تحقيق - عبدالرحيم أبوشامة: عاد الجدل من جديد حول شروع كل من الحكومة والبرلمان فرض ضريبة بقانون على إعلانات شبكات التواصل الاجتماعى فى مصر. كانت حكومة المهندس شريف إسماعيل السابقة قد نفت من خلال وزارة المالية العام الماضى قيامها بإعداد توصيات بفرض مثل هذه الضريبة. وانتشرت فى الآونة الأخيرة تصريحات بأن لجنة الاتصالات فى البرلمان تلقت مشروع القانون الذى يتضمن فرض ضرائب على الإعلانات المدفوعة والمجانية عبر تلك الوسائل وأنه لا يزال تحت الدراسة، إذ يتم بحث الآلية التى سيُطبق القانون على أساسها وكيفية تنفيذها، خاصة أن قانون الصحافة والإعلام الذى أقره البرلمان مؤخراً تطبيق بعض مواده على الحسابات الإلكترونية للأفراد التى يتخطى عدد متابعيها خمسة آلاف أو أكثر. فيما أكد اقتصاديون ضرورة تغيير قوانين الضرائب فى مصر والتى أصبحت قديمة ولا تتواكب مع تطورات العصر ولا تعالج الأنشطة التجارية الرقمية فى الوقت الذى قال فيه البعض بعدم قدرة الحكومة على تحصيل الضريبة من شركتى جوجل وفيس بوك العالميتين؛ لعدم تواجد مقر لهما فى مصر وفق القوانين الحالية، وطالبوا بآلية لإلزام هذه الشركات بالتحصيل أو قطع خدماتها فى مصر. وقالت الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذى، مدير البحوث للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن إخضاع الإعلانات الإلكترونية للضريبة خطوة مهمة وضرورية فى ضوء سعى الدولة لاحتواء الأنشطة الرقمية ضريبياً، ولكن السؤال هنا هل يحقق ذلك التشريع وغيره من التشريعات القائمة هذا الهدف على النحو الأمثل أم لا؟ لافتة إلى أنه تم تنظيم الإعلانات فى مصر وفقاً لقانونين، الأول وهو القانون رقم 66 لسنة 1956, والذى يعرف الإعلان بأنه أى وسيلة أو تركيبة أو لوحة صنعت من الخشب أو المعدن أو الورق أو القماش أو البلاستيك أو الزجاج أو أى مادة أخرى، وتكون معدة للعرض أو للنشر بقصد الإعلان بحيث تشاهد من الطريق أو خارج وسائل النقل العام، ونلاحظ هنا أن القانون قديم لدرجة غابت معها الإعلانات الرقمية تماماً عن التعريف. أما القانون الثانى فهو قانون تنظيم الصحافة الذى وافق عليه البرلمان فى 10 يونيو الجارى، وتنص المادة 67 منه على أنه لا يجوز لأى موقع إلكترونى جلب إعلانات من السوق المصرى، ما لم يكن مقيداً بالمجلس الأعلى للإعلام، وخاضعاً لأحكام القانون رقم 67 لسنة 2016 فى شأن الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يثير تساؤلاً جوهرياً حول مدى قدرة قانون ضريبة القيمة المضافة المذكور على التعامل مع الأنشطة الرقمية. والإجابة عن ذلك السؤال تفصيلياً جاءت فى إحدى الأوراق الصادرة حديثاً عن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والتى انتهت إلى أن المعاملة الضريبية لأنشطة الاقتصاد الرقمى فى قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016 جاءت مقصورة عن استيفاء المعايير الدولية التى توصى بها منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، كونها تُلقى مسئولية توريد الضريبة على مشترى الخدمة أو الأصل المعنوى المستورد، وهو النظام الذى أثبت فشله فى معظم دول العالم، فما الذى قد يدفع شخصاً ما لتحميل نفسه بالضريبة وتسديدها طوعاً؟ الأمر الثانى الذى يجب الأشارة إليه هو عدم قدرة مصر على فرض الضريبة على حصيلة شركتى جوجل وفيس بوك من إعلانات المصريين؛ نظراً إلى عدم وجود مقر دائم لهذه الشركات فى مصر، وهو الشرط الذى يطلبه قانون الضريبة على الدخل 91 لسنة 2005 حتى يحق لمصر فرض الضريبة على أرباح هذه الشركات، ما يعنى أن القانون المطروح أمام مجلس النواب سيلجأ غالباً إلى تحميل الشركات والأفراد المعلنين بالضريبة وليس جوجل وفيس بوك كما ورد بالخبر، فهل يحقق ذلك الهدف من احتواء أنشطة الاقتصاد الرقمى ضريبياً؟ لا يحقق ذلك الهدف المنشود من احتواء أنشطة الاقتصاد الرقمى ضريبياً، والذى لا يقتصر على تعزيز الحصيلة الضريبية فقط، وإنما يمتد إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية من خلال ضمان عدالة المنافسة بين المشروعات الاقتصادية الرقمية والتقليدية العاملة فى السوق نفسه، فقد وجدت دراسة للاتحاد الأوروبى، أنَّ معدل الضريبة على الأنشطة التقليدية 22% فى المتوسط، وينخفض هذا المعدل إلى 9% فقط على الأنشطة الرقمية، فكيف يتسنى للمكتبات التقليدية مثلاً أن تنافس شركة كأمازون فى ظل هذه المعدلات؟ وبالتالى لن نتمكن من تحقيق هذه الأهداف مجتمعة إلا بتعديل قانونى الضريبة على الدخل والقيمة المضافة وعلاج أوجه القصور بهما مهتدين فى ذلك بجهود منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، حتى نحقق استدامة الحصيلة الضريبية من ناحية وعدالة المنافسة الاقتصادية من ناحية أخرى. وأخيراً ضرورة مراعاة تنوع نماذج الأعمال الرقمية عند وضع القواعد الضريبية بحيث تراعى طبيعة كل نموذج على حدة، فمنها ما يعتمد على الإعلانات كمصدر للدخل مثل جوجل وفيس بوك، مع مراعاة أن الإعلانات ليست المصدر الوحيد لدخل هذه الشركات، ومنها ما يعتمد على الاشتراكات مثل بعض الصحف والجرائد ومواقع الموسيقى والأفلام، ومنها تطبيقات الاقتصاد التشاركى مثل Uber لخدمات النقل، وAirbnb لتأجير واستئجار المساكن. ولفتت إلى أن الإدارات الضريبية المصرية فى وضعها الحالى عاجزة عن تحصيل الضرائب التقليدية بفاعلية، فضلاً عن فرض وتحصيل الضريبة على أنشطة الاقتصاد الرقمى؛ حيث لم تتجاوز حصيلة الضرائب العقارية 0.1% من إجمالى الحصيلة الضريبية على مدار السنوات العشر الماضية، كما سجلت حصيلة الضرائب على النشاط التجارى والصناعى، وكذلك النشاط المهنى غير التجارى 3.4% فقط من إجمالى الحصيلة الضريبية فى موازنة 2016/2017. وقال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى، إن الحصيلة الضريبية فى مصر ضئيلة، وهناك تهرب كبير ناتج عن بعض عمليات الفساد والتهرب من الإقرارات الضريبية، فضلاً عن فشل الإدارات الضريبية فى تحصيل مبالغ تجاوزت قيمتها 70 مليار جنيه تهرباً ضريبياً. وشدد على ضرورة تطوير الإدارات الضريبية، وإعادة هيكلتها لرفع قدرتها على التحصيل من خلال تزويدها بقواعد بيانات إلكترونية متكاملة من ناحية، وتدريب العاملين على استخدامها من ناحية أخرى. ولفت إلى ضرورة إيجاد الدولة المصرية آليات تلزم الشركات المتعددة الجنسيات مثل جوجل وفيس وأوبر وغيرها بتحصيل الضرائب عن أنشطتها فى داخل الدولة المصرية، وهو أمر مشروع، وتحصل عليه بعض الحكومات، وهو ما سيزيد من حصيلة الضرائب ومساهمتها فى الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.