رحل عن عالمنا منذ ساعات قلائل الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن بعد معركة شرسة مع المرض عن عمر يناهز 76 عامًا. لم يكن كاتبنا الكبير مؤلفًا عاديًا يكتب ما يجول بخاطره، أو قاصِ يروي لنا ما يحلو له من قصص من وحي خياله الواسع فحسب، وإنما هو حالة إبداعية خاصة، يملك العديد من الخلفيات الثقافية والتاريخية فلديه موسوعة قصص كبيرة عن حياة الفنانين والفنانات بجانب الأعمال التاريخية التي يؤرخ فيها طبيعة الحياة في عهد الخديوية. يعتبر هذا الراجل عاشق لتراب بلده وهو ما تجلى واضحا في كتاباته الأدبية، كما كان لديه إصرار وعزيمة على رصد حضارة وتاريخ مصر في أعماله الدرامية كي يتعرف عليها أكثر الأجيال الجديدة والمتعاقبة التي لم تعيش هذا العصر. فوصف جمال مصر واستعرض مظاهرها الاقتصادية والاجتماعية في عهد الخديوية في رُباعية "بوابة الحلواني" للفنانين عزت العلايلي وعلي الحجار ، كما قدم مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في فيلم "ناصر 56" الذي قام ببطولته الفنان الراحل أحمد زكي. واستعرض محطات السيدة أم كلثوم في فيلم "كوكب الشرق" التي قامت ببطولته فردوس عبد الحميد وفي مسلسل "أم كلثوم" الذي اعاد اكتشاف الفنانة صابرين من جديد، ويعتبر من أهم المسلسلات التي تنتمي لنوعية "السيرة الذاتية". كما قدّم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الإنسان الذي لا يعرفه الكثير في فيلم "حليم" ليختم تاريخ النجم الأسمر أحمد زكي في مجال الفن، وانضم البطل سليمان الحلبي وعنترة لمؤلفاته ليكون بمثابة موسوعة أدبية. "عشقه للتاريخ" لم يأتِ من فراغ، فقد درس ليسانس التاريخ من كلية آداب جامعة القاهرة عام 1960، فإزداد عشقًا له وراح يردد مقولته الشهيرة أينما ذهب ورحل "لا شيء يهدي الأمم مثل استيعابها لتاريخها". لم تقتصر كتابات الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن على الشخصيات التاريخية، إذ أبدع في تقديم روايات تحمل أفكارًا تنويرية، منها مسلسلات "أهل الهوى"، و "قابيل وقابيل"، و "ساعة ولد الهدى، و "ليلة سقوط غرناطة"، و"الزير سالم". نجح الكاتب الكبير في توسيع شعبيته وقاعدة معجبيه العريضة لتشمل الأطفال، وذلك بعد أن قدّم مسرحية "السندباد البحري" عام 1978، وباتت تلك الرواية من القصص المحببة لدى الأطفال قبل النوم. لم تتوقف إبداعات محفوظ عبد الرحمن عند محطة الدراما والسينما، بل له باعة طويلة مع المسرح الذي تأثر به منذ أن كان طفلًا صغيرًا ووالده الذي كان يعمل ضابطًا بالشرطة يصحبه معه ليشاهدا مسرحيات نجيب الريحاني، حيثُ قدّم عددًا من الأعمال المسرحية التي حملت إسقاطات سياسية كما رأينا في مسرحية "محكامية السيد ميم"، و"احذروا"، و "الحامي والحرامي"، و "عريس لبنت السلطان"، و "حفلة على الخازوق"، و "ليلة من ألف ليلة وليلة". كان الكاتب الكبير يتابع عن كثب المشهد السياسي في الشارع المصري، بعين ناقدة وأديب مفكر مُلم بتاريخ العرب، فأدلى برأيه في ثورات الربيع العربي بكل موضوعية وحيادية، فكان يرى أن الثورات تحتاج مزيدًا من الوقت كي تحقق أهدافها. عمل فى دار الهلال ووزارة الثقافة في دار الوثائق التاريخية، وسكرتير تحرير في إصدار ثلاث مجلات متوالية "مجلة السينما، مجلة المسرح والسينما، مجلة الفنون"، وعمل في الفترة من 1974 إلى 1978 فى تليفزيون الكويت، وقدم فيها العديد من الأعمال القيمة، واستقال من وزارة الثقافة عام 1982 وتفرغ للكتابة، وتزوج من الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز. حصل الكاتب الكبير على العديد من الجوائز والأوسمة الهامة منها جائزة الدولة التشجيعية، وأحسن مؤلف مسرحي من الثقافة الجماهيرية، الجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل أم كلثوم، جائزة الدولة التقديرية فى الفنون2002، جائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة والتليفزيون، كما كرمه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته التي انعقدت عام 2012.