عندما يغيب الأمن والأمان وتنتشر الفوضى والبلطجة، ومن الطبيعى أن يسود قانون «حقى بدراعى» وبمقتضاه يبرر الكثيرون لأنفسهم الحق فى الدفاع عن أنفسهم بمواجهة البلطجية بالعنف الذى وصل أحياناً لدرجة القتل، ليجدوا أنفسهم فى النهاية أمام القانون متساوين بالبلطجية الذين يبثون الرعب فى نفوس المواطنين!! حدث هذا مع أهالى محافظة الشرقية عندما قاموا بأخذ حقهم من البلطجية نفذوا القانون الشائع الآن قانون الانفلات والفوضى ضد بلطجية أشاعوا الرعب والفزع والقتل والسرقة والنهب ليس فى ربوع المحافظة فقط، لكن فى ربوع مصر، وقتها أصبح المجنى عليهم جناة فى نظر القانون فى وقت تعدى فيه المارقون والبلطجية على القانون وعلى هيبة الدولة. «الوفد» ذهبت إلى القرية التى قام أهلها بقتل البلطجية والتمثيل بجثثهم للتعرف عن قرب على الصورة كاملة، وكانت المفاجأة أننا نعيش فى مصر محاصرين بأوكار تحوى أحدث أنواع الأسلحة المتطورة يمتلكها أعراب وبلطجية ومسجلو خطر يشيعون بها الرعب فى النفوس، وبات على الجيش والشرطة تطهير الوطن من مثل هذه البؤر لتنعم مصر بالأمن الذى غاب عنها عاماً كاملاً، فهل سيتم ذلك أم يصبح قانون «حقى بدراعى» هو القانون السائد، ووقتها يجب ألا نحاسب المجنى عليه وكأنه جان. شهدت محافظة الشرقية على مدار أقل من 20 يوماً واقعتين للتمثيل بجثث البلطجية على أعمدة الإنارة، كانت الأولى عند قيام أهالى قرية هرية رزنة مسقط رأس الزعيم أحمد عرابى، بالتمثيل بجثث ثلاث من البلطجية على أعمدة الإنارة بميدان المرور بالقرية بعد قتلهم لأحد شباب القرية بطلق نارى. والثانية عندما قام أهالى قرية الثمانين بوادى الملاك التابعة لمركز أبوحماد بالواقعة نفسها مع اثنين من البلطجية قاما بقتل مدرس من القرية بأعيرة نارية وإصابة شقيقه وذلك فى غياب تام للشرطة، وقام وقتها الأهالى بقطع طريق مصر الإسماعيلية الزراعى احتجاجاً على الانفلات الأمنى بالقرية ووقتها فقط حضرت الشرطة وعلى رأسها مدير أمن الشرقية اللواء محمد ناصر العنترى رغم تكرار شكاوى الأهالى من البلطجية الذين يحاصرون المنطقة ويقومون بالسرقة والقتل ليل نهار. وأكد مدير الأمن فى تصريحات له وقتها، تعقيباً على واقعة قرية وادى الملاك، أن ذلك يعد سلوكاً شخصياً، مشيراً إلى أن الجهات الأمنية تلقت إخطاراً من أحد المواطنين يفيد قيام الأهالى بالتمثيل بجثث البلطجية. وأضاف أن قرية وادى الملاك تعتبر من المناطق الزراعية وتبعد عن أقرب قسم شرطة بمسافة 45 دقيقة، وفور تلقى الجهات الأمنية الإخطار توجه الضباط مع فريق من إدارة البحث، ولكن لم يجدوا إلا جثة بلطجى واحد والآخر تم نقله للمستشفى فى حالة خطرة ولقى حتفه فى الطريق. وعن تكرار الواقعة فى قرية هرية رزنة بمركز الزقازيق، قال العنترى: الأمر يختلف، فالأهالى فى وادى الملاك قاموا بالتعدى على البلطجية حتى لقوا مصرعهم، ولكن فى قرية هرية رزنة قام الأهالى بتعليق البلطجية على الأعمدة وانهالوا عليهم بالضرب حتى لقى أحدهم مصرعه ونقل الآخر للمستشفى!! الانتقام النزيه! وإذا كان مدير أمن الشرقية يعتبر ما حدث سلوكاً شخصياً، فإن الدكتور عمرو الجنيدى، استشارى الطب النفسى يرى أن ما حدث هو تعبير طبيعى عن حالة الفزع والرعب وفقدان الأمان والثقة لدى الناس فى الأجهزة الأمنية، التى أصبحت عاجزة عن تحقيق الأمن فى الشارع مما دفع المواطن إلى البحث عن حل آخر فهداه تفكيره إلى أخذ حقه بذراعه، وهى رغبة عادة ما يصاحبها نوع من أنواع الانتقام ليس بمعناه السيئ ولكن يمكن أن نسميه الانتقام النزيه إذ يتخيل الفرد أنه بذلك يحقق الأمن لنفسه وأسرته وبلدته، بل إنه يستشعر بأنه يقوم بعمل بطولى ينتظر أمامه التقدير ليس من أهله والمحيطين به فقط، ولكن أيضاً من الجهات المسئولة بالدولة، لأنه يعتقد وقتها قيامه بعمل عجزت عنه الأجهزة المنوط بها ذلك عمله. وحذر د. «الجنيدى» من رد الفعل السلبى من الجهات المسئولة تجاه هذا السلوك فمن المكن أن يزيد الإحباط لديهم ويؤدى إلى مزيد من العنف والعنف المضاد والانتقام الحقيقى. بلطجة فاجرة ويرى الدكتور على مكاوى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن ثقافة حقى بذراعى ليست بجديدة على المجتمع المصرى، ولكن الجديد الآن فى طرق تأديتها وتطبيقها، ففى الصعيد تتمثل سياسة «حقى بدراعى» فى الأخذ بالثأر بعيداً عن أجهزة الدولة والجهات الأمنية، وقد انتقلت هذه العادة من الصعيد إلى كل ربوع مصر فى أيام الرئيس المخلوع عندما تفرغ الأمن لتحقيق الأمن السياسى لرموز النظام، وترك الناس ضحية للخارجين على القانون والبلطجية وأصبح على المواطن أن يحمى نفسه بنفسه، وبدأت تنتشر بين الشباب الأسلحة البيضاء وبين الفتيات البخاخات المخدرة للدفاع عن أنفسهن وبعد الثورة زاد الانفلات الأمنى وشيوع البلطجة والسرقة والنهب، وهى البيئة التى ينشط فيها الخارجون على القانون ويجدون فيها ضالتهم فى إشاعة الرعب والفزع فى نفوس الناس، والقيام بجرائم السرقة والنهب تحت تهديد السلاح، ومع تراخى الأمن لم يعد أمام المواطن إلا أن يحمى نفسه بنفسه وظهر ذلك أيام الثورة عند انسحاب الأمن بتنظيم لجان شعبية من المواطنين لحماية الممتلكات والأفراد، ومع تعاظم الانفلات الأمنى وسقوط هيبة الدولة زادت حدة البلطجة ووصلت لمرحلة الفجور إذ إنهم أصبحوا يظهرون أمام المواطنين وجهاً لوجه بكل جرأة ويهدونهم ويستولون على ممتلكاتهم، وأمام هذه الحدة فى البلطجة تغير السلوك الاجتماعى للمواطن المصرى المسالم بطبعه إلى سلوك الاعتماد على القوة، ولفظاعة ما يرتكبه البلطجية من قتل وسرقة وتهديد بالأسلحة الآلية أصبح قتل الأهالى للبلطجية والتمثيل بجثثهم نتاجاً طبيعياً لإشعار النفس بقدرتهم على أخذ حقه ولإشعار البلطجية بقسوة ما سوف يلاقونه إذا ما أقدموا على فعل مثل تلك الأفعال مرة أخرى.