الجلوس بجوار المستشفيات هو مصدر رزقهم، لصيد الزبائن من المرضى الذين يحتاجون لنقل الدم لإنقاذ حياة ذويهم بعد الأزمة التى اجتاحت المستشفيات، حيث بلغ سعر كيس الدم 450 جنيهًا فى المستشفيات الحكومية، وتفاقمت الأزمة فى بنوك الدم فى الفترة الأخيرة وارتفاع أسعاره فى السوق «السوداء»، ما أدى إلى ارتفاع سعر كيس الدم لأكثر من 800 جنيه فى المستشفيات الخاصة، الأمر الذى دفع المرضى إلى شراء الدم بعيدًا عن الاهتمام بمصدره والمواد التى يحملها نتيجة تعاطى بعض المتبرعين للمواد المخدرة وإصابة البعض بأمراض عدة تنقل للمريض، يجعله عرضة للأمراض. عندما يخضع مريض للعلاج داخل أحد المستشفيات ويحتاج لنقل الدم لن يتمكن من الحصول عليه داخل المستشفى إلا إذا أحضر متبرعين وفى هذه الحالة يصبح المواطنون فريسة سهلة الصيد من قبل المدمنين الذين يبيعون لك بضاعة فاسدة حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة للحصول على أموال لشراء «كيفهم» من المخدرات، والبعض الآخر لا يعلم ظروفه إلا الله. ترامادول وحشيش وهيروين ومعظم أنواع المخدرات بالإضافة للعديد من الأمراض، هى المكونات الأساسية لدم المتبرعين فى الفترة الراهنة، خاصة الدم الذى يتم شراؤه من على المقاهى المجاورة للمستشفيات. «الوفد» خاضت تجربة شراء الدم الملوث على المقاهى المجاورة للمستشفيات للكشف عن تجار الدم ومدى خطورته. وكانت البداية من محيط مستشفى أحمد ماهر، وتحديدًا أحد المقاهى التى تقع بالشوارع الجانبية للمستشفى بمنطقة باب الخلق، شباب وصبية فى انتظار الزبائن الذين يخرجون من المستشفى للبحث عن متبرع «للدم الملوث»، دخلنا المستشفى بحجة احتياج دم لأحد الأطفال ومحاولة شرائه من بنك الدم داخل المستشفى، وكانت المفاجأة من قبل المسئولين عن أمن المستشفى، الذين طلبوا الانتظار للبحث عن متبرع لعدم وجود دم فى بنك الدم، وأخبرونى أن المتبرعين يتواجدون على أحد المقاهى القريبة من المستشفى. ودار الحوار التالى بعد جلوسنا على المقهى.. القهوجى: تشربوا إيه يا بهوات؟ قهوة زيادة وشاى خمسينة وادعيلنا يا باشا ربنا يقوم الولد بالسلامة، متمرمطين بقالنا أسبوع والنهارده طلبوا دم علشان الطفل محتاجه وبنك الدم عايز 5 أشخاص يتبرعوا ومفيش غيرى أنا وعمه، فرد بإجابة ننتظرها ونبحث عنها منذ ساعات: ربنا يشفيه فيه ناس هنا بتيجى بتتفق معاهم وهما يتبرعوا، بس العيال دى دمهم ماينفعش للأطفال مليان هباب «مخدرات»، لا قدر الله ممكن الطفل يروح فيها، بس بنك الدم هيديلك دم بديل، أهم حاجة إنك تجيب متبرع وهو هيديك الفصيلة بتاعته.. طيب مفيش حد دلوقتى؟ لا همّ موجودين وقاعدين هناك بيتفقوا مع ناس تانية اصبر الباقيين هييجوا حالًا. وفى الساعة الحادية عشرة ظهرًا وصل ثلاثة شباب تبدو عليهم آثار الإدمان، وجلسوا بالقرب منا وبدأ القهوجى فى التفاوض معهم على سعر الكيس وانتهى التفاوض أن يتقاضى الواحد منهم مبلغاً يتراوح من 250 إلى 300 جنيه، لكننا دخلنا فى مرحلة التفاوض ليصل إلى 200 جنيه للمتبرع، ومنّ علينا أحد المتبرعين قائلاً: «المستشفى هتديلك الكيس ب400 جنيه، إحنا موفرين عليك كتير، وهنوفر عليك البهدلة واللف وفى الآخر مش هتلاقى». وتفاقمت كارثة بيع الدم الملوث فى ضواحى الجيزة، بالقرب من محطة مترو أم المصريين، حيث تحصل على الدم بسهولة كبيرة عندما تخرج من مستشفى أم المصريين تشاهد العديد من المدمنين ومتعاطى المخدرات على المقهى المقابل للمستشفى فى انتظار أقارب المرضى، الذين يبحثون عن متبرعين سرعان ما تجد أياً من العاملين بالداخل يدلك على هذا المقهى: اذهب وسوف تجد الكثير منهم، وبالفعل يمكنك التفاوض بكل سهولة فى تلك المنطقة وأمام الجميع، «المدمن» يصدق نفسه بأنه يفعل الخير من خلال بيع دمه لإنقاذ مريض ويستطيع الحصول على المال للعيش وتوفير المواد السامة التى يحقن بها نفسه، والمريض لا يبالى إذا كان دمه فاسدًا أو لا فهو لا يريد سوى متبرعين حتى يحصل على الدم من المستشفى. حوارات جانبية وأشخاص يقفون بالجوار وأهالى المرضى يجلسون على المقهى بجوارنا، الجميع يسعى للحصول على الدم، كأنك فى مزاد علنى، الأعلى سعرًا سيفوز بالمتبرع وسيحصل على الدم لينقذ حياة مريضه، حاولنا دخول المزاد من خلال الاتفاق على شراء سعر كيس الدم ب300 جنيه من شاب لم يتخط عمره 23 عامًا وسرعان ما فقدناه بسبب زيادة السعر. بؤر خاصة ل«التجارة الحرام»! كشف الدكتور محمد عزالعرب، استشارى أمراض الكبد، أن نسبة الإصابة بعدوى الفيروسات عن طريق نقل الدم الملوث للمرضى تتراوح بين 5٪ و10٪ نتيجة تجارة الدم التى يقوم بها بعض المواطنين المصابين بالأمراض، مقابل الحصول على المال، مضيفاً أن لجوء المرضى لشراء الدم من الباعة يتم فى أماكن خاصة بعيداً عن أماكنها الرسمية. وأكد «عزالعرب»، أن الأماكن الرسمية التى يتم الحصول على أكياس الدم منها سليمة وصالحة للاستخدام الآدمى دون احتوائها على بكتيريا أو فيروسات أو أمراض هو بنك الدم القومى، وبنوك الدم داخل المستشفيات الحكومية، وبعض المستشفيات الخاصة، مؤكداً أن أزمة الدم فى مصر جاءت نتيجة عدم وعى المواطنين بالتبرع، لذا تفرض المستشفيات على المرضى ضرورة وجود متبرعين لحصولهم على أكياس الدم؛ حتى تتمكن بنوك الدم من سد عجزها، وأن هذا لا يتم على مرضى الطوارئ والحالات الخطرة والحوادث. وأشار استشارى أمراض الكبد إلى أنه لا يوجد تسعيرة جبرية لأكياس الدم فى مصر، ما أدى لارتفاع سعره بشكل كبير، وزاد العبء على المرضى داخل المستشفيات. وشدد «عزالعرب» على ضرورة توافر أجهزة «nat» فى جميع المحافظات لفلترة وتنقية الدم من البكتيريا وجميع الأمراض الأخرى؛ للحفاظ على صحة المريض وعدم إصابته بالعدوى. وتابع: يجب أن يكون الدم الذى يتم التبرع به خالياً من الفيروسات والبكتيريا والمواد المخدرة للقضاء على إصابة المرضى بمضاعفات أو نقل أمراض تتسبب فى إزهاق أرواح المرضى. كارثة بالأرقام صنفت منظمة الصحة العالمية مصر ضمن 120 دولة غير آمنة فى أنظمة حفظ الدم. وكشفت دراسة أن كل ثلاث ثوان هناك شخص يحتاج إلى نقل الدم، أن واحداً من كل عشرة مرضى يدخلون المستشفى فى حاجة إلى نقل الدم، مؤكدة أن معدل التبرع فى مصر سُدس التبرع فى الدول المتقدمة، وأن نسبة التبرع فى عام 2006 كانت فى ازدياد فعلى «100 ألف متبرع» حتى وصلت إلى أقصاها فى عام 2008 «حوالى 130.000 متبرع»، ولكن انخفضت فى عام 2009 إلى 60 ألف متبرع بعد فضيحة أكياس الدم الملوثة، وواصلت الانخفاض للنصف فى أعقاب ثورة يناير، على الرغم من وجود حوالى 24 بنك دم على مستوى الجمهورية بخلاف بنوك الدم بالمستشفيات. وأكدت المنظمة، أن أكياس الدم لا تلبى سوى ثلث حاجة المصريين من الدم.