أصبح قطاع النقل فى مدن الخليج الذكية صناعة وليس جزءا من تسهيل الوصول إلى مختلف الأماكن كمقرات الأعمال والمنازل والمدارس أو حتى من أجل الانتقال من مدينة إلى الأخرى، وتشمل هذه الصناعة الطرق والكبارى والسكك الحديدية وأماكن انتظار السيارات والأنفاق، والتفتت أنظار الأنظمة والممالك فى الدول الخليجية خلال السنوات الماضية إلى الاتجاه نحو الاستثمار فى قطاع النقل، حيث تشهد أسواق النفط بعض الاضطرابات وعدم الارتكاز إلى أسعار ثابتة من حين لآخر، بالإضافة إلى الاضطراد فى الزيادة السكانية والتمدد الحضرى وإقامة المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، كما زادت معدلات الحركة السياحية فى البلدان الخليجية، مما جعل وسائل النقل وتطورها ضرورة ملحة من أجل العمل جنبا إلى جنب مع باقى النشاطات. وتوجهت حكومات دول الخليج العربى إلى الاشتراك مع القطاع الخاص فى إنجاز وتنفيذ هذه المشروعات، من أجل سد فجوات ميزانيات البنية التحتية، والناتجة عن تذبذب أسواق النفط العالمية، والتى كان يمثل عنصرا أساسيا فى ضخ الأموال إلى خزائن دول الخليج، كما وجدت الحكومات الخليجية أن صناعة النقل بكل فروعه توفر العديد من مختلف فرص العمل المتنوعة والكثيفة. وقد شرعت كل من الكويتوالإمارات العربية المتحدة فى سن القوانين والتشريعات الملائمة للتطور الذى شهدته شبكات المواصلات والنقل فى كلتا الدولتين، وتنضم إليهم المملكة العربية السعودية التى استجلبت عددا كبيرا من القاطرات الذكية التى تم تدشين أحد خطوطها فى مكةالمكرمة، وتعتبر شبكة السكة الحديد فى كل من الكويتوالإمارات والسعودية من أكثر الشبكات توسعا وامتدادا تطلعا لتجاوز حدود دول الخليج العربى، ولكنه يعتبر قطاعا لا يجذب القطاع الخاص مقارنة بالشبكات الأرضية وعلى رأسها الطرق وبناء ساحات إضافية لانتظار السيارات، وتعتبر الساحات والمبانى متعددة الطوابق لانتظار السيارات من أوسع مشروعات الطرق فى الكويتوالإمارات، وتتراوح أحجام ميزانياتها ما بين 15 حتى أكثر من 90 مليون دولار، إلا أن الإمارات العربية سجلت أعلى إنفاق بلغ 3 مليارات و506 دولارات، بالإضافة إلى الكويت التى بلغ إنفاقها 2 مليار و866 دولارا. تتضمن رؤى دول الخليج للمشروعات التنموية 2030 أعلى درجات الجودة والمستويات العالمية التنافسية للدول الكبرى التى وضعت المعايير المثلى لها ولكافة دول العالم فى صناعة المواصلات والطرق، التى من المتوقع أن تتوسع وتتفتح لها طرق وآفاق جديدة بعد ذوبان أجزاء كبيرة من القطب الشمالى وفتح طرق بحرية مختصرة وشق قنوات جديدة، بالإضافة إلى مضى الصين وشروعها فى مد شبكات الطرق البرية والسكك الحديدية بدءا من بكين لتطوف داخل وحول دول الخليج إحياء لطريق الحرير القديم الذى كان يربط دول الحضارات والعالم القديم ببعضها ببعض من خلال التجارة ونقل الأشخاص والبضائع وغيرها من الإمدادات اللوجيستية. كما تتضمن رؤى دول الخليج 2030 نقلة جديدة فى عالم النقل، حيث يتم تقليل الاستعانة بالمركبات الخاصة والاتجاه نحو النقل الجماعى الذى يوفر أعلى درجات الراحة والسرعة والجودة لراكبيه، من أجل تخفيف الضغوط على الطرق وتخفيف ساعات الذروة وتوفير الوقت والمجهود للشعوب العربية الخليجية، وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف شرعت كل دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والكويت فى مد شبكات من الطرق والأنفاق والمترو والسكك الحديدية، لربط حركة النقل من على سطح الأرض بمثيلتها تحت سطح الأرض للعمل بالتوازى مع بعضهم البعض فى منظومة متكاملة ومتناغمة ومنظمة فى نفس الوقت. على سبيل المثال وليس الحصر تم البدء فى تطوير طريق الشيخ زايد فى دبى وتوسيعه وتقسيمه إلى أربع حارات ممتدة بجانب بعضهم البعض، وربطه بطريق الإمارات ليؤديا إلى الميناء العالمى «جبل على»، وهو ما يصب فى مصلحة وتسريع حركة نقل البضائع من وإلى الميناء وتغذيته المستمرة بالمستلزمات الضرورية من أجل ضمان استمرار كفاءته العالية وأداء أدواره بشكل تنافسى، ليحتفظ بشهرته العالمية ويظل مقصدا من كل رواد موانئ العالم، بالإضافة إلى توسيع الكبارى العابرة للقنوات المائية مثل قناة دبى المائية والتى يعبر فوقها أكثر من كوبرى سعة كل منهم ثلاث حارات متوازية. تشمل صناعة النقل جوانب أخرى هامة لا تقل أهمية عن جودة الطرق والأنفاق وتوسيعهما وخلق مساحات أفقية ورأسية لأماكن الانتظار، حيث إن الجانب البيئى أصبح جزءا لا يتجزأ من صناعة النقل والمواصلات حول العالم، فقد أصبح هدف تقليل انبعاثات ثانى اكسيد الكربون ليس فقط من أجل الحفاظ على البيئة وصحة الإنسان والالتزام بالمعايير والاتفاقات الدولية، بل إن هدف تقليل الانبعاثات الملوثة للهواء هو هدف اقتصادى فى المقام الأول، فقد أثبتت الدراسات أنه كلما قلت الانبعاثات الملوثة للهواء تقل معها التكلفة الاقتصادية لإصلاحات المركبات، كما تقل بدورها الحوادث واستهلاك الوقت 396 مليون ساعة فى السنة طبقا للمنتدى الاقتصادي العالمى بالإضافة إلى توفير الوقود المهدور، وبالتالى المكلف أضعاف مضعفة، وبالتالى هى منظومة متكاملة ومترابطة ببعضها البعض، وهو الأمر الذى شرعت فى تنفيذه دول الخليج خاصة فى الإماراتوالكويت والمملكة العربية السعودية بشكل مكثف، تخطت تكاليفه فى كل منهم أكثر من10مليارات دولار ليواكب ما سيتم عرضه عن إنجازاتهم معرض «إكسبو 2020» الدولى المرتقب، ويكونون عنوانا للتقدم العصرى وخير سفراء للعرب أجمعين. وتلتزم تكنولوجيا سلامة الطرق والقيادة التى وفرتها أدوات وأجهزة متطورة تم نشرها الآن فى العديد من دول الخليج، بالمعايير الدولية من أجل ضمان السلامة وعلى الطرق وللمسافر أو قائد السيارة، مع ربط هذه المعايير برخصة قيادة ذكية لا يمكن التلاعب فى بياناتها وربطها بالنظام العام لتكنولوجيا النقل والمواصلات عبر شبكات اتصالات داخلية فى الأراضى العربية الخليجية ومنها إلى الدولية العابرة للحدود، وستوفر هذه التكنولوجيا المترابطة شبكات للمراقبة والكاميرات التى تعمل بشكل أوتوماتيكى وتلتقط صور المخالفين وتضعها على النظام بأكمله بشكل رقمى ومتصل بكافة الجهات المسئولة عن إدارات الطرق والمواصلات فى دول الخليج . وتعتبر الدوائر الدولية المتخصصة فى مجال صناعة النقل والمواصلات أن دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والامارات العربية والكويت نقطة ارتكاز عالمية تربط الثلاث قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا ببعضهم البعض، كما أثنت الدوائر الدولية على طفرة الطرق والكبارى والأنفاق التى قامت المملكة العربية السعودية بإنشائها لربط كل الأماكن المقدسة وأداء الشعائر الإسلامية للحج والعمرة ببعضها البعض بشكل حضارى منظم، ليخدم الحجاج والمعتمرين الذين تتعدى أعدادهم الملايين كل شهر، بمثابة مشروع عالمي يخدم البشرية أجمع، وتتوقع وزارة النقل السعودية أن تقفز الاستثمارات السعودية فى مجال صناعة النقل والطرق والبنية التحتية اللازمة لإنجازها إلى 110 و713 مليار دولار بحلول 2020. وعلى مستوى الكويت فقد تضمنت رؤيتها «الكويت الجديدة 2035» أضخم وأكبر مشروع لكوبرى وطريق يعبر مجرى ملاحيا على مستوى العالم، إذ يبلغ طول الكوبرى المتوقع أكثر من 35 كيلومترا، وتصل تكلفته لأكثر من 2.4 مليار دولار، كما شرعت الكويت فى إنشاء أكبر شركة لنقل البضائع والملاحة البرية عبر السكك الحديدية على مستوى الخليج، أما مملكة البحرين فقد رصدت 10 مليارات دولار من أجل مد مشروعات الطرق والمواصلات الذكية مع جيرانها من دول الخليج، لتكون شبكة متكاملة تخدم بعضها البعض، وبدأت فى مد سعة استيعاب الطرق المؤدية من البحرين إلى ميناء الملك فهد فى المملكة العربية السعودية لتستوعب أكثر من 31 ألف راكب بحلول 2030. ولم يختلف المشهد فى مملكة عمان، حيث رصدت أكثر من 10 مليارات دولار من أجل تطوير شبكات الطرق والمواصلات والأنفاق، مع التركيز على مد خطوط الأنابيب الناقلة للمواد البترولية من الأراضى العمانية الى العالم، حيث تعتبر المملكة أن تطوير صناعة النقل والطرق له أولوية قصوى فى تطوير باقى الصناعات وعلى رأسها التعدينية البترولية، وقامت المملكة العمانية بإنشاء أكبر شركة لتقديم الخدمات اللوجيستية ترقى إلى المستويات العالمية، والتى اتخذت توجها جديدا نحو رقمنة اللوجيستيات، التى تتصل بتكنولوجيا الطرق الذكية، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات والدورات التدريبية للعاملين فى مجالات النقل واللوجيستيات.