قال عنه الإمام الشافعى، رحمه الله، «إمام فى ثمانى خصال: إمام فى الحديث، إمام فى الفقه، إمام فى اللغة، إمام فى القرآن، إمام فى الفقر، إمام فى الزهد، إمام فى الورع، إمام فى السُنة». إنه الإمام أحمد بن حنبل، أحد الأئمة الأربعة، صاحب محنة «خلق القرآن»، الملقب بإمام أهل السنة والجماعة، والذى أصبح سلوكه خلال المحنة دليلاً على التمسك بمنهج السلف. ورسمت مواقفه وآراؤه المعالم الأولى للمنهج السلفى فى التاريخ الإسلامى؛ حيث تمسك بمنهج أهل السُنة فى الاستدلال بالكتاب والسُنة وأقوال الصحابة. رُوى عنه أنه بات ليلة يبكى، فلما سُئل عن بكائه، قال: «ذكرت ضرب المعتصم إياى ومرَّ بى فى الدرس قوله تعالى: «وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله» فسجدت وأحللته من ضربى فى السجود». ولما جاءه من يسألونه فى محنته الخروج على الخليفة العباسى «الواثق» نهاهم عن ذلك، وقال عليكم بالإنكار فى قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشتتوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا فى عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر، هذا ليس صواباً، هذا خلاف الآثار». ولكن واقع الحركات السلفية خاصة الجهادية لم يعكس أبداً قيم وروح ابن حنبل الذى أوذى وسجن وعذب وجلد، ومع ذلك أنكر على أصحابه شق وحدة المسلمين ورفض سفك الدماء، وعفا وأحل من أذاه. فطاعة ولى الأمر واجبة حتى ولو كان فاجراً فاسقاً، والثورة عليه منكر لما تجلبه من الأخطار، وتعطله عن مصالح الناس فى حياتهم اليومية. والدعوة السلفية هى نسبة إلى السلف، والمقصود بهم فى الاصطلاح أهل القرون الثلاثة الأولى، استناداً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتى من بعد ذلك ناس يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون ويكثر فيهم الكذب». وإذا كان الإمام أحمد بن حنبل فى محنته رسم إطارها العام، فقد جاء «ابن تيمية» الملقب بشيخ الإسلام ليضع قواعدها. وعلى هذا المنهج نشأ التيار السلفى فى مصر، وتبلورت معالمه مع بداية السبعينات، وتنوعت تنظيماته فيما عرف بالسلفية العلمية، والسلفية الجهادية، والسلفية الحركية، والسلفية المدخلية، وعلى الرغم من خلافاتهم المنهجية تجاه العديد من القضايا، لكنها توافقت جميعا على حرمة المشاركة فى العمل السياسى والانتخابات باعتبارها حكمًا بغير ما أنزل الله تعالى. ومع ثورة 25 يناير تغيرت وتحولت المواقف، واعتبر السلفيون أن الفرصة مواتية لتطبيق منهجهم الفكرى عبر الوصول إلى السلطة، وبالفعل شكلوا العديد من الأحزاب، وكانت المفاجأة حصول الأحزاب السلفية تحت اسم تيار الكتلة الإسلامية الذى ضم أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية على 25٪ من إجمالى مقاعد مجلس النواب فى انتخابات 2011، فى مفاجأة غيرت ملامح الخريطة السياسية فى مصر. وفى أعقاب ثورة 30 يونيه، اختفت الأحزاب السلفية من المشهد، ولم يحصل حزب النور فى انتخابات 2015 إلا على 2٪ من إجمالى مقاعد مجلس النواب. «الوفد» تناقش فى هذا الملف ملامح التحول لدى التيار السلفى، وصعوده المفاجئ، وهبوطه القاسى، وصراعاته التى تهدد وجوده المستقبلى. إقرأ آيضاً «الدعوة السلفية» من عتمة الشوارع الخلفية إلى شمس «ميدان التحرير» «المدخلية».. تكفير الإخوان وتحريم تصويت على النساء «النور».. من الصعود السريع إلى السقوط المريع بين «يناير» و«يونيو» الجبهة السلفية.. السقوط فى عباءة الإخوان 3 شيوخ .. ومصائر متضاربة