضافة إلى التلوث الناتج عن استخدام أدوات طبية غير معقمة، أو الأخطاء الناتجة عن قطع اجزاء زائدة من المعدة والأمعاء بالإضافة إلى اخطاء التخدير التى قد تؤدى إلى الغيبوبة والوفاة. وإذا كانت الأخطاء ليست نتيجة غياب الضمير وحده إنما ترجعها الدراسات أيضًا إلى نقص الخبرة، أو انعدام الكفاءة من الطبيب الممارس أو المساعدين له، أو نتيجة تجربة تقنية حديثة تجريبية أو متطورة يتم استخدامها لأول مرة، فتكون معرضة للفشل، أو نتيجة حالة طارئة لم يتم الاستجابة لها بشكل سريع فتحدث مضاعفات، إلا أن غياب الضمير الطبى قد انعكس على المهنة بشكل آخر فى صورة الاستغلال المادى الذى يتعرض له المرضى وأسرهم، حيث يغالى معظم الأطباء فى أسعار الكشوف التى تصل إلى 1000 جنيه و500 للاستشارة، كذلك هناك مبالغة فى أسعار العمليات الجراحية التى تصل إلى آلاف الجنيهات، ومع المشاكل المزمنة التى يعانى منها قطاع الصحة فى مصر من نقص فى عدد أسرة الرعاية المركزة وحضانات الأطفال، والعجز الكامل فى المستلزمات الطبية بمستشفيات الحكومة والمستشفيات الجامعية، أصبح المواطنون فريسة سهلة لبعض الأطباء معدومى الضمير الذين حولوا مهنتهم الإنسانية السامية إلى وسيلة للكسب السريع ولو على حساب المرضى. أما الجانب المظلم لانعدام الضمير فى مهنة الطب فهو عصابات سرقة الأعضاء التى انتشرت مؤخرا وأبطالها أطباء وأجهزة تمريض كاملة، وما حدث مؤخرا من قيام اثنين من السماسرة باستغلال حاجة بعض الباعة الجائلين بميدان رمسيس للمال، واقناعهم ببيع كلاهم لأثرياء عرب، حيث خصص أحد الأطباء عيادته لإجراء هذه العمليات فى الخفاء، بالاتفاق والتعاون مع بعض مراكز التحاليل والأشعة فى وسط البلد. كذلك عصابة الاتجار فى الأطفال التى تم إلقاء القبض عليها بمنطقة الهرم منذ فترة تشير إلى ما وصل إليه الحال من انعدام الضمير فى هذا القطاع، حيث ألقى القبض على عدد من القوادين الذين يقومون ببيع الفتيات الصغيرات للأثرياء العرب خلال شهور الصيف، وتبين تورط بعض الأطباء معهم فى بيع الأطفال نتاج هذه العلاقات غير المشروعة لأثرياء آخرين. هذه الحوادث، وإن كانت تشمل بعض الأطباء فقط من معدومى الضمائر، إلا أنها تعد ناقوس خطر لما آل إليه حال أول وأهم مهنة إنسانية فى حياة البشر، وهو ما جعل الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء سابقا يؤكد فى تصريحاته مرارا ان النظام الصحى المصرى يعانى كثيرا وفى أسوأ حالاته، ورغم حالة التقدم النوعى فى مستوى العلاج والوقاية، إلا أنه يجب الاعتراف بأن الوضع الصحى فى مصر لا يتناسب مع الإمكانيات المتوافرة، مشيرا إلى أن المصريين لا يحتاجون لأكثر من 3500 خريج سنويا، إلا أن الجامعات تخرج 15 ألف طبيب كل عام دون تدريب حقيقى وهو أحد أهم أسباب انتشار مثل هذه الكوارث. إهمال وإذا كانت وزارة الصحة قد قامت بإغلاق 2134 مستشفى وعيادة ومركز علاج طبيعى بسبب الإهمال الطبى داخلها، وعدم مطابقتها للمواصفات الطبية فى آخر ثلاث سنوات، فإن الاهمال داخل مستشفيات الوزارة نفسها يعتبر أكبر التحديات التى تواجهها الوزارة والمصريون على حد سواء، حتى أصبح شعار المستشفيات الداخل مفقود والخارج مولود، وفى الوقت الذى يدعى فيه المسئولون عن القطاع الصحى ان صحة المصريين أولاً نجد أن أكثر من 68% من ميزانية الصحة تذهب لبند الأجور بينما يعانى المصريون الويل للحصول على خدمة طبية، ويجبر من ما زال لديه ضمير من الأطباء والعاملين فى المستشفيات على عدم العمل بسبب نقص الإمكانيات. مدرسون يتاجرون فى الدروس الخصوصية.. والتعليم «فريضة غائبة» 25 مليار جنيه سنويا تلتهمها مراكز الدروس الخصوصية، توفرها الأسر المصرية من قوت يومها لتدفعها لمعلمين غابت ضمائرهم لتحل محلها رغبة متوحشة فى الثراء السريع، دفعتهم إلى اهمال رسالتهم السامية وتفرغوا لجمع الأموال فى مراكز الدروس الخصوصية، ورغم أن وزارة التربية والتعليم تقوم كل فترة بالتعاون مع المحليات بمهاجمة هذه الأوكار واغلاقها، إلا أنها سرعان ما تعود للعمل من جديد، حتى قرر الدكتور طارق شوقى مؤخرا إعداد تشريع لتجريم الدروس الخصوصية، إلا أنه لن يكون مجديا قبل اعادة زرع الضمير فى نفوس المعلمين ليقدموا فى الفصل ما يقدمونه فى «السنتر». حينما كان ضمير المعلم مستيقظا كان التعليم فى مصر من أفضل مرافق الدولة، ورغم أجور المعلمين الزهيدة إلا أن الضمير كانت له الكلمة العليا، فلم يفكر أحد منهم فى الدروس الخصوصية كوسيلة للثراء، وكانت سمعة المعلم المصرى داخليا وخارجيا لا تشوبها شائبة، حتى إن الدول العربية التى كانت تريد تأسيس نظم تعليمية حديثة كانت تستعين بالمعلم المصرى، وقد كانت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضى هى العصر الذهبى للعلم والمعلمين، حتى إن الدولة كانت تحتفل بعيد العلم تكريما للعلم والمعلمين، ولكن كل هذا تغير بدءا من الثمانينات حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم، حيث فقد المعلم هيبته وكرامته بعد أن أصبح يمد يده للطالب ليحصل على ثمن علمه، وفقدت المدرسة دورها بعد أن أصبحت مجرد ملتقى لعقد صفقات الدروس الخصوصية، وحول بعض المعلمين الفصول إلى مكان للنوم أو وقت للراحة، لاستئناف الدروس الخصوصية بعد ذلك، الغريب أن أولياء الأمور انفسهم استجابوا لهذه الخطة وراحوا يقتطعون مبالغ شهرية من دخولهم البسيطة لصالح الدروس التى أصبحت بديلا للمدرسة. وبذلك فقد المعلم والمدرسة أدوارهما، وأصبحت المراكز هى القائم بأعمال دور التعليم، وأصبح الطالب صاحب اليد العليا على المعلم، فهو من يمنحه المال، وبذلك فسدت العملية التعليمية كلها، ولم يعد للوزارة دور فى التربية ولا التعليم. ومنذ منتصف التسعينات بدأت الوزارة تلتفت لغول الدروس الذى توحش وأفسد العملية التعليمية، فبدأت تتحدث عن ضرورة تجريمها وتعيين شرطة خاصة لمكافحة الدروس الخصوصية، وكان أول من انتبه لهذه الكارثة الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق، إلا أن هذا لم يجد نفعا بعد أن استشرت الدروس فى كل مكان وكل المراحل حتى شملت مرحلة الإعداد لما قبل المدرسة حتى الجامعات، وأصبحت بديلا للمدرسة فى كثير من مراحل التعليم، وكل وزير كان يأتى بخطة للمكافحة إلا أنها لا تفلح، حتى تظاهر الطلاب منذ عدة أعوام ضد قرار الوزارة بإغلاق مراكز الدروس الخصوصية، وها هو الدكتور طارق شوقى يحذو حذو سابقيه ويصرح منذ عدة أيام بإعداد وزارته قانونًا يقضى بتجريم الدروس الخصوصية ومعاقبة كل من يمارسها واغلاق مراكزها غير المرخصة، هذا بعد النظام الجديد الذى اعدته الوزارة للثانوية العامة والذى صرح الوزير بأنه سيقضى على الدروس الخصوصية فى هذه المرحلة، إلا أن الخبراء كان لهم رأى آخر، مؤكدين أن الدروس ستستمر ثلاث سنوات بدلا من سنة واحدة، وهو ما اكده أكد الدكتور محمد الطيب الأستاذ بكلية التربية وعضو المجالس القومية المتخصصة، مشيرا إلى أن نظام الامتحان التراكمى فى الثانوى لا يصلح فى مصر بسبب انتشار الفساد والمحسوبية، مؤكدا أن هذا النظام الجديد لن يقضى على الدروس الخصوصية بل سيزيدها ما سيضاعف الأعباء على أولياء الأمور. وأشار إلى أن الحديث عن الاعتماد على الأبحاث العلمية فى هذه المرحلة هو درب من الخيال وفكرة لا يمكن تطبيقها خاصة أن البيئة التكنولوجية فى المدارس غير مهيأة للعمل بهذا النظام، والوزارة لم تحسم حتى الآن كيفية توفير التابليت لطلابها. وأوضح أن أزمة التعليم فى مصر ليست فى ضمير المعلم الغائب فقط، وانما لا بد من البحث فى الأسباب التى أدت إلى ذلك وعلى رأسها ظروفه المادية وقلة دخله حيث يعتبر دخل المعلم من أقل الدخول فى مصر حتى بعد الكادر، بالإضافة إلى عدم إعداده إعداداً جيداً، ونظرة المجتمع التى أصبحت سيئة له بعد أن كان مرموقا من قبل، كذلك هناك نظام التعليم المعتمد على الحفظ والتلقين الذى يدفع الطالب للدروس للمزيد من الاستظهار، وانفصال التعليم عن سوق العمل ما جعل الطالب وأسرته حريصين على الحصول على الشهادة بأى طريقة، وفى النهاية قال: أزمة الضمير فى مصر سبب كل مشاكل المجتمع وليس التعليم وحده. الشمعة التى انطفأت فى قلوب المصريين!! اختلفت تعريفات العلماء للضمير، فمنهم من وصفه ببوصلة المرء، ومنهم من قال «شمعة فى قلب كل إنسان، ربما تؤلم حرارتها قليلًا لكنها تُنير الطريق»، ومنهم من شبهه ب«شعاع من نور يتلألأ فى أعماق النفس الإنسانية»، وآخرون قالوا إنه «نور الذكاء لتمييز الخير من الشر»، وجاء تعريفه فى معجم المعانى الجامع بأنه «استعداد نفسى لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحَسن واستقباح القبيح منها. ويُقصد ب«الضَّمير المِهنى»: ما يُبديه الإنسان من استقامة وعناية وحرص ودقة فى قيامه بواجبات مهنته. ورغم اختلاف الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع فى تعريفاتهم للضمير، ولكنهم اجتمعوا على أنه نابع دائماً من مسئولية الإنسان تجاه المجتمع الذى يعيش فيه، إلا أن علماء العلوم الإنسانية وعلم النفس والأعصاب عرفوا الضمير بأنه وظيفة من وظائف الدماغ التى تطورت لدى الإنسان لتسهيل الايثار المتبادل، كما عرفوه بأنه مجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم التى تحكم الإنسان، ليكون سلوكه جيدا معهم، أى أنه هو ميزان الحس والوعى عند الإنسان لتمييز الصحيح من الخطأ مع ضبط النفس لعمل الصحيح والبعد عن الخطأ. وقبل كل هذه العلوم كان المصرى القديم قد توصل لمفهوم الضمير، وذكرته النصوص الدينية على جدران المعابد والمقابر. «لم أترك أحدًا يتضور جوعًا.. لم أنطق كذبًا.. لم أضع سدًّا للمياه الجارية.. لم أرتكب القتل.. لم أسبب تعسًا لأى إنسان.. لم ألوث ماء النهر» هذه العبارات أكبر دليل على نمو الضمير والوعى لدى المصرى القديم قبل تطور الفكر البشرى بأكثر من 5 آلاف سنة. إلا أن المصرى الذى اكتشف فجر الضمير قبل العلوم الحديثة افتقده هذه الأيام، وراحت البلاد تدفع الثمن وحدها من نقص العمل والإنتاج وفساد الذمم وانهيار التعليم والصحة، وتخريب المرافق العامة، حتى كثرت الجرائم اللاأخلاقية التى نشاهدها هذه الأيام، وكل هذا مؤشرات تؤكد انهيار الضمير فى مصر، ولا سبيل لقيامها بدون اعادة زرع الوعى والضمير فى الإنسان المصرى، وهو ما أكد الخبراء أنه ممكن من خلال التنشئة السليمة من الأسرة والمؤسسات الدينية ووسائل الاعلام ومؤسسات التربية والتعليم. فهذه الشعلة انطفأت فى قلوب عدد كبير من المصريين منذ سنوات بسبب التغيرات الثقافية الغريبة التى دخلت على المجتمع المصرى نتيجة القيم الغربية الزائفة التى طرأت على مجتمعنا، وروج لها البعض تحت مسمى التحضر، فإذا كانت الدراسات الإنسانية قد ذكرت أن الضمير يتشكل داخل الفرد نتيجة البيئة التى يعيش فيها الإنسان، حيث يتأثر ضمير الإنسان بالبيئة الثقافية، والسياسية، والاقتصادية التى يعيش بها، فإن حالة الانهيار التى يعانيها المصريون ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا قد أثرت فى ضميره، ورحنا نتحدث عن الرشوة باعتبارها اكرامية، والفساد واسطة أو محسوبية، والبلطجة وجدت من يعتبرها قوة وشجاعة، وانعدام الضمير فى العمل أصبح فهلوة. وسادت مفاهيم «على قد فلوسهم» و«هى جت علىّ» و«ملك الحكومة» لتصبح أبواباً سرية للتهرب من المسئولية وعدم مراعاة الضمير فى العمل، حتى أصبح من يراعى ضميره فى عمله كالقابض على الجمر، وراح كل شخص يلقى بالمسئولية على الآخرين على اعتبار أنهم فسدة، بينما هو الوحيد الذى يراعى ضميره، وتخلى عن محاسبة ذاته، مع عدم وجود قواعد صارمة لمحاسبة أى فرد والأبواب الخلفية للتلاعب بالقوانين، كلها كانت محفزات لانهيار الضمير بشكل عام فى مصر حتى وصلنا إلى ما نحن عليه فى كل المجالات. دراسات: العامل المصرى يعمل 18 دقيقة فى اليوم 1.5 تريليون جنيه يخسرها الاقتصاد المصرى سنوياً بسبب ضعف إنتاجية العامل المصرى فى كل المجالات، هذه الحقيقة المرة تؤكدها الدراسات الاقتصادية ويلمسها المواطن المصرى، والسبب معروف للجميع وهو غياب الضمير المهنى، فالعامل المصرى يعد من أقل عمال العالم انتاجية، وتشير تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أنه لا يعمل سوى 18 دقيقة فقط فى اليوم، ولا يستثنى من ذلك موظفو الجهاز الادارى للدولة البالغ عددهم 5.7 مليون موظف، فرغم أن مصر لديها أضخم جهاز إدارى فى العالم إلا أن متوسط ساعات العمل يقل عن 30 دقيقة فى اليوم، الغريب فى الأمر أنه رغم الشكوى الدائمة من البطالة التى يصل قوامها إلى 13 مليون شاب، إلا أن هناك وظائف تبحث عن عمال، ولا تجد من يتقدم لها، هذه المعادلة الصعبة تحتاج إلى ضمير يقظ لحلها، فالعمل والإنتاج هما السبيل لإنقاذ مصر. معاناة مزدوجة يشعر بها المواطن والاقتصاد المصرى على السواء بسبب قلة انتاجية العمال والموظفين فى مصر، فأى مواطن يتوجه لمصلحة حكومية لإنهاء أوراقه يشهد ذلك بأم عينيه، يحضر الموظف إلى مقر عمله متأخرا، يفطر أولًا، يتحدث إلى زملائه، يلف على المكاتب الأخرى بحجج مختلفة، وينتهى يوم العمل بلا طائل ومصالح المواطنين تتعطل، وفى المقابل يعانى الاقتصاد المصرى من خسائر فادحة قدرها الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية بنحو 1.5 تريليون جنيه سنويا، وأكد فى دراسته حول معدل انتاجية العامل المصرى والعربى أن معدل إنتاجية الموظف الحكومى العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص من أقل المعدلات على مستوى العالم إذ تبلغ 30 دقيقة يومياً، فى حين يبلغ متوسط إنتاج العامل العربى بشكل عام ما بين 18 و52 دقيقة فقط، وتبلغ القيمة الإنتاجية للعامل المصرى ب1600 دولار سنوياً فى حين تصل القيمة للعامل الأمريكى 44 ألف دولار والتركى 8 آلاف دولار بما يعكس مدى انخفاض القيمة الإنتاجية للعامل المصرى. ورغم أن مصر بها أضخم جهاز ادارى فى العالم قوامه 5.7 مليون موظف بمعدل موظف لكل 13 مواطنًا، فى حين أن النسبة العالمية تقدر بموظف لكل 400 مواطن، إلا أن معاناة المواطنين مع الأجهزة الحكومية لا تنتهى، ومع ذلك يحصل هؤلاء الموظفون على 70 مليار جنيه سنويا كأجور، أى نحو ربع الموازنة العامة للدولة، وتؤكد التقارير الحكومية ضعف إنتاجية العامل المصرى الذى أكد تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تراجع إنتاجيته للمرتبة 130 على مستوى العالم، وقدر فترة عمله ب20 دقيقة يومياً من إجمالى 8 ساعات عمل. ورغم هذه الأرقام المفزعة والمعاناة الملموسة للمصريين جميعاً إلا أن أحداً لم يستطع أن يغير هذا الوضع المجحف، بل الأعجب من ذلك أن العمال والموظفين الذين يعملون دقائق معدودة فى اليوم يطالبون بزيادة الأجور ويتظاهرون من أجلها من فترة لأخرى، بل إن شركات قطاع الأعمال الخاسرة وبعض الهيئات الحكومية تصرف أرباحاً لعمالها رغم الخسائر. جانب آخر من أزمة العمالة والإنتاجية فى مصر كشفه بعض المستثمرين ورجال الأعمال أثناء حوارهم مع الرئيس السيسى، حيث طالبهم بتوفير فرص عمل للشباب، فطالبوه هم بتوفير شباب لفرص العمل المتاحة لديهم، وبدأوا يتحدثون عن تجاربهم مع الشباب الذين يرفضون العمل فى مصانعهم واصفين الحال بأن هناك مصانع تعانى مجاعة عمالية، فالشباب يرفضون العمل فى مصانع القطاع الخاص، ويفضلون العمل الحكومى للحصول على راتب بلا عمل. ووفقًا للتقرير الصادر عن مجلس التدريب الصناعى الذى أطلق مبادرة تحت مسمى التدريب من أجل التشغيل بالتعاون مع الوحدات الإنتاجية، سواء العاملة فى الصناعة أو السياحة أو الجهات الخدمية والتجارية، فإن المجلس استطاع من خلال شركات القطاع الخاص إتاحة ما يقرب من 148 ألفاً و543 فرصة عمل بالتعاون مع 886 شركة خلال العام الماضى، إلا أنه لم يتقدم لها سوى 61 ألفاً و222 شاباً فقط، وانخفض العدد إلى 48 ألفًا للشباب الذين تقدموا للاختبارات والتدريب، فى حين أنه عندما أعلنت مصلحة الضرائب المصرية عن توفير 19 ألف وظيفة تقدم لها 300 ألف شاب. الدراسات أكدت أن غياب الضمير ليس وحده السبب فى نقص انتاجية العمال والموظفين فى مصر فهناك عدة عوامل أخرى منها : انعدام التدريب، عدم حصول العامل المجتهد على مميزات حقيقية، فضلاً عن البيروقراطية والبطالة المقنعة، وبيئة العمل التى لا تشجع على مزيد من الإنتاج، إضافة إلى أن قوانين العمل التى بها ثغرات كثيرة لا تساعد على اقرار مبدأ الثواب والعقاب. ورغم الدراسات والمؤشرات التى تؤكد انخفاض انتاجية العامل المصرى حتى أصبحت مصر لا تنتج إلا 20% من احتياجاتها فقط، بينما تستورد 80%، وعلى مستوى الخدمات، يعانى المواطن أشد المعاناة للحصول على الخدمة، ومع ذلك يشكو العمال والموظفون من قلة الدخل، والجميع يجهل أن الدخل سيزداد إذا زاد الانتاج. تخريب الممتلكات العامة لايزال مستمراً.. والبداية من تلاميذ المدارس جريمة يومية ترتكب فى كل مكان دافعها الأول دائما غياب الضمير، هذه الجريمة هى تخريب الممتلكات العامة والخاصة على السواء، وأحيانا ما تتم هذه الجريمة بشكل فردى وأحيانا ما تكون منظمة يقوم بها جماعات سواء كانت لأغراض سياسية أم لمجرد الانتقام، ورغم ان الأديان والقانون جرمت هذه الأفعال التخريبية إلا أنها ترتكب كل يوم على مرأى ومسمع من الجميع وفى كل مكان، بدءا من وسائل المواصلات والشوارع وانتهاء بتدمير خطوط الغاز والكهرباء كما كان يحدث من قبل. هذه الجرائم التخريبية تبدأ بأفعال صغيرة يرتكبها التلاميذ فى مدارسنا بدءا من الكتابة على مقاعد المدارس أو تدميرها بشكل متعمد، والشخبطة على الحوائط، وتدمير مقاعد الأتوبيسات وكتابة الأسماء عليها، حتى الاتوبيسات الحديثة التى استوردتها الدولة مؤخرا لم تسلم من هذه الآفة، وتمتد هذه الكارثة حتى تصل إلى آثارنا حيث يقوم بعض الشباب بحفر أسمائهم على حجارة الأهرامات والتماثيل الأثرية القيمة المنتشرة فى كل مكان. هذه الجرائم وإن كانت فردية إلا أنها تعد مؤشرًا خطيرًا لغياب الوعى والضمير عن الشباب المصرى، الذى اعتبر اتلاف ممتلكات الدولة وآثارنا التى لن تعوض أمرًا عاديًا، إلا أن هذه الجريمة ترتكب أيضًا بشكل منظم حيث تقوم بعض وكالات الإعلانات الصغيرة بكتابة إعلاناتها على الحوائط وأسوار المدارس فى الشوارع حتى لا تدفع رسوم وضع الإعلانات فى الاماكن المخصصة لذلك وتحددها الأحياء وتحصلها منهم، وتشهد انتخابات المحليات والبرلمان الكثير من هذه التجاوزات فى كل المحافظات. وجريمة التخريب تجرمها المادة 90 من قانون العقوبات، وتنص على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات كل من خرب عمدًا مبانى أو ممتلكات عامة، مخصصة لمصلحة حكومية، أو مرافق ومؤسسات عامة. وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد أو المشدد إذا وقعت الجريمة فى زمن هياج أو فتنة بقصد إحداث الرعب والفوضى بين الناس، وتصل العقوبة للإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص كان موجودًا فى ذلك المكان، ويحكم على مرتكب الجريمة بدفع قيمة الأشياء التى خربها، ومع ذلك لم تنجح هذه العقوبات المشددة من جرائم التخريب التى شهدتها مصر إبان الثورة وعلى رأسها تدمير المجمع العلمى واقتحام مقرات امن الدولة وبعض مؤسسات الدولة. الغريب أن الروح التى ظهرت فى مصر عقب ثورة 25 يناير، وقيام الشباب بتنظيف الشوارع اختفت تماماً، وعادت روح التخريب والتدمير، وان كانت الجماعة الإرهابية قد اتبعت اسلوب تدمير المنشآت العامة وتخريب خطوط الغاز والكهرباء عقب فض اعتصام رابعة، كوسيلة لعقاب الدولة، وافقاد المواطنين الثقة فيها بتدمير المرافق العامة، وهو ما كلف الدولة ملايين الجنيهات، ومن ثم تم تعديل القانون لتصل عقوبة تخريب المرافق العامة إلى الإعدام وفقا لتعديلات قانون الإرهاب حتى تكون رادعاً لكل من تسول له نفسه الإضرار بمصالح البلاد والعباد على السواء. ورغم نجاح الأحكام المشددة فى ردع البعض إلا أن هذه الروح الشريرة تقمصت عددًا كبيرًا من المصريين فراحوا يدمرون المرافق بأيديهم حتى تشكلت عصابة من الأطفال فى قنا لسرقة أجهزة الكمبيوتر من مدرستهم، وزادت أعمال التخريب فى كل مكان ولم تسلم منها المرافق العامة ولا الخاصة، حيث تنتشر ظاهرة تدمير دهانات السيارات الخاصة بمسمار ليس لأى غرض سوى التخريب، فضلاً عن إلقاء القمامة فى الشوارع وبجوار أسوار المدارس والمستشفيات، وكل هذه الأفعال دليل على غياب الضمير عن مرتكبيها. هذه الظاهرة أرقت المصريين جميعاً بما فى ذلك المؤسسة الدينية حيث أصدرت دار الافتاء فتوى أكدت فيها أن «تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة هو عمل محرم وفعل مجرم؛ وفساد فى الأرض، لأنه إتلاف للمال، واعتداء على ملكية الغير العامة أو الخاصة، وفيه تعطيل لمصالح الخلق، وقد يكون فيه إفناء للثروات المعنوية التى لا عوض لها ولا تعدلها قيم». ورغم هذا فما زال التخريب مستمرا، لم تفلح القوانين ولا الفتاوى الدينية فى الحد منه، وبالتالى فلا رقيب على الإنسان سوى ضميره الذى يمنعه من ارتكاب مثل هذه الأفعال المجرمة والمحرمة. الضمير.. زراعة أم صناعة؟!! سؤال حاولنا البحث عن إجابة له، فبعد التعريفات المتعددة التى وضعها الفلاسفة والعلماء لمفهوم الضمير، وبعد كل ما تبين من كوارث يصاب بها الفرد والمجتمع نتيجة غياب الضمير أصبح لزاما علينا البحث عن اجابات لعدد من الأسئلة المحورية: هل الضمير موروث داخل الإنسان؟ أم أنه نبتة تزرع داخله ويجب أن ننميها، أم انه صناعة يقوم بها الإنسان وتساعده الأسرة ووسائل الإعلام ودور التربية المختلفة فى المدرسة والمسجد والكنيسة على القيام بها؟ فغياب الضمير كارثة تنعكس آثارها على الفرد والمجتمع على السواء، ومن ثم لا بد من البحث عن وسائل عودته إلى مكانه الطبيعى داخل النفس البشرية حتى تعود إلى رشدها وتبنى مجتمعها الذى لن يتقدم بدون ضمير حى داخل كل فرد من أفرادها. فى البداية تحدثت الدكتورة اجلال حلمى استاذ علم الاجتماع العائلى بكلية الآداب- جامعة عين شمس، عن أسباب غياب الضمير عن أعداد كبيرة من شرائح المجتمع المصرى، مؤكدة أن هناك عدة أسباب أدت إلى هذا منها: شيوع بعض الأفكار المغلوطة عن الخسائر التى يتعرض لها أصحاب الضمائر اليقظة، بينما يربح دائما أصحاب الضمائر الخربة، وعززت أفلام السينما والدراما من هذه المفاهيم الخاطئة. كذلك حدث تحول فى نسق القيم الملتزم الذى تتوافر فيه السمات النبوية المستمدة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» لتصبح الأخلاق بلا قيمة، كما أن غياب القدوة الحسنة وتشويه الموجود منها وشيوع القدوة السيئة يعد أحد أسباب غياب الضمير فى مصر، فضلا شيوع نسق من القيم الخاطئة عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، والتركيز على أن الغاية تبرر الوسيلة حيث أصبح الثراء حلم الكثيرين حتى لو تم بطرق غير مشروعة، هذا مع غياب دور الاعلام فى بث الأخلاق والقيم الحسنة فى النفوس لذلك لا بد من استراتيجية اعلامية تضمن التوازن فى تقديم المحتوى الاعلامى بين الدراما التى تقدمها القنوات المختلفة وما تقدمه من برامج تحث على الأخلاق والفضيلة والقيم الحسنة مثل الإصرار والعزيمة والاخلاص فى العمل، والبعد عن بث الطاقات السلبية التى تتضمنها الرسالة الاعلامية فى كثير من الأحيان. وأشارت الدكتورة اجلال إلى أن الضمير ليس موروثا ولكنه مجموعة من الخبرات إلى يكتسبها الإنسان ما يجعله قادرا على التفرقة بين الخطأ والصواب، فالضمير الحى يجعل صاحبه يحجم عن فعل الأشياء التى تضره أو تضر مجتمعه، ويهذب فى نفسه الجشع والرغبة فى ايذاء الآخرين أو تخريب مجتمعه وتدميره. أما الشيخ على أبوالحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا فيرى أن الضمير يغرس فى الإنسان من خلال الايمان والتربية على السواء، فالضمير ليس شيئًا ملموسًا ولكنه يعنى مراقبة الله ومراقبة القيم والأخلاق قبل الاقدام على فعل أى شىء، وهو صناعة يقوم بها الناس من خلال التربية والسلوك الحسن والايمان بالله، فالإنسان يتعلم أن هناك رقابة إلهية عليه، وهذا أول درس يجب أن يزرع فى الطفل أن يراعى الله فى كل تصرفاته فان لم تكن تراه فانه يراك، وعليه أن يتعلم أن يسير على هذا النهج طوال حياته ولا يحيد عنه، فهذه القاعدة جاء بها كل الأنبياء وهى مراعاة الله فى كل فعل لأننا سنحاسب عليها، فالملائكة يدونون كل ما يفعله الإنسان فى حياته، ويحاسب عليه يوم الحساب، ولذلك لا بد من التركيز فى تربية النشء على أن نعلمهم أن الله موجود فى كل مكان وهو يرانا، لذلك يجب أن نراعيه فى كل أفعالنا، فهذا المنهج مفيد للفرد والمجتمع على السواء، ولو سار به كل إنسان فستختفى كل الموبقات من المجتمع تماما. الإمام محمد عبده عندما سافر إلى أوروبا قال «وجدت فيها اسلاما بلا مسلمين وعندنا مسلمون بلا اسلام» فالإسلام والمسيحية وكل الديانات تحض على الخير وتمنع الشر عن الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وتعاليمها هى مكنون الضمير الذى يكتسبه الإنسان من خلال قيم المجتمع وتعاليمه، فرقى الإنسان وتحضره وتدينه تصب جميعا فى بوتقة واحدة هى الضمير الإنسانى الذى يمنع كل الموبقات، فمتى يعود الضمير الغائب للمصريين؟