رغم الاحتفالات الشعبية الواسعة التي شهدتها ليبيا في الذكرى الأولى لثورة 17 فبراير التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي, إلا أن هناك مخاوف واسعة من مخططات أنصار النظام السابق الهادفة لإشعال حرب أهلية في البلاد على خلفية تردي الأوضاع الأمنية وانتشار فوضى السلاح. وكانت وزارة الداخلية الليبية أعلنت حالة الطوارئ القصوى بالتزامن مع انطلاق الاحتفالات بالذكرى الأولى لثورة 17 فبراير, وأكدت في بيان لها أن قوات الأمن وكتائب الثوار لن يسمحوا لكل من تسول له نفسه المساس بالأمن وإشاعة الفوضى والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم وبث الشائعات المغرضة. وأبلغ أحد المسئولين الأمنيين وكالة "يونايتد برس انترناشونال" أن بيان الداخلية الليبية جاء ردا قويا على مؤيدي النظام السابق الذين يسعون لزعزعة الأمن خلال الاحتفالات بهذه الذكرى. وفي السياق ذاته, توعد رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبد الجليل بالرد بقوة على أي جهة تهدد استقرار البلاد, متعهدا ببناء "الدولة الدستورية المدنية الموحدة". وقال عبد الجليل في كلمة بثها التليفزيون الليبي بمناسبة الذكرى الأولى لثورة 17 فبراير:" إن ليبيا متسامحة مع الجميع وخاصة أولئك الذين لم تتلوث أيديهم بدماء الليبيين ولم يسرقوا المال العام"، محذرا أي شخص يحاول زعزعة استقرار ليبيا من "عواقب وخيمة". وأضاف" فتحنا أذرعنا لجميع الليبيين سواء أكانوا قد أيدوا الثورة أم لا"، لافتا إلى أن السلطات الحاكمة تقف على مسافة متساوية من جميع الليبيين. وتابع عبد الجليل" هذا التسامح لا يعني أن المجلس الوطني الانتقالي سيساوم على استقرار البلد وأمنها"، مشيرا إلى أن المجلس سيكون حاسما مع أي جهة تهدد الاستقرار في ليبيا. واللافت إلى الانتباه أن تصريحات عبد الجليل جاءت متزامنة مع قيام مجموعة مؤيدة للقذافي اسمها "الحركة الشعبية الوطنية" بنشر بيان على الإنترنت أكدت فيه أن أوضاع ليبيا تزداد سوءا، وتحدثت عن أنصار للعقيد الراحل ينظمون أنفسهم خارج البلاد في حركة سياسية جامعة تشمل كل الليبيين. بل إن الساعدي القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ظهر على وسائل الإعلام في 10 فبراير وذلك للمرة الأولى منذ مقتل والده ليؤكد أيضا أنه سيعود إلى بلاده في أية لحظة. ودعا الساعدي في تصريحات لقناة "العربية" من مقر إقامته في ميامي عاصمة النيجر أنصاره للاستعداد لانتفاضة مسلحة ضد المجلس الوطني الانتقالي، متهما إياه بأنه "غير شرعي"، وليست لديه القدرة على السيطرة على ما سماها "الميليشيات والعصابات" التي تحكم بلاده. وأكد في هذا الصدد وجود العديد من الأنصار له داخل وخارج ليبيا وأنه سيعود قريبا إلى بلاده، موضحا أنه لا يتعرض لأي ضغوط في النيجر من أجل تسليمه للمجلس الانتقالي، داعيا إلى وقف ما سماها عملية سرقة أموال الشعب الليبي. ورغم أن محاولات أبناء القذافي الفارين خارج ليبيا لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء تبدو مستبعدة, إلا أن هذا لا ينفي أنهم يشكلون خطرا كبيرا على ثورة 17 فبراير, خاصة في ظل عدم اعتقال عبد الله السنوسي مسئول المخابرات والرجل القوي سابقا في النظام السابق والذي تردد أنه فر إلى شمال مالي ويتآمر من هناك لإحداث قلاقل في لبيبا. ويبدو أن الأوضاع المتدهورة في ليبيا تشكل أيضا فرصة مواتية لأنصار نظام القذافي لتهديد ثورة 17 فبراير بقوة, حيث كشف وزير المالية الليبي حسن زقلام في مقابلة مع تليفزيون "ليبيا الحرة" الرسمي قبل أيام أنه لن يرضى أن يكون "طرطورا" في وزارته وهو يرى مليارات بلاده تهرب إلى الخارج, قائلا :" لا يشرفني العمل في هذا المكان لأنه خيانة لليبيا، وأنا نادم على مطالبتي بالتسريع بالإفراج عن الأرصدة المجمدة في الخارج (200 مليار دولار)، لأن الجزء السائل الذي وصل منها جرى تهريبه إلى الخارج، وأصبحت ليبيا محطة عبور فقط لهذه الأموال". وبجانب قضايا الفساد, فقد أوقفت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية لحقوق الإنسان مؤخرا عملياتها في مدينة مصراتة بسبب عمليات القتل والتعذيب المرعبة التي تمارسها ميليشيات الثوار ضد المعتقلين من أنصار القذافي، أما منظمة العفو الدولية فتحدثت عن أكثر من ثمانية آلاف معتقل في سجون مؤقتة تحت إشراف هذه الميليشيات يتعرضون لمختلف أنواع التعذيب والقتل، كما تحدثت منظمات حقوقية وإنسانية أخرى عن مقتل العشرات، وربما المئات من أبناء تاورغاء بسبب بشرتهم السوداء واتهامهم بالولاء للنظام السابق. واللافت إلى الانتباه أن قضايا الفساد والتعذيب تتزامن مع حالة من عدم الرضى الشعبي على أداء المجلس الانتقالي, بالإضافة إلى انتشار الأسلحة على نطاق واسع واندلاع اشتباكات متقطعة بين مجموعات الثوار السابقين , بل وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أيضا في 18 فبراير أن المجلس الانتقالي يعاني من حالة انقسام وتناحر داخلي ومنقسم إلى فصائل وجماعات, قائلة :" كل فريق يعمل ضد الفريق الآخر". والخلاصة أن هناك تحديات لا حصر لها مازالت تهدد ثورة 17 فبراير وعلى رأسها التردي الأمني, ولذا لا بديل عن الإسراع بدمج الثوار السابقين في الجيش الوطني الليبي الجديد لإنهاء فوضى السلاح التي يستغلها أعداء البلاد في الداخل والخارج.