حي بولاق أبو العلا، هو ذلك الحى العريق الذي شهد أحداث ثورة القاهرة ضد الاحتلال الفرنسي، ولكن ربما يغفل العصر الحديث عنه بعد تغير معالمه الآن، بينما اندثر تاريخ هذا الحى القديم، اندثرت معه أيضًا قصة بطل مصرى، قد لا يعرفه الكثيرون بالرغم من دوره العظيم في تاريخ مصر، وهو مصطفي البشتيلي. يعود أصل مصطفى البشتيلى إلى قرية بشتيل بمحافظة الجيزة، وعندما احتل الفرنسيون مصر عام 1798 كان البشتيلي تاجرًا ثريًا يمتلك "وكالة" لبيع الزيوت في بولاق أبو العلا، ويعيش حياة مرفهة مع أسرته. قرر البشتيلى أن يقاوم الاحتلال الفرنسى، فشرع يخزن البارود في براميل الزيت استعدادًا ليوم الثورة، ثم وشى به بعض جيرانه للسلطة الفرنسية، التي أمرت بتفتيش الوكالة، ووجدوا البارود فى مخازنه بالفعل، فألقى القبض عليه، وزج به في السجن بضعة أشهر ثم أطلق سراحه. كان من الممكن لمصطفى البشتيلي عندئذ أن يبتعد عن المشاكل ويعكف على تجارته المربحة، لكنه كان مصرًّا على مقاومة الفرنسيين. في مارس عام 1800، عندما اندلعت ثورة القاهرة الثانية ضد الجيش الفرنسي تحول مصطفى البشتيلي إلى زعيم حقيقي يمد الثوار بالأسلحة، وينفق من ماله لتلبية احتياجاتهم، ويقودهم بنفسه في غاراتهم المستمرة على معسكرات الفرنسيين. وفى هذه الآونة كان نابليون بونابرت قد عاد إلى فرنسا، وترك قيادة الحملة للجنرال كليبر، الذي فوجئ بضراوة الثورة فعرض على المصريين الثائرين الصلح ولما رفضوا شن الجيش الفرنسي هجوما كاسحًا على القاهرة، استباح خلاله قتل المصريين وسبي نسائهم ونهب أموالهم ومتاعهم، وقد انهمرت القنابل الفرنسية بغزارة فأحرقت حي بولاق بالكامل وأحياء أخرى كثيرة في القاهرة. وفي النهاية تمكن الفرنسيون من إخماد الثورة المصرية، وفر مصطفى البشتيلي هربًا من الفرنسيين لكنهم نجحوا في القبض عليه، وهنا كانت نقطة التحول. حدثت واقعة مأساوية وفريدة من نوعها، إذ لم يرد الجنرال كليبر أن يصدر قرارًا بإعدام مصطفى البشتيلي حتى لا يتحول إلى بطل في نظر الشعب المصرى، فطلب من جموع المصريين في بولاق أن يعاقبوا البشتيلي بأنفسهم لأنه حرضهم على الفتنة التي أدت إلى إحراق بيوتهم وقتل أقاربهم وسبي نسائهم. وحمَل الجنرال كليبر، البشتيلي، المسئولية كاملة عن كل الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي لاخماد الثورة، ولكن الغريب فى الأمر أن المصريين اقتنعوا بهذا المنطق الشاذ، واتخذوا قرارًا أن تكون عقوبته "التجريس". والتجريس هو عقوبة قديمة يتم فيها إجلاس الشخص المعاقب على الحمار بالمقلوب ثم يطوف بالشوارع فيبصق الناس على وجهه ويصفعونه ويشتمونه، وهذا ما فعله بالضبط المصريون فى بطلهم مصطفى البشتيلي، ثم انهالوا عليه ضربًا بالنبابيت حتى قتلوه نهائيًا.