انطلق سباق الرئاسة في مصر رسمياً بنصف مفاجأة، وهي الإعلان عن ترشح منصور حسن الوزير السابق في عهد السادات، والذي عاد إلى الأضواء قبل شهور بتعيينه رئيساً للمجلس الاستشاري الذي قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى السلطة في البلاد بتشكيله بهدف معاونته. بإبداء المشورة في مشروعات القوانين والقرارات المهمة، والذي استقال معظم أعضائه خلال الأسابيع الماضية. ولم يبق منهم إلا منصور حسن نفسه وعدد قليل لا يقومون بعمل فعلي، خاصة بعد انتخاب مجلسي الشعب والشورى وانتقال سلطة التشريع إليهما. ترشيح منصور حسن كان «نصف مفاجأة» لأن الحديث عنه كان يدور في الكواليس السياسية منذ زمن. وهو كان قد نفى الأمر في البداية، ثم عاد وترك الباب مفتوحاً، حتى بدأ الحديث عن «مرشح توافقي» يجيء إلى الحكم باتفاق المجلس العسكري مع الإخوان المسلمين، ويضمن الانتقال الهادئ للسلطة، وينهي الجدل حول دور الجيش في المرحلة القادمة. وربما كان هذا هو المبرر للإسراع بالإعلان عن أن المرشح ليكون نائباً للرئيس مع منصور حسن هو اللواء المتقاعد سامح اليزل الذي عمل بعد خروجه من الخدمة في الدراسات العسكرية ورأس مركزاً بحثياً أنشأته صحيفة «الجمهورية» وأصبح وجهاً معروفاً في تحليل القضايا الأمنية في التلفزيون. جماعة الإخوان لم تعلن تأييدها للترشيح وهي تؤجل ذلك لنهاية فترة تقديم أوراق المرشحين. ولكنها كانت من البداية تقول إنها لن تؤيد القيادي السابق فيها عبد المنعم أبو الفتوح لخروجه على قرارها بعدم الترشح، ولن تؤيد أي مرشح ينتمي للتيارات الإسلامية. ثم عادت وغيرت موقفها وقالت إنها لن تؤيد إلا مرشحاً له «خلفية إسلامية»، وبالطبع فمن السهل جداً اكتشاف هذه «الخلفية» في أي مسلم تفرضه الظروف السياسية! المفاجئ كان القرار السريع لحزب «الوفد» الذي كان قد استقر على تأييد عمرو موسى في الصباح، وما إن أعلن قرار ترشيح منصور حسن حتى نقل تأييده إليه، ليثير أزمة داخلية وانقساماً جديداً في صفوف قيادة الحزب حول القرار ودوافعه. والسؤال الآن: هل يحسم هذا «التوافق» معركة الرئاسة أم أن الوقت مازال مبكراً على ذلك؟! المشاكل كثيرة أمام هذا الترتيب «التوافقي»، فمن ناحية نحن أمام مرشح لم يشارك في الحياة العامة إلا لعامين في نهاية حكم السادات، قادماً للوزارة بلا خلفية في العمل السياسي ليتولى وزارتي الإعلام والثقافة معاً ثم يضم لها الوزارة المختصة بديوان الرئاسة ليصطدم مع نائب الرئيس وقتها حسني مبارك في نزاع على الاختصاصات، خاصة بعد أن أحس مبارك بدعم السيدة جيهان السادات لمنافسه، والذي كانت دوائر أميركية أيضاً تشجع السادات على تعيينه نائباً له ليكون أول مدني في هذا الموقع. خرج منصور حسن من دائرة الحكم ليبقى بعيداً عن السياسة تماماً على مدى ثلاثين عاماً حتى عاد بعد الثورة. وبالتالي فهو بعيد عن الشأن العام وعن شؤون الدولة طوال هذه الفترة. والمرشح نائباً له قد يساعد في مد الجسور مع القوات المسلحة، ولكنه لا يعوض من هذا النقص. فهل هذا هو المقصود من «التوافق» على هذا الترشيح، بحيث ينتقل مركز الثقل في الدولة إلى الحكومة ولا يبقى في مؤسسة الرئاسة. وهل يشمل «التوافق» أن يكون ذلك في صلب الدستور القادم. وهل هذا هو سبب تهديدات «الإخوان» طوال الأيام الماضية بسحب الثقة من حكومة الجنزوري، وبضرورة أن تقوم هي بوصفها صاحبة الأغلبية البرلمانية بتشكيل حكومة ائتلافية، وهي تهديدات لم تكن إلا ورقة ضغط في المساومات الجارية حول الرئاسة القادمة، والأهم حول تشكيل لجنة الدستور والسيطرة عليها؟ والآن ماذا عن باقي المرشحين؟، إذا سارت الصفقة التوافقية حتى نهايتها، فالخاسر الأكبر هو المرشح الإسلامي سليم العوا، الذي تخرجه هذه الصفقة من السباق تماماً. ويبقى المرشحان الإسلاميان حازم أبو إسماعيل الذي يحتفظ بأنصاره من بعض الجماعات السلفية، وعبد المنعم أبو الفتوح الذي يسبب انقساماً داخل جماعة الإخوان لتحمس شبابها له، والذي يستقطب تأييد تيار من شباب الثورة ومن المواطنين العاديين والطبقة الوسطى. أما عمرو موسى الذي كان الكثيرون يضعونه في مقدمة السباق، فلا أظن أنه كان ينتظر دعم الإخوان المسلمين، ولكنه كان يطلب حياد المؤسسة العسكرية وكان يأمل في دعم حزب الوفد الذي كان معه حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يغير موقفه. ومع ذلك فهو يراهن على شعبيته وعلى شخصيته المؤثرة في الأغلبية الصامتة، وعلى حقيقة أن دور الأحزاب سيكون محدوداً في الانتخابات وتأثيرها على الناخبين لن يكون كتأثيرها في الانتخابات البرلمانية. المرشحون الأقرب لليسار يتصدرهم حمدين الصباحي ووراءه تاريخ طويل من العمل النضالي في صفوف الحركة الطلابية والقومية. ولكن تعدد المرشحين يخلق مشكلة، فهناك النائب اليساري أبو العز الحريري، وهناك الناشط الحقوقي خالد علي، وكالعادة.. أمراض اليسار كما هي، وتفرق الصفوف يسود الموقف حتى الآن على الأقل. في ظني أن بطاقة (منصور حسن سيف اليزل) تمثل مأزقاً بقدر ما تمثل توافقاً، فهي في البداية والنهاية خارج سياق الثورة، وهي أيضاً لا تعطي للمواطن العادي الإحساس بالقدرة على الحسم في وقت تحتاج فيه البلاد لقرارات مصيرية. ثم هي أيضاً تفتقر إلى الشعبية وتعاني من الابتعاد عن العمل العام لسنوات طويلة، وتحتاج للكثير من الوقت والجهد للإلمام بالموقف الحالي وقضاياه المعقدة. بالإضافة إلى غياب البعد الاجتماعي وسط أوضاع تحتاج لانقلاب في السياسات للتعامل الجاد مع مشاكل الفقر والبطالة. ورغم أن كل المرشحين بمن فيهم منصور حسن يلعنون كلمة «التوافق» بعد أن ارتبطت بالحديث عن الصفقة. فإن حديث «التوافق» يفرض نفسه على الجميع. ولا أحد يستبعد المفاجآت، بما فيها أن تفرض الظروف أن تجد عمرو موسى وأبو الفتوح وحمدين صباحي في بطاقة واحدة! نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية