أنا لا أتصور أبداً أن الاحتقان الذى حدث فى الأيام القليلة الماضية، بين العسكرى والتيار الإسلامى عامة والإخوان المسلمين بصفة خاصة، هو احتقان حقيقى قد يترتب عليه صدام جاد. لسبب بسيط، أن العسكرى قد وافق باختياره ورضاه، على أن يحصل التيار الدينى، على الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى. وذلك بتكليفه بعض رجال القانون، المعروف عنهم انتماؤهم للتيار الدينى، لإعداد الإعلان الدستورى، الذى سمح للتيار الإسلامى بأن يخوض انتخابات الشعب والشورى، دون أن تكون باقى الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى لاسيما الحديثة، قد استعدت لهذه الانتخابات، فضلاً عن الإصرار غير المنطقى من أولى الأمر بضرورة إجراء الانتخابات قبل إعداد الدستور. كل ذلك تم بموافقة العسكرى فى أعقاب ثورة يناير الماضى، وكان ذلك برضاه، ولا أريد أن أقول باتفاق مع التيار الدينى، فهناك من يدعى أنه قد تم اتفاق غير معلن بين العسكرى والإخوان المسلمين على أن يحصل التيار الإسلامى على السلطة التشريعية وفى المقابل تظل السلطة التنفيذية تحت سيطرة العسكرى. ومن هنا بدأ الاحتقان بين العسكرى وبين التيار الدينى بزعامة الإخوان المسلمين، فقد اعتبر العسكرى أن إلحاح التيار الدينى على إسقاط الحكومة وسحب الثقة منها (رغم عدم أحقيته القانونية) فقد اعتبر العسكرى هذا الإصرار تدخلاً فى السلطة التشريعية فى أعمال السلطة التنفيذية، ومما زاد هذا الاحتقان، ما بدا من رغبة الإخوان المسلمين - بخلاف تعهداتهم السابقة فى رغبتهم لترشيح أحد أعضائهم لرئاسة الجمهورية. كل ذلك اعتبره العسكرى تدخلاً سافراً ونقضاً لتعهداتهم، سواء التى قطعوها على أنفسهم أو أخبروا بها العسكرى، فبدأ هذا الاحتقان يظهر فى الأفق مهدداً بصدام قد يقع عن قريب. فلو أضفنا إلى هذا، الرغبة الغبية التى سيطرت على التيار الإسلامى فى تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور الجديد، واستحواذ التيار الإسلامى على ما يقرب من 80٪ من أعضاء هذه اللجنة، مع استبعاد العديد من الكفاءات والشخصيات العامة ورجال القانون الدستورى والقانون المدنى، الذين كان من المفروض أن يقوموا هم بإعداد الدستور، هذا فضلاً عن أن هذا التشكيل قد جانبه الصواب، لأن الدستور لا يجوز أبداً أن ينفرد بوضعه فكر معين أو آراء محددة لجماعة أو حزب، بل يجب أن يشتمل على جميع الآراء والأفكار الأخرى، دون تميز أو غلبة لفكر على آخر. الدستور له صفة الدوام، إنما الأغلبية ليست لها صفة الدوام، فربما الأغلبية اليوم تكون أقلية غداً. ومن ثم فلا بد أن يضع الدستور الشعب كله بجميع انتماءاته وآرائه وطوائفه. وكان نتيجة لهذا الانحراف المشين فى تشكيل الجمعية التأسيسية، أن انسحب العديد من أعضائها، احتجاجاً على هذا التشكيل، كما سبق أن أقيمت من قبل العديد من القضايا بطلب إبطال قرار تشكيل هذه اللجنة، هذا فضلاً عن انصراف أغلب الأحزاب السياسية الليبرالية واليمينية وكذا بعض النقابات والفلاحين والبدو وأهل النوبة وغيرهم الكثير عن تأييد هذا التشكيل، كل هذا يهدد هذه اللجنة بالبطلان. الصدام الآن، ليس فقط بين العسكرى والتيار الإسلامى ممثلاً فى الإخوان المسلمين، وإنما تعدى ذلك إلى أغلب الاتجاهات السياسية الأخرى، سواء أكانت يمينية أو يسارية أم اشتراكية. الجميع الآن غير راض باستحواذ الأغلبية على زمام الأمور فى البلاد ومحاولة السيطرة على جميع السلطات فيها، بما فى ذلك وضع الدستور الجديد، الذى هو فى حقيقته، ميثاق شرف يوقع بين الشعب كله وبين السلطة الحاكمة. هذا الخلاف الكبير الحادث الآن، جعل سيادة المشير حسين طنطاوي، يسرع فى دعوة رؤساء الأحزاب والاتجاهات الأخرى، لاجتماع طارئ لبحث الوضع الحالى المقلق للبلاد. وحتى كتابة هذه السطور لم يعلن شيء عما أسفر عنه هذا الاجتماع، إلا أننى أتوقع أن يسفر هذا الاجتماع عن تراجع التيار الدينى عن هذا التشكيل المشين للجمعية التأسيسية. الغرور والصلف الذى أصاب التيار الدينى، أمر مكروه وغير مطلوب فى هذه المحنة التى تمر بها مصرنا العزيزة، وأخيراً فلا يفوتنى أن أذكر إخواننا فى التيار الدينى. «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه».