عهد إلى سنة 1980، عندما كنت منتدباً مستشاراً لمجلس الشعب بإعداد وصياغة التعديلات فى الدستور الساداتى الصادر سنة 1970، مع إعداد التقرير البرلمانى الخاص بهذه التعديلات، وقد تصورت أن المجلس الجديد الذى سمى «مجلس الشورى»، مقصود بإنشائه وجود غرفة برلمانية ثانية، مع مجلس الشعب، تؤدى دورها مثل مجلس الشيوخ فى دستور 1923، ولكن عندما عرضت مشروع المواد المتعلقة بمجلس الشورى على هذا النحو، واجهت الرفض الكامل من «د. صوفى أبوطالب»، رئيس مجلس الشعب، ورئيس اللجنة البرلمانية العامة، المكلفة بإعداد مشروع التعديلات فى الدستور، وأكد لى د. «صوفى» أن المطلوب رئاسياً هو إنشاء مجلس سياسى، لحماية مبادئ ثورة التصحيح فى 15 مايو 1971 وثورة 23 يوليو سنة 1952، فى الوقت ذاته، وذلك لكى تتبعه الصحف القومية، التى كانت مملوكة للاتحاد الاشتراكى العربى، الذى تقرر إلغاؤه فى دستور سنة 1971، وإحلال نظام التعدد الحزبى بدلاً منه فى التعديلات سنة 1980، وقد تم بالفعل إعداد هذه التعديلات، على هذا النحو وتحددت اختصاصات مجلس الشورى، فى اتخاذ ما يلزم لحماية مبادئ ثورة 23 يوليو سنة 1952، 15 مايو 1971، مع النظر فى التشريعات التى يحيلها رئيس الجمهورية إلى المجلس.. إلخ، وقد تولى رئاسته د. صبحى عبدالحكيم، عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، وقت رئاسة د. صوفى أبوطالب هذه الجامعة، قبل رئاسته مجلس الشعب، واللذان تم فى عهدهما بالجامعة مناقشة رسالة السيدة جيهان السادات ومنحها درجة الدكتوراة! وقد حددت اختصاصات مجلس الشورى بالمادة 194 من الدستور الساداتى بعد تعديلها سنة 2007، وهى دراسة اقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على دعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وحماية المقومات الأساسية للمجتمع، وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وذلك مع الموافقة على تشريعات القوانين المكملة للدستور التى نصت عليها المواد المحددة فى البند (2) من المادة المذكورة. الموافقة على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، والتى تتعلق بحقوق السيادة.. إلخ، كما نصت المادة 199 على أن يؤخذ رأى مجلس الشورى فى: مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. مشروعات القوانين التى يحيلها السيد رئيس الجمهورية. ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياساتها فى الشئون العربية والخارجية. وبعد ثورة 25 يناير تقرر تعطيل دستور سنة 1971 وصدر الدستور المؤقت ونصت المادة 37 منه على اختصاصات مجلس الشورى وهى ذاتها المقررة بالمواد 194 و195 من دستور سنة 1971 المعدل، وذلك بعد أن حذف منها الموافقة على مشروعات القوانين المكملة للدستور، والموافقة على معاهدات الصلح والتحالف، وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة!! وليس معروفاً أن الأسباب التى دعت إلى حذف هذه الاختصاصات من مجلس الشورى، وأهمها حذف الاختصاص التشريعى الذى كان قد أضيف إليه بتعديل دستور سنة 1971 فى سنة 2007، آنف الذكر. وقد شاع بوسائل الإعلام رأى يدعو إلى إلغاء هذا المجلس لعدم اهتمام الناخبين به، أو لم يشترك فى انتخابه سوى 7٪ منهم على عكس انتخابات مجلس الشعب، وذلك لعدم جدواه من النواحى السياسية والتشريعية، ولتوفير النفقات التى تتحملها موازنة الدولة بسببه، وأيضاً على أساس أن الدول التى لديها مجلسان فى البرلمان، هى الدول الاتحادية مثل الولاياتالمتحدة وليس الدول الموحدة، مثل مصر!! ولكن الرأى الصواب أن مصر كان بها مجلس النواب والشيوخ فى دستور سنة 1923، وكانت العملية التشريعية والرقابية تجرى بكفاءة وخبرة، كما كان مجلس الشيوخ يسمح بتعيين أشخاص من ذوى الكفاءة الدستورية والتشريعية والسياسية الذين لا يمكن الإفادة منهم بطريق الانتخاب، وقد أكد رئيس مجلس الشورى المنتخب مؤخراً أهمية المجلس فى ضوء مراجعته العديد من القوانين التى لم يطعن فى دستوريتها!! وبالتالى فإنه يجب أن يبقى الدستور الجديد على مجلس الشورى، بشرط أن يتولى اختصاصاً تشريعياً ورقابياً كاملاً مثل مجلس الشعب، بالإضافة إلى الاختصاص السياسى بالحفاظ على الوحدة الوطنية والمبادئ والقيم العليا للمجتمع!! إلخ، مع الحفاظ على تعيين ثلث أعضاء المجلس بقرار جمهورى حسبما ورد فى المادة 196 من الدستور الساداتى، والمادة 35 من الدستور المؤقت!!، وقد تم انتخاب مجلس الشورى ودعوته للاجتماع المشترك مع مجلس الشعب، لتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، بينما لم يصدر قرار من المجلس الأعلى العسكرى بصفته يتولى سلطات الرئيس بتعيين ثلث الأعضاء ورغم ذلك تم انتخاب هيئة المكتب واللجان بالاعتماد على اللائحة الداخلية القديمة لمجلس الشورى، دون مشاركة الأعضاء المعينين، الذين لهم ذات حقوق المنتخبين فيما عدا عضوية الجمعية التأسيسية لوضع الدستور حسب المادة 10 من الدستور المؤقت، وهذا يبطل تشكيل مكتب المجلس وتشكيل لجانه، وقد نشر حديث طويل بجريدة «الأهرام» يوم 5 مارس الحالى مع رئيس المجلس المنتخب بالطريقة الباطلة طالب فيه بمراعاة بعض الأمور الخاصة بالمجلس فى القانون الجديد، وبمقتضى مشروع قانون، وهو ما سنتعرض له بالتحليل بالمقال القادم والله ولى التوفيق. --------- رئيس مجلس الدولة الأسبق