المشهد الذى تمر به مصر الان يعبر بدون تحليلات سياسية معقدة عن مؤامرة كبرى على الثورة المصرية ، وهى بالاساس مؤامرة على مصر ورغبة فى عدم استقرار مصر وعدم تقدمها للامام ، واصحاب تلك المؤامرة يدركون جيدا ان الثورة لو اكتملت سوف تخلق مجتمعا جديدا ودولة فى طريقها للتقدم ، مما قد يصطدم مع مصالح اقطاب تلك المؤامرة !! وللبحث عن المستفيدين من تلك المؤامرة خارجيا وداخليا اصحاب المصالح المشتركة يتضح الصورة ويكون التعامل معها بشكل حقيقى دون البحث عن مجهول ، اننا امام سيناريو تم وضعه بعناية فائقة لتحقيقة فى توقيت معين ، فالتوقيت والكيفية فى نظرية المؤامرة اساس نجاحها ، فالتوقيت نجاح التجربة الانتخابية لمجلس الشعب ومطالبة مجلس الشعب بفتح جميع الملفات فى محاكمة النظام السابق والمطالبة برحيل المجلس العسكرى الحاكم ، وانتخاب رئيس مدنى ، والمطالبة بمحاكمة قتلة المصريين فى عدة احداث ، فاحداث فوضى فى ذلك الوقت تعنى الانقلاب على استمرار التجربة الانتخابية وربما الانقلاب عليها باحداث حالة من العداء المجتمعى بين مجلس الشعب المنتخب وعدم قدرته على تحقيق المطالب الشعبية ، وبين الشعب الذى اختاره من اجل ذلك !! وبالتالى التصادم بين الاخوان المسلمين والثوار من ناحية وبين المجلس العسكرة والاخوان من جهة اخرى . العدالة الاجتماعية : ان اهم هدف للثورة المصرية هو تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق الطبقية حيث ان السبب الرئيسى للثورة دون شك هو الفقر يليه البطالة ثم عدم وجود هدف قومى للشباب ، وتحقيق العدالة الاجتماعية له اسس وطرق معروفة وتجارب دولية وليست من اختراع اليوم فقد سبقت مصر دولا كثيرة تحركت فى هذا المجال لايمانها ان استقرار اى مجتمع الا بتحقيق الا بتوفير قدر من العدالة والقضاء على تجاهل قطاع الغالبية من الشعب ، ويتأتى ذلك بالقضاء على الفساد وعدم سيطرة اصحاب روؤس الاموال على المجتمع وتسخيره فى تحقيق اهداف للاقليه ، وفرض قواعد نقل الثروة من ايد الى ايد اخرى ، وعدم تمركزها فى ايدى معينة فقط واستخدام قوانيين الدولة فى تحقيق تضييق تلك الفوارق باقتطاع جزء من ارباح الاغنياء وتحويله الى دعم الفقراء بالرضا ، لانه يحقق الامن للاغنياء ولا يؤثر على تراكم ثرواتهم ، فاى مجتمع لابد من وجود الاغنياء والفقراء ، لكن فى حدود توفير الاحتياجات الاساسية للحياة من مأكل وملبس ومسكن ، وهى ضروريات لابد من توفرها حتى يشعر الانسان بقيمته وانه غير مهان وله كرامة ، ويسخدم نظام الضرائب بانواعها ومنع الاحتكار وادارة الدولة للسيطرة على السوق فى تنظيم تلك المعادلة ، وهذا ما ينتظره الشعب المصرى بعد الثورة ، فمازال تأثير الثورة لم يصل بعد الى الغالبية والسبب معروف فى عدم الاستقرار والاضطرابات والصراعات السياسية وتلك الاحداث تزيد الفقراء معاناة ويأسا واحباطا ولا تؤثر كثيرا على الطبقة التى خرجت من الثورة " اتباع النظام السابق " بثروات طائلة ، لكننى استغرب من امرا هاما وهو ان فى خلال فترة حكم مبارك كان هناك فسادا ماليا غير مسبوق وسيطرة بعض رجال الاعمال على كافة ثروة مصر ونهبوا المليارات وتعدوا بالسلب على ممتلكات الدولة للاراضى والعقارات وغيرها ، وها نحن بعد عام كامل من الثورة ولا نعرف اين ذهبت تلك الاموال التى كانت تسرق والمفترض انها تدخل ميزانية الدولة وحجمها كبير للغاية اذا ما ثبتت الارقام عن الاموال المنهوبة سنويا فى مصر من رجال الاعمال واعضاء الجزب الحاكم سابقا ،اين تذهب تلك الاموال ؟ وخاصة ان ايرادات الدولة الاساسية مثل ايراد قناة السويس مثلا قد زاد فى عام الثورة ، وايضا شركات التصدير قامت بحجم معاملات خارجية اكبر مما يعنى انها دفعت اكثر الى الدولة ، والانتاج فى المحاصيل الرئيسية قد زاد مثل القطن مثلا وغيرها ،فلماذا هذا الخلل والعجز الكبير فى الموازنة ؟ واذا كانت الحجة هى رفع الرواتب والتعيينات الجديدة فهذا لا يمثل الا ندرا من حجم الاموال التى كانت تسرق وتنهب سنويا ، واذا كانت المحصلات للضرائب قد تأثرت فانه من المعروف ان الفقراء فى مصر هم الذين كانوا يدفعون الضرائب وليس الاغنياء ، واخيرا السياحة فلم تمثل الا نحو اربعة مليارات فى السنة وهو رقم ضعيف بالنسسبة لدولة تمتلك ثلثى اثار العالم فلا يجب ذكره خجلا ، فلماذا لم يظهر اثر الاموال التى المفترض انها لم تسرق ؟ والا يعتبر الفساد مازال موجودا وبطرق واشخاص جدد او عدم القدرة على ادارة الدولة اقتصاديا !!!! الحرية : الهدف الثانى للثورة هو الحرية ،حرية التعبير والتفكير وابداء الراى ، سواء سياسيا او ثقافيا ، وهذا تحقق بدرجة كبيرة فالمتابع للاعلام المرئى او المقروء وحتى المسموع بالفعل يشعر بان هناك حرية ربما تصل الى درجة الحرية المطلقة الغير مقيدة ، فيستطيع اى اعلامى ان يتحدث ويعرض ارائه كيفما يشاء ، بل اننى صراحة اجد ان الحرية فى ابداء الراى موجودة ايضا فى القنوات الاعلام الحكومى ، وهذا كان محرما فى النظام السابق ، لكننى اشعر بان تلك الحرية تحولت من هدفها السامى الراقى فى حرية التعبير واحترام الراى الاخر ، الى كثرة الاشائعات واحاديث غير مسؤلة ومتحدثين على غير المسؤلية الوطنية ، والكل يسعى فقط الى تحقيق اعلى نسبة مشاهدة وجذب الجمهور ، وهذا درسا لتجربة الحرية الاعلامية ، فاذا اتفقنا على لابد من تواجد قدرا من الحرية فانها ايضا لابد ان تراع ظروف الدولة وتماسك المجتمع وعدم شر الفتنه والاثارة ، وعدم نشر العداء المجتمعى ، فتتحول الحرية الى سلاح فتاك ولا يؤدى غرضه !! ولذلك ارى ان يتم تحديد الحد الاقصى لتلك الحرية وان يكون هناك رقابة حكومية مسؤلة حتى يخرج المجتمع من تلك الحالة اللعينة التى يدسون فيها النخب والاعلاميين السم فى عقول المصريين بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، الرقابة لا تعنى الحجر او الكبت للاراء وانما فى التنظيم والرقابة الاخلاقية للمجتمع فلا تكون كاننا نجلس على قهاوى او منتجع يبوح كل شخص بما ريد دون مسؤلية ، فالاعلام يصل الى كل بيت مصرى وكل كافة الاشخاص وله تأثيره الخطير فى التهدئة او الاثارة والعداء والفتنة بل اننى اطلب اكثر من ذلك ، اذا تعدى اى اعلامى او متحدث على هيبة الدولة او كان مسيئا للاخلاق او الاديان يعاقب بعدم الظهور لفترة واذا تكرر يعاقب بالمنع الدائم وتعاقب القناة التى تستضيفه ، وبالتالى يخرج المجتمع سالما التفكير من مئات القنوات الموجودة فى مصر ، فكان علينا ان نتعلم من الفترة السابقة من القهر والمنع وعدم الحرية فى الانتقال الى الحرية المسؤلة وليست الهمجية والعدائية وان يكون القائمين على تلك القنوات على قدر المسؤلية المجتمعية ، وبخصوص ذلك اضرب مثلا باعلامى له قناة يجلس بالساعات يتحدث عن الخرافات السياسية وينشر السم بل انه يحرف التاريخ ويتدخل فى الدين ، وغيره وقد عوقب بالمنع لمدة 15 يوما من الظهور ثم مازال مستمرا فى هذا الاستخفاف بالمجتمع ، فهل هذا يعقل ؟ تحقيق الحرية والعدالة يعتبر النور الذى سوف يسير عليه المصريين الاحرار بعد الثورة العظيمة ، ولابد من التكاتف والاتفاق على الاساسيات والمصلحة العامة للوطن ، وان يكون خلافنا فى الرؤى هو فى الاساس مسخر فى هدفنا القومى فى خدمة المجتمع ونقل مصر من مرحلة لاخرى وليس الاختلاف هدفا لتحقيق الظهور والمصلحة الشخصية .