لم أصدق ما تردد عن تهجير بعض الأسر المسيحية من قرية بمدينة العامرية في الإسكندرية، واندهشت جدا من الخبر عندما أعلنه الناشط السياسي عماد جاد فى برنامج مصر تقرر الذي يقدمه الكاتب المميز محمود مسلم على قناة الحياة الثانية، حتى إن نائب الإخوان كذب الواقعة جملة وتفصيلا بسبب شذوذها، عماد جاد أكد لمسلم على الهواء مباشرة أن بعض قيادات الإخوان والسلفيين اجتمعوا في قسم شرطة العامرية، حضر الاتفاقية على ما أذكر مأمور القسم ورئيس المباحث، وقال إن قسيس القرية أجبر خلال الجلسة على قبول هذا الاتفاق العرفي، وقيل له: إن عملية التهجير خوفا على حياة الأسر المسيحية، وفهمت يومها مما حكاه جاد أن عدد الأسر ستة، وأن سبب عملية التهجير نشوب خلاف بين المسلمين والمسيحيين في القرية بسبب علاقة (عاطفية أو غير شرعية) نشأت بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة. بعد انتهاء حلقة «برنامج مصر تقرر» اتصلت بالصديق محمود مسلم وهنأته على الحلقة، خاصة أن مسلم بهدوء شديد وحياد تام، بعيدا عن ضجيج وصخب وفذلكة اعلاميي التوك شو، يدير حوارا جادا حول القضايا، خلال المكالمة أكدت لمسلم أهمية القضية التي أثارها عماد جاد، وطلبت منه أن يرسل مساعديه إلى القرية وإعداد تقرير عن المشكلة، لأنه ليس من المقبول بالمرة أن ندفع بعض الأسر إلى الهجرة من مسكنها وقريتها بسبب علاقة بين شاب وفتاة. فى اليوم التالى اتصلت بأحد الأصدقاء وتحدثنا فى الواقعة، ووعدنى بتوفير صورة من محضر الاتفاقية التى تمت فى قسم الشرطة، وبالفعل أوفى بوعده: « بسم الله الرحمن الرحيم .. محضر صلح .. انه في يوم الأربعاء 1/2/2012، تم الاتفاق بين كل من: اللجنة وهم: عصام مسولينى، وأحمد جلال، وخالد الرقاص، وخالد فاروق، وعبدالحليم حميدة، وحسين أحمد صالح، ورأفت مسولينى، وهم وسطاء بين الطرف الأول وأهالي النهضة لحل الإشكال والنزاع القائم وذلك على البنود التالية: 1 خروج أبو سليمان من المنطقة من باب درءا للمفسدة وحفاظا على حياته هو وأولاده. 2 تتحمل اللجنة مسئولية إحضار مشترين للمنازل الخاصة بأبى سليمان خلال ثلاثة شهور، وتتحمل تحصيل مبالغ الكمبيالات الخاصة بأبى سليمان عن طريق وكيل له بمكان محدد، وتساعده اللجنة في ذلك. 3 في حالة حضور مشترين عن طريق أبو سليمان يتم تسليم المنزل للمشترى وذلك مسئولية اللجنة وحماية ممتلكات أبو سليمان حتى البيع. 4 الرجوع في أمر البيع والشراء والتثمين يتم برئاسة الشيخ شريف الهوارى على معيار متوسط ثلاثة منازل فأكثر بسعر المنطقة. 5 المحكمون يتولون التحري وبذل الجهد فى معرفة الجاني والمجني عليه ومعرفة مقادير الإصابات حسب الأحكام الشرعية، وكذلك التوصل إلى الفاعل الحقيقي فى عملية إتلاف ممتلكات أبو سليمان وغيره، ويقوم بذلك المحكمون برئاسة الشيخ شريف الهوارى. 6 فى حالة إخلال اللجنة بمسئوليتها السالفة يتم تسليم المنازل للطرف الأول دون اعتراض من أحد... تم ذلك فى حضور الموقعين أدناه: 1 الأستاذ نادر مرقص، 2 حسين مصطفى حسين، 3 أسفارون خليل سليمان أبو سليمان، 4 الأستاذ بشاي رسمي بخيت، 5 القمص بقطر رشيد، 6 محمد عمران عبدالمجيد، 7 إبراهيم عبدالفتاح، 8 عصام مسولينى، 9 احمد جلال، 10 خالد الرقاص خالد، 11 أبوبكر الجرارى، 12 حسن أحمد». هذا هو نص المحضر الذي تم على أساسه تهجير الإخوة المسيحيين من ممتلكاتهم بقرية البيضة التابعة لمدينة العامرية بالإسكندرية، وقد تم تحرير درءا للمفسدة، ويفهم من البند الخامس ان اللجنة أعطت لنفسها سلطة التحري وكشف الجاني، ويتضح من البند ذاته أن اللجنة ستحتكم إلى الشريعة وليس القانون فى تقدير الإصابات. لن أخفى عنكم انزعاجي الشديد، وأظن أننا أمام عدة أسئلة علينا التوقف أمامها بشكل سريع، أولها: كيف يحدث هذا في مصر؟، ومن الذي أعطى لأعضاء الإخوان والسلفيين حق عقد اتفاقات من شأنها تهجير بعض المواطنين من ممتلكاتهم؟، وهل مصر ستدار بعيدا عن الدستور والقانون؟، هل مصر في ظل الأغلبية الحالية ستحكم بالجلسات العرفية؟، هل سيصبح من الطبيعي تهجير الأسر المصرية المسيحية من ممتلكاتها؟، هل ننتظر أن تتطور عمليات التهجير من التهجير القسرى الداخلي إلى النفي خارج الوطن؟، أين اختفت الحكومة؟، وما هو موقف وزارة الداخلية من قيادتها فى العامرية؟، وهل المجلس الحاكم العسكري يوافق على هذه الكارثة؟.