يمتلك حضوراً طاغياً ومخيفاً.. وأخطأت وأنا أحدثه أكثر من مرة فى العربية لا يوجد روائى الآن يمثل علامة فارقة كنجيب محفوظ أو شاعر يغير مساراً كصلاح عبدالصبور المجتمع المصرى فى حاجة إلى معتزلة جدد يؤمنون بالعقل وحرية الإنسان الناقد يفقد قدراته في حالة ضياع الأمل ثلاثة أقلهم شأناً أنا، تأملتهم وأنا فى طريقى لإجراء هذا الحوار، أما أول الثلاثة فهو عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، والذى على الرغم من رحيله قبل أربعة وأربعين عاماً مضت، إلا أن أفكاره حول الحرية الإنسانية وإعمال العقل فى غربلة النص التراثى، للخروج به إلى آفاق أرحب ويقين لا يتزعزع، مع ضرورة الثورة على الثالوث المزمن فى بلادنا الجهل والفقر والمرض، ما زالت مطروحة على طاولة الفكر المصرى والعربى تثير الجدل ولا يتبعها الأقلية من الغاوين، ثم ثانى الثلاثة هو المثقف والناقد الكبير الدكتور جابر عصفور التلميذ النجيب للدكتورة سهير القلماوى الابنة البارة للدكتور طه حسين، وبالتالى فهو الحفيد الشرعى للعميد، ومن يتأمل مسيرته سيعرف أنه يسير على خطى الجد طه حسين بامتيازن فهو لم يكن قط الأستاذ الجامعى والناقد الأكاديمى الذى يؤطر للحركة الروائية والشعرية فى مصر والعالم العربى من برجه العاجى دون التشابك والالتحام بقضايا الوطن الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فما زال المثقف الكبير جابر عصفور يخوض المعارك ويحلم بالخروج من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية الإنسانية بلا قيد ولا شرط، وأخيراً أنا بين الجد طه حسين والحفيد جابر عصفور، كان تعليمى فى مدارس السبعينيات والثمانينيات ودخولى الجامعة المصرية بفضل مجانية التعليم التى منحها للأسر الفقيرة من أمثالنا الجد طه حسين، لتأتى مرحلة التكوين وبناء اليقين بأن مصر الوطن والممات، ومتعة اكتشاف المناطق المسكونة والمحيرة فى الذات العربية بقراءة شفرة نقدية شديدة الجمال يكتبها بعشق الحفيد جابر عصفور لعشرات الروايات ودواوين الشعر، والذى كان هذا الحوار معه باعتباره معلمى فى فهم الحياة على يد كتبة الخريطة الإنسانية من المبدعين الكبار، وتلميذاً لمعلم أكبر هو عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين. فى البداية.. ومن وجهة نظرك لماذا نحتفل بذكرى ** رحيل عميد الأدب العربى طه حسين، ولماذا لم نعتبره جزءاً عزيزاً من تراثنا الفكرى الذى نتذكره بين الحين والآخر ولكن لا يصلح لزماننا؟ لسبب بالغ البساطة فمفكر بحجم طه حسين قيمة نادرة لا تتكرر، فعلى سبيل المثال عندما نفكر فى أحوال التعليم الآن لابد أن نستحضر طه حسين، عندما نفكر فى الثقافة وتدهورها سوف يقفز إلى ذهننا بالضرورة طه حسين، وبالمناسبة فى عام ألفين وثمانية عشرة سوف يكون مر ثمانون عاماً على صدور كتابه الأشهر «مستقبل الثقافة فى مصر» عندما نعانى من الخطاب الدينى وجمود تفكير مشايخ الأزهر لابد أن نتذكر طه حسين، لأنه أول من هاجم هؤلاء، وعندما نعانى من غياب الحرية نتذكر طه حسين لأنه كان مدافعاً شرساً عن الحرية وعندما نعانى من سوء الأحوال الاقتصادية نتذكر طه حسين وكتاباته عن المعذبين فى الأرض، ويبدو أن أغلب الشعب المصرى أصبح من المعذبين فى الأرض هذه الأيام، لذلك ولكل هذه الأسباب ولغيرها نحتفل بطه حسين كل عام ونحيى ذكراه. هل ما زال فى جعبة عميد الأدب العربى طه حسين الذى لم نعثر عليه بعد أو نستخرجه ونفكر فيه؟ - بالضرورة نعم.. فما رأيك لو قلت لك إن فى كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» هناك أشياء لم نستطع أن نحققها، فعلى سبيل المثال طه حسين عندما كتب هذا الكتاب كان يعتمد على فكرة أن مصر أصبحت دولة مدنية مستقلة، وبما أنها مستقلة فهى دولة تخضع للدستور وبالتالى هى دولة مدنية، شأنها فى ذلك شأن الدول الأوروبية، ومن هنا كان يطالب بإلغاء ازدواجية التعليم، ونحن لدينا تعليم دينى وتعليم مدنى وطه حسين كان يريد تحويل كل التعليم لتعليم مدنى، هل تستطيعى أنتِ الآن تطالبى بذلك؟ من وجهة نظرى أشك أنك تستطيعين أو غيرك يستطيع. هذا ما كان ينادى به طه حسين عام 1938، وكان يتحدث عن حرية الفكر، وأن الثقافة لا يمكن لها أن تزدهر إلا بحرية التفكير وإعمال العقل، وأنت الآن أصبح أعداء العقل فى كل مكان، أنا أعتقد أننا لو أطلقنا العنان للخيال، وتصورنا أن طه حسين سيعود مرة أخرى، أعتقد بأنه لن يرضى بهذا الحال الذى يعيش فيه أحفاده، بالتأكيد سوف يكون غاضباً علينا، فلا حققنا مستقبل الثقافة وأحلامه، ولا حققنا العدل الاجتماعى الذى كان يسعى اليه، ولا حققنا مجانية التعليم التى كان قد اقرها عندما كان وزيراً للتعليم فى حكومة زعيم الوفد مصطفى النحاس باشا عام 1950، ولا حققنا الجامعة الحديثة مضارعة لأحدث جامعات العالم، فبالتأكيد طه حسين كان سيتركنا وهو حزين جداً على الأوضاع التى وصلنا إليها. ** كان هناك نهضة فكرية ضخمة أوائل القرن الماضى وهناك رواد فى كل مجال علمى وفكرى بداية من رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده ثم جيل العمالقة طه حسين وعباس العقاد وأحمد لطفى السيد وإبراهيم المازنى وحافظ إبراهيم وغيرهم.. ماذا حدث ولماذا تطور المشهد الثقافى فى مصر ووصل إلى ما نحن فيه؟ أوضاع الثقافة المصرية فى الثلاثينيات والأربعينيات بالتأكيد كانت أفضل بكثير عما نحن فيه الآن، لأسباب كثيرة أولها أن قيادات ثقافية مهمة ومؤثرة فى المشهد المصرى رحلت عن عالمنا وغيبها الموت، وكنت أتحدث بالمناسبة بالأمس مع أحد الصحفيين وسألنى عن جائزة نوبل؟ لم يخطر على بالى أحد أستطيع أن أرشحه سوى الشاعر العربى الكبير أدونيس، وهو بالفعل مرشح لنوبل منذ عدة سنوات، فى حين كان الأمر مختلفاً بشكل كبير حينما كان على الساحة كتَّاب عظام بقامة نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وعلى فكرة الشاعر الكبير أدونيس تقدم به العمر وإذا عاش هذا العام فربما لن يكون معنا الأعوام القادمة، وأنا أسألك هل استطعنا أن نقدم نجيب محفوظ آخر على مستوى الرواية العربية؟ هناك زخم روائى كبير وأنا شخصياً أتابعه باستمرار ولكن لا تستطيعين أن تقدمى روائياً منهم وتضعيه فى قامة نجيب محفوظ أو يوسف إدريس، وأنا أعرف أن هناك الآن من الروائيين من توزع أعمالهم وتتجاوز المائة ألف نسخة باعتبارها من الروايات الأكثر مبيعاً، وعلى فكرة نجيب محفوظ لم يكن توزع رواياته هذه الأرقام الكبيرة بل كانت على أقصى تقدير توزع ثلاثة آلاف نسخة فقط!!، وهذا هو نجيب محفوظ، أنت الآن لديك روايات رائجة ولكن ليس لديك روايات تكون علامة فارقة فى تاريخ الرواية، وكذلك لديك شعراء ولكن ليسوا شعراء يغيرون المسار، بمعنى أنك حينما تتحدثين عن الشاعر الكبير الراحل صلاح عبدالصبور تستطيعين وبثقة أن تتحدثى عن الحركة الشعرية فى مصر قبل صلاح عبدالصبور وبعد صلاح عبدالصبور، ولكن لا تستطيعين الآن أن تأخذى شاعراً من شعراء اليوم أو عدة أسماء منهم وتقولى إنهم علامة فارقة. ** ولكنك من أكثر النقاد المعاصرين متابعة وقراءة ورصداً لأعمال الروائيين والشعراء الجدد، وتقدم دراسات نقدية مستمرة عن أعمالهم؟ أنا لا أفقد الأمل ودائماً أبحث عن جديد فى أعمال هؤلاء الروائيين والشعراء الشباب، فالناقد حينما يفقد الأمل، يفقد معه قدرته على النقد، نحن أشبه بالمنتظرين لحظات مخاض جديدة، ولكن هذه اللحظات تأخرت، وكنت أتوقع أن تكون قبل ذلك بسنوات حتى يكون لدينا تعويض للأجيال الروائية والشعرية التى فقدناها، فكان هناك جيل روائى وشعرى مبدع يرحل فيحل محله جيل آخر بنفس الزخم والعطاء الفكرى والثقافى، لكننا الآن من أين سنأتى بهذه الخصوبة الإبداعية، فلكى تمتلكى تلك القوة الناعمة الهائلة من فن ورواية وشعر وموسيقى عليك بالأخذ بأسباب كثيرة أولها التعليم المتقدم، ثانياً ثقافة طليعية متقدمة، وثالثاً انفتاح على العالم وحرية التفكير والاجتهاد، وللأسف نحن الآن لا نمتلك واحداً من تلك العوامل الثلاثة، ففيما يتصل بالتعليم على سبيل المثال يقفز بالضرورة العامل الاقتصادى فإنتِ لا تملكى القدرة على إنشاء مدارس يكون عدد الطلاب فيها إنسانياً لا يتجاوز العشرين طالباً،، فهو أمر يتطلب ميزانية دولة أو ميزانية مصر كلها، فتصدير العقول النابهة فى كافة مجالات الثقافة والمعرفة يأتى من التعليم سواء الجامعى أو ما قبل الجامعى. ** هل أصبح شعار الدكتور طه حسين التعليم كالماء والهواء مكتوباً على لوحة من الحلم أكلتها الرياح وعصفت بها الجوارح؟ هذا هو حال التعليم فى بلادنا اليوم.. فصول مكتظة بالطلبة الذين فقدوا القدرة على الاستيعاب والفهم نتيجة للعدد الهائل فى الفصول، ويكفى أن تعلمى أن كلية العلوم التى قامت على يد العالم المصرى الجليل مصطفى مشرفة كانت فى حالة تآخى وتعاون علمى مثمر مع جامعة الأزهر الشريف، وعلى نفس المستوى كلية العلوم الموجودة فى جامعة لندن هى نفس كلية العلوم الموجودة فى جامعة القاهرة، والله وحده يعلم حال ووضع كلية العلوم جامعة القاهرة الآن بالقياس لكليات العلوم الموجودة فى الجامعات الأوروبية، لذلك لابد من أن نواجه مشاكلنا مواجهة حقيقية، إذا كنا نمتلك الرغبة والقدرة على المواجهة، فلن يحدث أى تقدم فى الثقافة أو التعليم وعلى فكرة بنفس القدرة والأهمية التى تشترى به الدولة سلاحاً لكى ندافع به عن وجودنا وردع أعدائنا، إنت فى حاجة بالقدر نفسه إلى سلاح آخر وهو التعليم والثقافة وهما يمثلان قوة مصر الناعمة والتى تآكلت بفعل تدهور أحوال المصريين فى كافة مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فنحن ولسنوات طويلة لم نمتلك دولة تسعى بشكل منظم بنا كمصريين إلى التقدم ونمتلك سوء إدارة فى كل شيء ورئيس الجمهورية نفسه بيعترف، أن أهم كارثتين فى مصر الآن هما الأمية والفساد، وضعى قبل الأمية كارثة الإرهاب الدينى، وأؤكد لكى أنه لو كان هناك تعليم سليم فى مصر ما كان يمكن لهذا الذى نسميه التفكير المتطرف يعيش أو يكون له وجود، ودعنى أسألك: هل المجتمعات فى إنجلترا أو فرنسا أو غيرهما تسمح بوجود مثل هذه البؤر الدينية؟ ولا أنتظر منك إجابة بل سأجاوب أنا وأقول بالطبع لا بحكم ثقافتها، قد يفد إليها من الخارج جماعات متشددة دينياً وهو أمر وارد ولكن هى تفرز من داخلها تلك الجماعات؟ الإجابة بالقطع لا. ** إذن كيف ترى الخروج من هذا النفق المظلم؟ نستعين بتجارب مشابهة لنا وحققت نجاحات مبهرة، فعلى سبيل المثال دولة مثل ماليزيا وهى دولة مسلمة وتتشابه معنا فى أحوال كثيرة على المستوى التعليمى والثقافى والاقتصادى، جاءها عام 1982 رئيس وزراء نابهة يدعى مهاتير محمد، وكان أول ما قام به ثورة على منظومة التعليم ورأى أنه المفتاح للخروج بماليزيا إلى آفاق التقدم والازدهار، وهو نفس مشروع الإمام محمد عبده وطه حسين وغيرهما من عمالقة النهضة الفكرية فى مصر أوائل القرن الماضى الذين آمنوا بأهمية التعليم كبوابة للخروج للحرية الفكرية والقضاء على الجهل والتشدد الدينى. وهو ما يجعلنى أقول لن تعود القوة الناعمة لمصر إلا إذا وجد فى كل مكان مدرسة حديثة وقصر ثقافة ومصنع. ** هل تتوقع ما هو قادم فى مصر خاصة وأنك لم تكن قط أستاذاً جامعياً أكاديمياً يحصر دوره بين جدران الجامعة؟ أتوقع أن هذا التفكير الدينى المتطرف لا مستقبل له، من الممكن أن يعيش سنوات ولكن مصيره إلى نهاية، فهو ضد الحتمية التاريخية وطالما تقاومينه بكثرة المدارس والتعليم ومحاربة الجهل بكل الوسائل سوف ينحسر هذا التفكير. ** حتى الآن لم نتحدث عن مقابلتك الدكتور طه حسين وكيف شعرت حينها وأنت من غيرت مسار حياتك وقررت أن تدرس اللغة العربية بكلية الآداب حينما قرأت له سيرته «الأيام»؟ حينما أصبحت معيداً بكلية الآداب طلبت من معلمتى الدكتورة سهير القلماوى أن تذهب بى إلى طه حسين، فأخذتنى بعربتها إلى رامتان، وبالمناسبة كثير من الناس لا تعرف معنى رامتان وهو اسم مكان ومفرده رامة، وهو مكان للراحة للقوافل العابرة فى الصحراء، وكان طه حسين يحب هذا الاسم لما يملكه من موسيقى داخلية وإيقاعاً محبباً للنفس حينما ينطق، ولقد زرته قبل وفاته بفترة قصيرة، وكانت تتملكنى مشاعر شتى من الخوف والرهبة أن أقابل أخيراً العميد، ولقد قدمتنى معلمتى الدكتورة سهير القلماوى باعتبارى حفيداً من أحفاده، لأننى تلميذها بالتبنى العلمى وهى فى منزلة ابنته وهكذا أكون أنا الحفيد، فسألنى: هل أحفظ أبياتاً من الشعر، فأجبت وفى ذهنى أن أرضيه فأنشدت أبياتاً لأبى العلاء المعرى، وأنا أعرف أنه يحب شعر أبى العلاء المعرى، فنظر لى بابتسامة كما لو كان يقول لى أنا أفهمك، وأنك تحاول أن ترضينى، ثم بدأ يسألنى وأنا مرتبك ومتلجلج وأكاد لا أستطيع أبين حتى فى الألفاظ ما أريد أن أعبر عنه وكنت فى مهابة شديدة جداً وخوف أمام هذا العملاق، فطه حسين يمتلك حضوراً مخيفاً وحضور العالم الذى لا يتكرر، وانتهى اللقاء بعد نحو نصف ساعة وقد قال للدكتورة سهير القلماوى وهو يودعنى: ابنك هذا سوف ينبغ فى النقد الأدبى. وكأنها النبوءة التى تحققت، وخرجت من عنده وأنا مصمم أن أكون مثل هذا الرجل المهيب، وأنا لا أنسى هذا اللقاء أبداً رغم مرور تلك السنوات الطويلة، بل كلما مر بى فى الحياة مصاعب ومحن اتذكر هذا اللقاء، فطه حسين كان مفكر يفرض نفسه وحضوره على الجميع، فلا أحد يتذكر طه حسين كان وزيراً للمعارف العمومية سنة كام تحديداً، ولكن الجميع يتذكر قراره التاريخى بأن التعليم كالماء والهواء وحق لكل مواطن، وكانت مجانية التعليم قراراً رسمياً من الدولة المصرية سنة 1951 فى وزارة حزب الوفد الأخيرة برئاسة الزعيم مصطفى النحاس باشا، أيضاً حينما تتحدثين عن تاريخ الجامعة لابد أن يقفز فى ذهنك اسم طه حسين الذى واجه كل ما يمس حرية واستقلال أستاذ الجامعة، كذلك حرية التفكير والإبداع لابد أن تصطدم بكتاب طه حسين «فى الشعر الجاهلى»، والذى صدر عام 1926، فقدم وقتها شيخ الأزهر بلاغاً إلى مجلس الأمة وكانت وقتها الحكومة ائتلافية يتزعمها الأحرار بقيادة عدلى يكن وحزب الوفد بقيادة الزعيم سعد زغلول وحدث اختلاف فى البرلمان، بسبب شكوى شيخ الأزهر ضد طه حسين وخاصة أنها الشكوى الأولى التى يتقدم بها شيخ الأزهر ضد كتاب صدر، ثم توالت الشكاوى من عدد كبير من أعضاء المجلس مما دفع مجلس الأمة إلى إحالة تلك الشكاوى إلى النيابة العامة، فذهبت الشكاوى إلى رئيس نيابة مصر العمومية القاضى المستنير «محمد نور» الذى حقق مع طه حسين وأصدر حكماً ببراءته لعدم ثبوت قصد جنائى بين ثنايا كتاب «فى الشعر الجاهلى» وأن ما كتبه طه حسين فى الكتاب من جمل استغلها بعض من يريدون أن يكيدوا له، وقد جاءت هذه الجمل على سبيل الاجتهاد العلمى، وعلى هذا الأساس قرر رئيس نيابة مصر العمومية محمد نور، حفظ التحقيق وعاد وقتها طه حسين إلى بيته وأسرته مكرماً وجامعته فى الوقت نفسه فى عام 1926، وبعد سنوات محدودة على وجه التحديد فى سنة 1930 طلبت الحكومة أن تعطى الجامعة الدكتوراه الفخرية لرئيس الوزراء وقتها إسماعيل صدقى باشا، فرفض طه حسين عميد الآداب أن تعطى درجة الدكتوراه الفخرية لرئيس الحكومة، فأرادوا أن ينتقموا منه، فلجأوا إلى وزير المعارف وقتها «محمد حلمى عيسى باشا»، والذى أصدر قراراً بنقل طه حسين من كلية الآداب إلى أن يكون مستشاراً فى وزارة المعارف العمومية، فرفض طه حسين تنفيذ القرار أو تنفيذ الانتداب مما جعل وزير المعارف محمد حلمى عيسى باشا بإصدار قرار نقل وليس انتداب لطه حسين من كلية الآداب فى الجامعة المصرية إلى وزارة المعارف العمومية، فرفض أيضاً طه حسين تنفيذ قرار النقل ويكون على هذا الأساس مفصول، ولكن رئيس الجامعة في ذلك الوقت المثقف الكبير أحمد لطفى السيد، الذى قدم استقالته من رئاسة الجامعة المصرية احتجاجاً على قرار وزير التعليم العالى، وبدلاً من أن يعود طه حسين عميد لكلية الآداب مرة أخرى أطلقت عليه الجرائد الوطنية حينها عميد الادب العربى، وليس فقط عميد كلية الآداب فى الجامعة المصرية، وقد كان طه حسين وقت رفضه لقرار نقله يدرس فى الجامعة الأمريكية ويحاضر بها ولقد نشرت تلك المحاضرات فى كتابه « ألوان» ومن «حديث الشعر والنثر» وما إن جاءت سنة 1937 حتى سقطت وزارة إسماعيل صدقى واعيد العمل بدستور23 الذى قرر إسماعيل صدقى بإلغائه، كما تم الغاء قرار نقل طه حسين من كلية الآداب بالجامعة المصرية إلى وزارة المعارف العمومية وعاد طه حسين إلى كلية الآداب محمولاً على الأعناق من طلابه وتلاميذه. لذلك حينما نتذكر طه حسين نتذكر قصة كفاح صعب ومرير ضد الأشياء التى نحاربها حتى الآن وهى الجهل والفقر والمرض. ** بعد هذه الرحلة الفكرية والعقلية الطويلة وسنوات المعارك الثقافية والمحن.. ماذا تقول لو قابلت الدكتور طه حسين مرة أخرى؟ أقول له إننى ومنذ قرأت كتابه «الأيام» فى مكتبة بلدية المحلة، وأنا قررت أن أسير فى طريق طه حسين، لا أنافق ولا أجامل، وأدخل فى خصومات ومعارك مع المتعصبين دينياً بلا تردد لأنهم لا يحترمون العقل على الرغم من أن العقل يحتل منزلة عظيمة فى الفكر الإسلامى، لأن الإيمان بالعقل يستدعى مجموعة من الاعتبارات وهم ليسوا فى حالة تسمح لهم بالالتزام بها. ** من وجهة نظرك ماذا يحتاج المجتمع المصرى فى لحظته التاريخية الراهنة؟ المجتمع المصرى يحتاج إلى معتزلة جدد الذين يؤمنون بالعقل وهو حجة الله سبحانه وتعالى على عبادة، وأيضاً الايمان بالعقل يجعل الإنسان يميز بين الخير والشر، وبالتالى يؤمنون بحرية الإنسان وأرادته، ويفرقون بين الخير والشر، ويحترمون الآخر ويعترفون به، ولا يميزون بين كائن وآخر الأعلى أساس من العلم. وأنا أعتقد ان الأزمة الاقتصادية التى يمر بها المجتمع المصرى الآن سوف تنتهى قريباً لأنها ستزول بعد عامين أو ثلاثة لأن ما تم من اتفاقيات استثمارية، ومن إنشاء مصانع جديدة سوف تظهر ثماره الاقتصادية على قيمة وسعر الجنية المصرى وبالتالى ستحدث انفراجة اقتصادية على حياة المصريين ومستوى معيشتهم وإلا ستحدث ثورة للمصريين مرة أخرى، وأنا أطالب المصريين بالصبر، كما أتوقع أن شعبية الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية القادمة لن تكون هى شعبيته القديمة، ولكنه سينجح لأن ثقة المصريين فى الرئيس ما زالت موجودة، وأنا شخصياً أثق فى وطنية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولكن فى رئاسته الثانية إذا لم ير المصريون نتائج ملموسة للسنوات العجاف التى عاشوها على أرض الواقع، فهذه سوف تكون النهاية ولا محالة من قيام ثور.