الأقصر- أسماء حموده: حافظ المصريون على موروث الاحتفال بشم النسيم منذ آلاف السنين، وكان يمثل هذا اليوم لدى المصري القديم احتفالًا بمجيء فصل الحصاد، الذي تبعث فيه الحياة من جديد، وتزدهر فيه الطبيعة. ونتيجة اعتياد القدماء ربط أعيادهم بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة، فاعتبر المصري القديم هذا اليوم هو رأس السنة المدنية، وأنه بداية الزمان وبدء خلق العالم، حيث كانوا يحددون ذلك اليوم والاحتفال بإعلان لحظة الرؤية عند الهرم الأكبر. سمي عيد شم النسيم في الهيروغليفية ب"شِمو" أى فصل الحصاد، ثم تغير الاسم بمرور الزمن وأصبح "شم" في العصر القبطي، ثم أضيفت النسيم، فأصبح يطلق عليه "شم النسيم"، ويشير الباحث عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز التراث للصعيد، إلى أن شم النسيم كان عيد تفتح الزهور لدى المصري المصري القديم وسمي بعيد "شمو" فكانوا يشمون الأزهار ويقدم الحبيب لحبيبته وردة، وفي اليوم التالي لشم النسيم، كان يمثل عيدًا للتصالح، فكل من تخاصم يتصالح في هذا اليوم. وتتلاقي التقاليد الحديثة للمصريين مع تقاليد أجدادهم عند الاحتفال؛ فمثلما كان يفعل الأجداد في هذا اليوم؛ حيث الخروج في جماعات في الصباح إلى الحدائق والمنتزهات، حاملين معهم طعامهم وشرابهم وأدوات اللهو واللعب، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان وتمتليء صفحة النيل بالقوارب التي تزينها الزهور، وأغصان الأشجار المثمرة، منقوش عليها كلمات التهنئة بعيد الحصاد "شمو"، ليظل الأحفاد محافظين على ذات التقاليد، حيث يتوالي المصريون على المنتزهات في شم النسيم، ويتزين النيل بالمراكب ليظهر في أبهى صوره خلال الاحتفال، وكذا يأكلون البصل الأخضر والفسيخ والملانة كما كان يفعل أجدادهم. ويشير مدير مركز التراث للصعيد؛ إلى أن المصري القديم في عيد النيروز أو شم النسيم، كان يأكل البيض في إشارة منهم للخلق بالبيضة، لأن هذا العيد كان يمثل لهم بداية الخلق، إلا أن المصري القديم معروف عنه إبداعه، فأضفى إلى البيض الألوان لصناعة البهجة. ويضيف: نظرًا لتخيل القدماء الأضرار التي قد تنجم عن أكل الفسيخ والبيض والموالح في هذا اليوم، فأضافوا أكل البصل الأخضر والملانة "الحمص الأخضر" لاحتوائه على مضادات حيوية وهي ماتبطل مفعول أية آثار سلبية قد تحدث بعد أكل الفسيخ. ويرى أغلب الباحثين أن الاحتفال بشم النسيم بدأ رسميًا منذ 2700 ق.م، أي مع نهاية الأسرة الثالثة وبداية الرابعة، وأنه انتقل إلى حضارات العالم القديم عن طريق مصر، كما أشار الباحث عصام ستاتي في كتابه "شم النسيم.. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس". وانتقلت عادة الاحتفال بعيد الحصاد وتقاليد أكل البيض، إلى آسيا الصغرى وفلسطين، قبل أن ينقلها غليهم اليهود في احتفالهم بعيد الفصح، وذلك مع فتوحات تحتمس الثالث عام 1450 ق.م، عندما تصادف حلول العيد أثناء وجوده مع جنود فلسطين وانتصاره في معركة مجدو. وكانت مائدة المصري القديم يوم شم النسيم تتكون من خمسة أطعمة؛ البيض، الفسيخ، البصل الأخضر، الخس، الحمص، والملانة، وكان لكل طعام منهم فلسفته الحياتية المرتبطة بالمجتمع الزراعي لدى المصري القديم. وورد في برديات أون ومنف -كما يشير الباحث- أن الإله خلق الأرض من صلصال، شكله على هيئة بيضة ثم نفخ فيها من روحه فانفجرت الحياة داخلها فخرج الماء وتفجر من سطحها الماء، ومن أجنة الكائنات تكاثرت الحياة فوق سطح الأرض، حتى كانوا يقدمونه كقربان للموتى، لبعث الميت من جديد. كما ارتبطت فكرة نقش البيض وزخرفته بعقيدة قديمة، وهي اعتبارهم أن ليلة العيد بمثابة ليلة القدر، فكانوا ينقشون على البيض الدعوات، والامنيات ويجمعونه في سلال من سعف النخيل الأخضر ويعلقونها في شرفات المنزل أو أشجار الحدائق حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه فيحقق دعواتهم. وبرع المصريون في حفظ الأسماك وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة واستخراج البطارخ، حتى أن المؤرخ هيرودوت ذكر أن المصريين كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم ويرون أنه مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوع معين لتمليحه أطلقوا عليه اسم بور، وهو الاسم الذي حُور في اللغة القبطية إلى بوري وما زال يطلق عليه حتى الآن، حيث كان يوصف السمك المملح للوقاية من حميات الربيع وضربات الشمس.