حوار - أحمد عثمان تركتُ لجنة الدراما بعد عجز المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن تطبيق المعايير الدولية للدراما.. ولست نادماً عادل إمام والفخرانى نجحا فى الحفاظ على نفوذيهما الإبداعى ومن يطالب باعتزالهما لا يملك الإحساس أطالب بإنشاء جهاز لقياس الرأى العام في الدراما وعمل مهرجان سنوى لها جيلى أكثر حظاً من الجيل الحالى.. ومتصالح مع نفسي التاريخ دائماً لا يكذب أو يتجمل مهما حاول ضعفاء النفوس أن يحرفوه، وتاريخ الفن فى مصر سينما أو دراما ومسرح وطرب يؤكد بالحقائق رحلة عطاء من صنعوه.. وعندما نتحدث عن مخرج بحجم وقيمة وعطاء المخرج الكبير محمد فاضل لابد أن نتيقن أن تاريخ مصر الفذ كبير ومهم وصناعه لا يغيبون عن الواقع مهما ابتعدوا لأن ما صنعوه من إبداع قادر على أن يتحدى كل عوامل التغير الفكرى والثقافى والمجتمعى والسياسى. عندما استقال محمد فاضل من رئاسته لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى رأيى لم يكن مفاجأة، لأنه فنان يؤمن بالثوابت والقيم التى حققها فى كل أعماله سواء فى أفلامه الخمسة فى السينما أو ال50 فى الدراما، قرر التنحى عندما اصطدمت توصيات اللجنة بعجز المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن تطبيقها على دراما رمضان. وفى حوارى مع المخرج الكبير لم يكن هذا الموضوع هو لب القضية، وإنما حاولنا رصد أسباب الانهيار الدرامى وصناعة الفكر حالياً رغم إشادته بحجم وضخامة وتطور الإنتاج، وأيضاً تحدثت عن أزمة غياب الدراما الحقيقية عن واقع المجتمع بعد انسحاب الدولة من الإنتاج، انتقد حالة الغلاء لكن انتقد غياب الفن والإعلام عن تبريرها وإبراز المشروعات الكبرى الحقيقية على أرض الواقع. رفض بشدة وأدان الأصوات التى تطالب باعتزال عادل إمام ووصفه ب«رمز للفن فى مصر». وكان هذا الحوار.. البعض رأى اعتذارك عن لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام استسلاماً لواقع حال الدراما.. أنت كيف تراه؟ - للأسف كنت أعوَّل كثيراً على دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بدعمنا فى إصلاح مسيرة الدراما المصرية وتحمست بشدة عندما أسندوا لى رئاسة لجنة الدراما مع نخبة من الأفاضل والمتخصصين، وظللنا نقدم توصيات على مدار 6 أشهر للمجلس الأعلى ولكن للأسف لم يصدر أو يقر ولا توصية واحدة باستثناء توصيات معايير الدراما ولكنه لم يتابع حتى تنفيذها وهو دور أصيل له، فرأيت أن وجودى ليس له صدى وكنا على وشك صدام بين مدعي حرية الإبداع المزعوم وثوابت مجتمعية وفنية وأخلاقية حاولنا تطبيقها لإعادة الانضباط للدراما وعودة الدراما المجتمعية المحترمة التى تدعم الدولة فآثرت الانسحاب إيماناً بتاريخى الفنى الذى قدمته عبر مشوار طويل حصدت فيه كل حب وتقدير الشارع المصرى والعربى من خلال 5 أفلام و50 مسلسلاً، وتركت المهمة لمن يستطيع مواجهة الواقع وسطوة الصناع فى الدراما، وأضاف: للأمانة لست نادماً على قرارى. البعض يرى أنها كانت أى الاستقالة حتى لا تتحول لمعركة بين حرية الإبداع والرقابة الجديدة من خلال اللجنة؟ - هذا كلام غير منطقى فواقع الحال يؤكد أنه منذ وجود التليفزيون فى مصر ومن خلال رحلة عمرها خمسون عاماً فى 1960 حتى 2010 لم يكن هناك قيد أو شرط على حرية الإبداع وإنما كان هناك ضوابط وثوابت تناسب مجتمعنا المصرى والعربى، وكنا الوحيدين فى مصر أصحاب أكبر وأضخم وأهم إنتاج درامى، وجاء قرار إنشاء لجنة الدراما لتعيد الدراما المصرية الحقيقية للواقع بعد فوضى الإبداع التى حدثت عام 2011 بعد ثورة يناير، وأصبحت فيها السطوة الإنتاجية للقطاع الخاص الذى تغيرت نظرته للإنتاج وأصبح ينتج من أجل المكسب والخسارة وهذا حقه، ونحن لم نكن فى اللجنة ضد حرية الإبداع وإنما ضد فوضى هذه الحرية التى ضربت بعرض الحائط كل الثوابت والدور الرقابى الذى تفرضه ثوابت المجتمع المصرى. لكن كانت هناك أعمال جيدة وسط زحمة العرض وضخمة إنتاجياً؟ -بالتأكيد كان هناك أعمال محترمة فكرياً وإنتاجياً وفنياً لنجوم كبار وجيل الوسط والشباب، لكن كانت هناك أعمال خرجت عن السطر وقدمت مشاهد دموية صعبة لا يفعلها إلا الفكر الداعشى، وهناك أعمال تضمنت مشاهد تحت مبرر حرية الإبداع المزعوم طبعاً، والكلام لفاضل، إلى أن نرى من يقتل ويحرق الجثث ويرتكب سرقة المال العام والخيانة والعرى وإن كانت لها مثيل بالواقع لكن الدراما تهذب وتنقى الواقع بشكل راقٍ ومتحضر خاصة فى هذه المرحلة التى تحتاج فيها الدولة لهذه القوة الناعمة لدعمها فى مسيرة البناء. لكن الدولة نفسها هى من تخلت عن الإنتاج فى السينما والدراما؟ - هذا صحيح بالطبع وهو ما أفقد صناعة الفن والثقافة قوتها الناعمة ولكن منذ عام 2013 وتحديداً مع ثورة يونية بدأت الدولة تهتم بهذه القضية لكنها ظلت مشغولة باستعادة الانضباط الأمنى والاقتصادى والسياسى وتجاهلت قضية استعادة الانضباط الثقافى والفنى، وهذا جعل هناك حالة من الخلل الجسيم لكن فى الآونة الأخيرة، وكما جاء فى خطاب الرئيس السيسى أثناء حلف اليمين، وأن السنوات الأربع المقبلة ستشهد إعادة بناء الإنسان المصرى من خلال التعليم والصحة والثقافة، وكانت هذه المرة الأولى التى يركز عليها الرئيس بشكل مباشر على الثقافة، وهى تعنى الفنون والفكر والإعلام، وهذا يجعلنا نشعر بملامح التحسن للمناخ الفنى وسيكون هناك خلال الأشهر القليلة المقبلة نوع من التنظيم للقوى الناعمة، حيث تستطيع استعادة دورها المهم جداً فى التنمية. وفى رأيك هل يستطيع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تغيير المعايير التى تجعل من الدراما قوة ناعمة مرة أخرى؟ - المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تم تأسيسه لتطبيق مسئوليته عن حماية حق المواطن فى الحصول على إعلام جيد وصناعة فكر جيد وفقاً للمعايير الدولية والهوية الثقافية المصرية، ونحن الآن نعيش مرحلة ما يسمى بحروب الجيل الرابع التى يتم خلالها استهداف مصر من الباب الخلفى بعيداً عن الحروب العسكرية والاقتصادية المباشرة والتى لجأ فيها أعداء مصر للجيل الرابع من خلال الغزو الفكرى والاقتصادى والتسلل لعقل المصريين، وهنا تظهر مسئولية المجلس الأعلى وأولى خطوات التصدى لهذه الحروب هو تطبيق معايير الدراما التى حاولنا فيها من خلال لجنة الدراما سواء من خلال التعامل مع المشاهد التى تخرج عن أخلاقيات المجتمع المصرى أو تنظيم وتطبيق قواعد الإعلان المعمول بها فى كل دول العالم، والتى دفعت المشاهد المصرى اللجوء إلى اليوتيوب وهو كارثة مجتمعية فكت روابط وجماعية الأسر المصرية، وقللت من دور التليفزيون. وهل أزمة الدراما تنحصر فقط فى خلافات المشاهد حالياً؟ - لا بالتأكيد الانفلات الأخلاقى بعد ثورة يناير جعل المعادلة مطلوبة فى صناعة الفن دراما وسينما، وكان فى العصر الذهبى للدراما المؤلف هو صاحب الحق الأول فى الإبداع ويأتى بعده إبداع المخرج والمنتج ثم الممثل والآن العكس هو الصحيح الممثل هو الذى يجر خلفه كل هؤلاء بخلاف ظهور ما يسمى ورش الكتابة وغياب الدولة عن الإنتاج كل هذه الأمور جعلت الخلل يتزايد. لكن البعض أثنى وأشاد بورش الكتابة؟ - هى أصبحت أمراً واقعاً للأسف لكن دون أسس وقواعد علمية، وفى رأيى ليس لها قدرة إبداع المؤلف الواحد ولا أتصور وجود لوحة فنية رائعة يقوم برسمها ثلاثة رسامين مثلاً، وإن كان قليل منها ما نجح لكنها ليست فكرة جيدة لصنع دراما جيدة. تحدثنا عن مواطن الخلل فى الدراما.. لكن ما هو الحل؟ - لابد من عودة الدولة للإنتاج بقوة لأنها رمانة الميزان الذى يبدع لأجل المشاهد وليس لأجل الإعلان نحن بحاجة لدراما مجتمعية راقية تعيد الشخصية المصرية التى افتقدناها تحت سطوة المعلن والممثل، ولعل إنشاء شركة قابضة للثقافة والسينما بداية لتصحيح مسار السينما، وعلينا أن نطبق هذا المبدأ في الدراما وإعادة إحياء قطاعات الإنتاج الرسمية مثل صوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى وقطاع الإنتاج وكلها جهات تمتلك خبرات فنية وخبرات إنتاجية أنتجت روائع الأعمال لكن هذا لا يلغى الدور المهم للقطاع الخاص، وقال: أنا مثلاً أخرجت 50 مسلسلاً منها 30 مسلسلاً مع القطاع الخاص فهو دور مهم طبعاً. وطالب فاضل بضرورة إقامة مهرجان سنوى للدراما على غرار مهرجان السينما يخصص جوائز للصناع تشجيعاً على إنتاج أعمال متميزة يديره خبراء النقد الفنى المتخصصون ويطبق المعايير المجتمعية للدراما. وإنشاء جهاز قياس للرأى العام بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على غرار جهاز مركز معلومات مجلس الوزراء لوضع تقييم حقيقى للإبداع غير معتمد على الشركات التى تبيع النتائج بالمقابل وتطلق العنان لكل منتج أو ممثل أن ينصب نفسه الأول، ويكون دوره إيجابياً وحقيقياً فى التقييم للإنتاج الدرامى السينمائى. هل للمناخ السياسى الاقتصادى دور فى صنع الفارق بين جيلك والجيل الحالى؟ - أكيد أنا أعتبر جيلى أكثر حظاً لأننا حظينا برعاية الدولة وقتها وأتاحت لنا المناخ الحقيقى للإبداع، ولكن هذا الجيل وهو ملىء بالموهبة لم تتح له الظروف الحالية المناخ الحقيقى للإبداع وهذا يجعلنا بحاجة ماسة لثورة ثقافية فى كل مناحى الإبداع وعلى الدولة أن تعجل بها وتوفر حماية للمبدع الحقيقى، وأضاف: كل جيل يسلم من بعده ليقوم بدوره، وهى مسألة لا تقلقنى ولم تشغلنى لأننى قدمت كل ما حلمت به فى وقتي، وآن الوقت أن يقوم الجيل الحالى بدوره. وسط زحمة الأعمال التى عرضت فى رمضان من تراه الأكثر إبداعاً؟ - كل الأجيال التى قدمت دراما رمضان أبدعت وتفوقت على نفسها حتى وإن اختلفنا على طريقة وشكل الأداء، هذه الأعمال أفرزت مواهب فى التمثيل والإخراج والتأليف، لكن ما زلت أشعر بطعم الفن فى وجود النجوم الكبار مثل عادل إمام ويحيى الفخرانى ويسرا ما زالوا قادرين على الحفاظ على نفوذهم الإبداعى وسط جيل موهوب فى كل شىء وصنع دراما جيدة لكنها تحتاج لمزيد من الضوابط والتهذيب. لكن البعض يرى مثلاً فى استمرار نجم مثل عادل إمام كثيراً من الجدل؟ - الفنان لا يعتزل طالما يملك نفساً وعادل إمام واحد من أهم رواد الفن والكوميديا في الوطن العربى، ومن يرى غير ذلك لا يملك إحساس الممثل وعليه أن يتصور فناً دون عادل إمام أو الفخرانى، خاصة أن الموت غيب نجوماً بحجم نور الشريف ومحمود عبدالعزيز والظروف أبعدت نجوماً مثل محمود ياسين والعلايلى والسعدنى لكنها طبيعة الحياة أجيال وراء أجيال الكل قد يعتزل إلا الفنان. كيف يرى محمد فاضل حال السينما حالياً؟ - تعيش مرحلة توتر ومستوى متوسط فى الشكل والمضمون والإنتاج وتحتاج لدواء عاجل، وهو ما بدأت الدولة بالشركة القابضة للثقافة والسينما وضعه وتنتظر أن يكون هناك دور أكبر إيجابى فى الدولة فى انتعاشتها. كيف يرى محمد فاضل واقع الحياة فى ظل حالة الغلاء المعيشى والشح الثقافى؟ - نحن مررنا بمراحل مجتمعية من غلاء وصعوبة فى الحياة لكن بصورة كانت أخف فى الوقت الحالى، وعلى الجميع مراجعة الظروف المجتمعية للشارع المصرى وهذا دور القوة الناعمة من فن وثقافة وإبداع وإعلام لأن هناك حالة رواج اقتصادى كبير لكنه غير ملموس فهو للمستقبل، بينما ينتظر الناس حالة فى الاستقرار المعيشى فى الوقت الحالى وعلى الإعلام أن ينقل الصورة الحقيقية لمبررات الغلاء بعيداً عن الخطاب السياسى المباشر، وأن تقوم الدراما بنقل صورة حقيقية عن تضحيات المجتمع والجيش والشرطة ووضع الصورة الإيجابية وهى كانت المشكلة الحقيقية فى لجنة الدراما كنا نطالب بأعمال تدعو لعرض الصورة الإيجابية ولا نفرض لتناول موضوعات بعينها، وأزمة الأسعار التى نعيشها تحتاج لإعلام وفن يبررها ويقارن بينها وبين ما يحدث من مشروعات إنتاجية أو على الأقل يرصد سلبيات الأزمة للحكومة ومؤسسات الدولة حتى لا تترك الناس فريسة للشائعات لأن المشاريع الجديدة التى تحدث لم تقدم للناس بشكل إيجابى فى الإعلام. كيف تمر ذاكرة ثورة 30 يونية فى عقلك؟ - علينا أن نسعد أنفسنا بما حدث لأنها ثورة قام بها الشعب دون توجيه أو دعم وبداية حقيقية لأنها درس للعالم بقدرة الشعب المصرى على فرض رأيه وعدم الاستسلام للإخوان ومحاولتهم افتراس الوطن، هى ثورة قام بها الشعب المصرى بالوعى الجمعى لاسترداد بلده من أنياب الإخوان. عودة الكبار أمثالك للفن والإبداع متى تحدث؟ - هذه مسألة لا تشغلنى لأننى مؤمن بأن جيلنا كما أشرت أخذ حقه وحقق كل أحلامه وترك ميراثاً من النجاح سيعيش أبد الزمان لكن عندما يتم تصحيح المعادلة الدرامية وتظهر مساحة للعودة لن يكون هناك مانع لذلك، خاصة أن هناك نوعية من الدراما تحتاج لعودتها مثل الدراما التاريخية والوطنية والدينية تحتاج لجرأة إنتاجية وإخراجية كنا شركاء فى صنعها. فى رأيك هل اختلاف ذوق المشاهد أثر فى انهيار صناعة الفن؟ - أكيد لأن حالة الانفلات والاختلاف الأخلاقى للشارع المصرى بعد ثورة يناير انعكست على صناعة الفن ونوعية الدراما والسينما التى كانت تقدم.. ولو رجعنا للماضى القريب والجميل نرصد أعمالاً فى السينما والدراما قدمتها وقدمها جيلى وما زالت باقية، ولكما رأيت حال الدراما والسينما الآن أشعر بحنين للماضى. وأضاف: قدمت خمسة أفلام منها «حب فى الزنزانة» مع عادل إمام وأم كلثوم وناصر 56، وفى الدراما قدمت أعمالاً مهمة ما زالت فى ذاكرة الجمهور حتى الآن قدمتها وقدمها زملائى مثل ليالى الحلمية والمال والبنون، ومسلسلات لى مثل العائلة والناس وعصفور النار ومجموعة من 50 مسلسلاً. والأعمال التى أثرت فى محمد فاضل فى رمضان الماضى؟ - أعجبنى مسلسل «عوالم خفية» و«بالحجم العائلى» و«ليالى أوجينى» وهذا لا يقلل من قيمة الأعمال الأخرى التى عرضت.