د. عبدالوهاب القرش مدير مركز الطبرى للدراسات الإنسانية اهتم الإسلام بحفظ الجمادات أيضاً، لأنها خلقت بإذن الله، وكل الخلائق تعبد الله بالتسبيح والتمجيد له، كما قال تعالى: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) (الإسراء - 44) يقول ابن كثير وقوله: (وإن من شىء إلا يسبح بحمده) أى: وما من شىء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله)، (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) أى: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام فى الحيوانات والنبات والجماد، وهذا أشهر القولين. وكما جاء في الحديث عن علقمة عن عبدالله رضى الله عنه قال: «كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء؛ فقال: اطلبوا فضله من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده فى الإناء ثم قال: حى على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) «رواه البخارى». ومن الجمادات ما كانت تعظم النبى صلى الله عليه وسلم وتمتثل بأمره؛ كما جاء في الحديث ذكر مشى إحدى الشجرتين إلى الأخرى حين دعاهما النبى صلى الله عليه وسلم؛ فعن جابر رضى الله عنه قال: «خرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر وكان لا يأتى البراز حتى يتغيب فلا يرى فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم فقال: يا جابر اجعل فى إدواتك ماء ثم انطلق بنا قال: فانطلقنا حتى لا نرى فإذا هو بشجرتين بينهما أربع أذرع، فقال: يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقل لك الحقى بصاحبتك حتى أجلس خلفكما فرجعت إليها فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما ثم رجعتا إلى مكانهما) «رواه البخارى». وكذلك ما ثبت أن الجذع بكى حينما قام النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وترك الجذع؛ فعن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما: أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم: (يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه فإن لى غلاماً نجاراً قال: إن شئت، قال: فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر الذى صنع فصاحت النخلة التى كان يخطب عندها حتى كادت تنشق فنزل النبى صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبى، الذى يسكت حتى استقرت وقال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر) «رواه البخارى». فيتضح مما سبق أن لله آيات بينات فى خلقه، فلا يقدم الإنسان على إفساده، لأن الله لا يحب الفساد، وبالعكس يحفظها ويستفيد منها بالمعروف من دون إسراف ولا تقتير، ولذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم من الإسراف فى الماء وإن كان الإنسان على نهر جار، فعن عبدالله ابن عمرو رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفى الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار) «رواه بن ماجه». فليحرص الإنسان على مبدأ الإحسان مع جميع الخلائق من الحيوانات والجمادات، وإن المسلم يؤجر بكل شىء يستفيد منه ذوات الأرواح، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) «رواه البخارى». فهذه بعض الآداب وطرق الإحسان إلى الجمادات، فليبذل الإنسان ما فيه قصارى جهده على إيصال النفع إلى جميع الخلائق بما استطاع إليه سبيلاً، ويمسك شره عنها، عسى أن يكون من عباده الصالحين.