تصل للحبس والغرامة.. عقوبة تسلق الأثار دون ترخيص (تفاصيل)    ما الحالات التي يحق فيها للمؤجر إخلاء شقق الإيجار القديم؟.. القانون يجيب    ترامب: سنعمل على ضمان أمان الشعب الفلسطيني في غزة    حماس: سنسلم ردنا على مقترح الهدنة بعد انتهاء المشاورات    روبيو يؤكد إبقاء العقوبات الأمريكية على الأسد.. ويبحث مع نظيره السوري ملفات الإرهاب والعلاقات الإقليمية    أول تعليق من أحمد شوبير على اعتزال شيكابالا    "مقابل 7 مليون دولار".. عرض رسمي لنجم النادي الأهلي من الدوري الإماراتي    في عيد ميلاد علاء مرسي.. رحلة ممتدة من النجاحات ويبوح ل "الفجر الفني" بأمنية لا تشبه أحدًا    السيطرة على حريق داخل محطة وقود بقرية سرسنا في الفيوم    ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إلى 101 منذ فجر الخميس    "غزة الإنسانية" تنفي استخدام متعهديها للذخيرة الحية ضد الفلسطينيين    المحكمة العليا الأمريكية تسمح لترامب بترحيل المهاجرين إلى جنوب السودان    السفير ماجد عبدالفتاح: الأمم المتحدة تعيش أسوأ حالاتها.. «وابقى قابلني» لو تم إصلاح مجلس الأمن    سعر البصل والطماطم والخضار بالأسواق اليوم الجمعة 4 يوليو 2025    وزير الري: المواقف الإثيوبية بشأن سد النهضة تتسم بالمراوغة    "محدش جابلي حقي".. شيكابالا يوجه رسالة لجمهور الأهلي    «حد كلمني أخليه يعتزل».. ممدوح عباس يكشف مفاجأة بشأن شيكابالا    اتحاد الكرة يعزي ليفربول في وفاة «جوتا»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم في القاهرة والمحافظات وتحذير من ظاهرة جوية    مراجعة ليلة الامتحان في الرياضيات فرع (الإستاتيكا) للثانوية العامة 2025 (pdf)    ماذا فعلت الإسكندرية لحماية المصطافين؟(صور)    سعر الذهب اليوم الجمعة 4 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة    أسعار الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الجمعة 4 يوليو 2025    كارولين عزمي على البحر ومي عمر جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    «مملكة الحرير».. ترقب واسع للحلقة الأخيرة ومواعيد عرض المسلسل    خالد الجندي: "عاشوراء" سنة نبوية قديمة ليست مقتصرة على الإسلام    خالد الجندي: شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يخالف شرعنا    هل التوقف عن الأكل بعد الساعة 6 ينقص الوزن؟    أمين حزب العدل: نتحالف في القائمة الوطنية ونتنافس بالفردي.. وقانون الانتخابات هو السبب    إلغاء رحلة مصر للطيران من وإلى باريس غدا بسبب إضراب مراقبى الحركة الجوية بفرنسا    تفاصيل القبض على أصحاب فيديو السباق في مدينة 6 أكتوبر.. فيديو    الأرصاد الجوية: استمرار ارتفاع درجات الحرارة و ارتفاع الرطوبة خلال الساعات القادمة    ارتفاع العجز التجاري لأمريكا خلال مايو الماضي    رئيس حزب الريادة: بيان 3 يوليو إعلان ميلاد الجمهورية الجديدة    وكيل صحة بني سويف: 5 لجان للكشف الطبي على مرشحي مجلس الشيوخ    خالد الغندور: جون إدوارد لديه مشروع جديد والزمالك يحتاج الدعم الكامل    لميس جابر: الإخوان وضعوني على قوائم الإرهاب وفضلت البقاء في مصر رغم صعوبة فترتهم    أهم أخبار الفن.. طرح ألبوم عمرو دياب الجديد "ابتدينا".. الهضبة وتامر حسنى وأنغام وويجز نجوم الدورة ال3 من مهرجان العلمين الجديدة.. عزاء أحمد عامر الأحد المقبل.. وفاة مايكل مادسن.. وعرض "حاجة تخوف" بمسرح أسيوط    أحمد شيبة يحتفي بصورته مع نجلي أحمد عامر: «ربنا يرحمه ويبارك في وسيم وأيمن»    منتخب الشباب يؤدي تدريبه الأول استعدادا لوديتي الكويت    شيكابالا: جوميز لم يرحل لأسباب مادية.. ولم أكن ضمن مسددي ركلات الجزاء أمام الأهلي    ماكرون: سأبحث مع الرئيس الإيراني تهم التجسس الموجهة ضد مواطنينا المعتقلين في إيران    "صحة القليوبية": تنظيم 90 قافلة طبية خلال 2024 - 2025 استفاد منها 87484 مواطنا    أمين الفتوى: التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء سنة نبوية ولها فضل عظيم    "التعليم" تكشف أسباب رفع سن التقديم بالحصة ل45 سنة والإبقاء على مسابقات التعيين المحدودة    مبيعات التجارة الإلكترونية في السعودية تتجاوز 69 مليار ريال خلال الربع الأول من 2025    مستشفى 15 مايو ينجح فى إنقاذ مريضين في عمليات حرجة تنتهي بلا مضاعفات    مصرع طفل غرقًا داخل ترعة بقنا    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد مستشفيات النيل وبنها لضمان جاهزية الخدمات    تساؤلات المواطنين تتزايد: هل ارتفعت أسعار شرائح الكهرباء؟    من يتحمل تكلفة الشحن عند إرجاع المنتج؟.. الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي    زيادة القبول وتنوع الجنسيات.. التعليم العالي: 125 ألف وافد مسجلين بالجامعات    بالشراكة مع «الجهات الوطنية».. وزير الثقافة يعلن انطلاق مبادرة «مصر تتحدث عن نفسها»    وفاة وإصابة 11 شخصًا في انفجار خزان ضغط هواء في الدقهلية    السيارة سقطت في الترعة.. إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم بالمنيا    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى حلوان العام ومركز أطلس ويوجه بإجراءات عاجلة    فرص عمل فى محطات المترو برواتب تصل إلى 10 آلاف جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبقرية سعد زغلول (2)
نشر في الوفد يوم 28 - 03 - 2012

كانت السنواتُ ما بين 1906 و1910 من أسوأ السنين فيما يتعلق بتأزمِ العلاقةِ بين مسلمى مصرَ وأقباطِها. فخلالُ تلك السنوات وكنتيجةٍ لسياساتِ ممثلِ الاحتلالِ البريطانى فى مصرَ سير الدون جورست وسلفه اللورد كرومر، والتى قامت على بذرِ بذورِ الحزازات بين المسلمين والأقباط عن طريقِ التناحرِ
على المصالحِ بوجهٍ عامٍ والتنافس الدامى على الوظائفِ بوجهٍ خاصٍ، ناهيك عن إذكاء نار التعصب ولا سيما بالإيعاز للأقلية القبطية أن أبناءها لا ينالون حقوقهم كاملة أن الفرص لا تتاح لهم كما تتاح للمسلمين، نتيجة لذلك تأزمت العلاقةُ بين مُسلمى مصرَ وأقباطها بشكلٍ لم يسبق له مثيل فى تاريخِ مصرَ الحديث. وقد بلغ تأزمُ العلاقةِ حداً بعيداً عندما أخذت الصحفُ اليومية تعبر عن وجهتى النظر فى الخلافِ المشتعلِ بشكلٍ زاد من اشتعالِ نارِ الخلاف. وفى أطروحة نال بها الدكتور حسن الموجى درجة الدكتوراه فى الإعلام عن موقف الصحافة الشامية من مشاكل الواقع المصرى خلال السنوات ما بين 1900 و1914 عرضٌ شيقٌ للغايةِ للكيفية التى انعكس بها هذا الخلاف على كبرياتِ الصحفِ المصريةِ يومذاك. فقد بلغ التأزمُ أقصَاه عندما قُتِلَ بطرس غالى باشا رئيس وزراء مصر القبطى يوم 20 فبراير 1910 برصاصةٍ أرداه بها شابٌ مصرى مسلم هو إبراهيم الورداني. وخلال هذه السنوات كان سعدُ زغلول وزيراً فى كل الوزاراتِ التى تعاقبت على حكمِ مصرَ ابتداءً من وزارةِ مصطفى فهمى باشا الأخيرة (1906 -1908) ووزارة بطرس غالى باشا (1908 – 1910) ثم وزارة محمد سعيد باشا منذ 1910 وحتى استقالة سعد زغلول الشهيرة سنة 1912 خلال تلك السنوات أتيح لسعدٍ الذى ساعدته طبيعتهُ كرجلِ قانون ومحام وقاض ذاع صيت عدله كما ساعدته ثقافته التى جمعت بين التراث والثقافة العصرية، أقول مكنه ذلك أن يراقب الأزمةَ ويقف على حقيقتها وبذورِها. أدرك سعدٌ بنظرهِ الثاقبِ وحنكِته التى كونتها تجاربُ السنين الخصبة أن «العدل» بين طرفى الأمة يقضى على أية فتنة طائفية. كذلك أدرك سعدُ زغلول أن مبادرةَ الأغلبيةِ بكفالة الشعور بالأمان لدى الأقلية هو الأمر الطبيعى والذى ستنجم عنه حالة سلم حقيقية لا ظاهرية، وأن الأقباط عندئذ سيكونون أبعد ما يكونون عن التعصب أو الخوف أو القلق على أنفسهم وعلى أبنائهم وعلى أموالهم.
وقد اختزن سعدُ زغلول كل خبراتهِ فى الحياةِ سواءً إبان الثورةِ العرابيةِ التى شارك فيها أو أيام السجنِ القديمةِ أو تجارب الحياةِ إبان اشتغاِله بالمحاماةِ ثم القضاء ثم وزيراً ثم نائباً منتخباً عن الأمةِ فى الجمعيةِ التشريعيةِ (1913 – 1914) ثم سنوات المخاض الأخير خلال سنى الحربِ العالميةِ الأولى، فقد اختزن سعدُ زغلول الدرس الأعظم المستفاد من مراقبةِ تلك التجربة. وعندما وضعته مؤهلاتهُ الفريدة فى موضع القائدِ الأوحد لثورة 1919 فإن سعداً وظَّف خلاصةَ تجاربهِ فى الحياةِ ومن بينها تجربة تأزم العلاقات بين مسلمى مصرَ وأقباطِها خلال السنوات ما بين 1906 و 1912 أكمل توظيف. فإذا بقيادتهِ الروحيةِ الفذة للثورةِ تجعل من فُرقاء الأمس الألداء رُفقاء الثورة المشتعلة الأصفياء وجنودها الأوفياء. ورغم اعتقادى أنه لا توجد أية حاجة لتقديم الأدلة على ائتلاف مسلمى مصرَ وأقباطها ائتلافا بالغ الروعة منذ اشتعال ثورة 1919 بسبب القبض على الرجل الذى اجتمعت ثقةُ عنصرى الأمة فيه، حيث إن جميع المؤرخين قد أوفوا هذه الظاهرة حقها، فإننى أودُ أن أقتطف فقرات من كتاب «موسوعة تاريخ مصر» (الجزء الرابع – صفحة 1567) للأستاذ أحمد حسين حيث يقول فى وصف مظاهرة الشعب الكبرى يوم 17 مارس 1919 (ولعل أروع ما أبرزته هذه المظاهرةُ الكبرى هو هذه الظاهرة التى سيطرت على الأحداثِ من اللحظةِ الأولى، وهى ظاهرة التضامنِ الوثيقِ بين المسلمين والأقباط بعد أن تصور الإنجليز أنهم نجحوا فى التفرقةِ بين عنصرى الأمة، فإذا بالمفاجأة وكم لثورة 1919 من مفاجآت، تظهر كيف ساد التلاحمُ بين المصريين فى لحظة وأصبحت الكلمة التى تتردد على الشفاة «الدين لله والوطن للجميع» وظهرت الأعلامُ فى هذه المظاهرةِ الكبرى وقد رسم عليها الصليب مع الهلال).
وخلال سنواتِ الكفاح الوطنى ما بين 1919 و 1924 كان سعدٌ مُحاطاً دائماً برفاقهِ المخلصين وفى مقدمةِ الصفوفِ صفوةٌ وفيةٌ من الشخصيات القبطية أمثال واصف غالى وويصا واصف وسينوت حنا وفخرى عبد النور ومكرم عبيد وغيرهم. ولعل معظم القراء المهتمين بتاريخ مصر يذكرون أن سعداً عندما اُعتقل يوم 23 ديسمبر 1921 من قبل قوات الاحتلال البريطانى فى مصرَ ونفى، فقد كان اثنان من أصحابهِ الخمسة الذين قررت سلطاتُ الاحتلالِ نفيهم من كبارِ الشخصيات القبطية (مصطفى النحاس، سينوت حنا،مكرم عبيد، فتح الله بركات، عاطف بركات). وبعد قليل أُلقى القبض على مجموعةٍ أُخرى من رفاقِ سعد زغلول حاكمتهم سلطاتُ الاحتلال وأصدرت حكما بإعدامِهم فى 11 أغسطس 1922 وهم (حمد الباسل، ويصا واصف، مرقص حنا، واصف بطرس غالى، علوى الجزار، جورج خياط، مراد الشريعى) وواضح أن هناك أربعة أقباط من بين مجموعِ رفاقِ سعد زغلول السبعة. وبعد اعتقالِ هذه المجموعة الثانية من زعماءِ الوفد تكونت مجموعةٌ جديدة أضحت هى الزعامة الثالثة للوفد وقد ضمت عبدالرحمن فهمى ومصطفى القاياتى ومحمود فهمى النقراشى ومحجوب ثابت ومحمد نجيب الغرابلى وفخرى عبد النور ونجيب إسكندر وعبد الستار الباسل وحسن يس. وبعد اعتقال هذه المجموعة الثالثة تشكلت زعامة جديدة رابعة للوفد من المصرى السعدى وحسين القصبى ومحمود حلمى إسماعيل وعبد الحليم البيلى وراغب إسكندر وسلامة ميخائيل. وتظهر الأسماء بكلِ وضوحٍ أن الشخصياتِ القبطية كانت متغلغلة فى تكوينِ الوفدِ بكافةِ مستوياته تطبيقاً لروحِ وسياسةِ ومنهجِ سعد زغلول فى هذا الصدد. وعندما اكتسح سعدٌ وحزبه أولَ انتخاباتٍ حقيقية فى تاريخِ مصرَ، وعندما ألف أول وزارة شعبية حقيقية فى تاريخ مصر الحديث خلال شهر يناير 1924، إذا به يخالف العرف الذى كان يقضى بتعيين وزير قبطى فى كل وزارة، وإذا بسعدٍ يعّين وزيرين قبطيين فى وزارته التى كانت تتكون يومئذ من رئيس وتسعة وزراء فقط، وكان هذان الوزيران هما مرقص حنا وواصف غالى.
وهكذا يتضح جلياً أن سياسةَ سعدِ زغلول فى هذا المضمار إنما كانت تقوم على إلغاءِ التعصبِ من الجانبين وذلك عن طريقِ إشاعةِ روحِ الوطنية المصرية وبث روح الأمان والاطمئنان بين أفراد الأقلية القبطية وجعلهم جزءاً لا يتجزأ من بنيةِ حزبهِ السياسى الكبير، وتوزيع الأدوار فى هذا الحزب على أساس الكفاءة لا الدين. ومن جانب آخر فإن روحَ التآخى والإخلاص والوفاء والولاء كانت هى معالم اتجاه الأقباط المصريين ومواقفهم، ذلك الاتجاه الذى تمثل ذات يوم فى أعظم المواقف عندما هم أحد الجنود بطعن مصطفى النحاس زعيم الوفد والأغلبية المصرية بحربة مسمومة إبان وزارة إسماعيل صدقى فى مطلع الثلاثينيات، فإذا بواحد من أكبر الشخصيات القبطية فى الوفد يلقى بنفسه على النحاس لفدائه فتصيب الحربةُ المسمومة سينوت حنا بجرح غائر يموت – بعد أيام – بأثره وقد قدم مثالاً لا تمحوه الأيام للمعادلة العبقرية فى ربط عنصرى الأمة برباطِ الائتلافِ والتآخى والوطنيةِ والمحبةِ الذى لا تنفصم عراه إلا عندما ينخر التعصبُ فى بدن الأمة – بعنصريها – سواء فى شكلِ فكرٍ رجعى لا يصلح لهذه الأمة ذات العنصرين ولا يصلح لهذا الزمان، أو فى شكل تعصبٍ مقيتٍ من جانب بعض الأشخاص الذين يجهلون أن السلام الوطنى فى مصر هو المنجى الوحيد من طوفان التخلف وإعصار العصبية المقيتة الذى هب منذ أكثر من أربعين سنة على هذا الجزء من العالمِ الذى توجد مصرُ فى قلبهِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.