كيف يرى الأميركيون، الشريك الفاعل الأكبر لمصر حتى الساعة عسكريا واقتصاديا، صعود الإسلام السياسي مراتب الحكم ووصوله إلى السلطة التشريعية في البلاد؟. تظهر ردود الأفعال الأميركية أن هناك تضاربا كبيرا في المواقف بين ما هو حكومي رسمي، وما هو يميني متطرف، وأكاديمي تنظيري، وإعلامي محلل ومدقق. على أنه إذا تجاوزنا الخلاف الذي ظهر على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب منع السلطات المصرية لعدد من نشطاء المجتمع المدني الأميركي في القاهرة من السفر، ومن بينهم ابن وزير النقل الأميركي، لرأينا زخما أميركيا رسميا، وصفه البعض بأنه ارتماء للإخوان في الأحضان الأميركية، وبمباركة رسمية من الرئيس الأميركي باراك أوباما.. كيف ذلك؟. الشاهد أن تصريحات وكيل وزارة الخارجية الأميركية "روبرت هورماتس"، والتي أشار فيها إلى أن واشنطن تريد تقديم المزيد من المنافع الضرورية للمصريين، تكشف عن رغبة أميركية عاجلة وصارمة، في أن تجد لها موطئ قدم في الخريطة المصرية الجديدة. وبموجب خطة إنقاذ أميركية عاجلة لمصر، فإن بعض المساعدات غير العاجلة المقررة لدول أخرى، ستجد طريقها إلى مصر، كما أن التمويل المخصص لبرامج طويلة الأجل في مصر، سيحول إلى مشروعات ذات تأثير سريع. وإلى جانب ذلك، هنالك أحاديث شبه علنية في كواليس الكونغرس الأميركي، عن احتمالات توقيع اتفاقية تجارة حرة بين القاهرةوواشنطن، وهي الورقة التي لوحت بها واشنطن طويلا لمصر، وربما حان وقتها. غير أن هذا لا يعكس وجود مستويات أخرى من النظر تراوح بين الهجوم الشرس، والرؤية المشككة لإسلاميي مصر. على سبيل المثال، كتب "دانيال بايبس" رئيس منتدى الشرق الأوسط، والمعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، مؤخرا تحت عنوان "لا تتجاهلوا التزوير في الانتخابات المصرية"، يقول إنه "إذا كان أنور السادات وحسني مبارك قد مكنا الإخوان المسلمين من البرلمان كاستراتيجية لكسب المال والأسلحة والمساندة الغربية، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والمشير طنطاوي، مازالوا يلعبون نفس اللعبة القديمة"، ويؤكد على وجود صفقة بين الإخوان والعسكر، تمت بموجبها الانتخابات التشريعية الأخيرة. أصوات أكاديمية بدورها، بدا وكأنها رافضة لهذا الصعود، غير أنها غلفت موقفها في أطر تحليلية واقعية سياسية. من بين تلك الأصوات "أوليفر روي" الأستاذ في معهد الجامعة العربية في فلورنسا، والخبير في شؤون الإسلام السياسي. فعبر صفحات "واشنطن بوست"، يؤكد على أن "الإخوان المسلمين في كل صوب يجنون ثمار الديمقراطية التي لم يتسببوا في حدوثها". وإذا كان الخوف في الشارع الغربي عامة والأميركي خاصة من "شبح قيام دولة إسلامية، تفرض مبادئ الشريعة وتقوض أصول الديمقراطية"، فإن "إوليفر روي" يرى أن التغيرات التي تعتري الإسلاميين، مرجعها أنهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى البرجوازية، واستفادوا بصورة كبيرة من تحرير الاقتصاديات المحلية خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين. هل تعني رؤية "أوليفر روي" أن هناك تغيرا ستراه مصر في تعاطي الإسلاميين مع الواقع المحلي والإقليمي من جهة والدولي من ناحية ثانية، لاسيما بعد تيقنها من فشل الأنظمة الإيديولوجية ومن نجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا؟. ربما يكون ذلك في حقيقة الأمر صحيحا إلى درجة كبيرة، وخير دليل عدد من مواقف الإسلاميين الجدد، إن جاز التعبير، الذين أدركوا أن هناك قيودا جيوستراتيجية تمثل خطوطا حمراء، والاقتراب منها كفيل بإفشال تجربتهم قبل أن تبدأ، وفي مقدمتها الحفاظ على السلام مع إسرائيل. والحادث أن صعود الإسلاميين بات حقيقة، كما يشير تقرير منظمة "هيومان رايتس" الأخير للعام 2012، وأن على الغرب القبول بالواقع الجديد، خاصة وأن تجاهل الشعبية المتنامية للأحزاب الإسلامية في المنطقة يشكل انتهاكا للمبادئ الديمقراطية، إلا أن هذا الاعتراف في حقيقته مشروط، وغير مطلق. وعند المدير التنفيذي للمنظمة "كينيث روث"، أن "التصالح مع الأحزاب الإسلامية لا يعني رفض حقوق الإنسان، وإنما رعاية العناصر التي تحرم الحقوق في الإسلام السياسي، كما أن هيومان رايتس ووتش تشجع القادة الغربيين على ممارسة الضغط على الحركات الإسلامية التي ظهرت بقوة، لمنع قمع الحريات السياسية عندما يلزم الأمر". ما الذي يمكن لمراقب للشأن الأميركي أن يستنتجه من مثل هذه الرؤية؟. باختصار العبارة، يعني أن هناك حالة من التشكك في النوايا الديمقراطية للإسلاميين الجدد، تشكك تكشف عنه قادمات الأيام، ومن خلال الطريقة التي سيشارك بها إسلاميو مصر في الحكم. أما التيارات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، مثل روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فتجمل المشهد بأنه كابوس لأميركا، وإن حاولت إدارة أوباما اللحاق بالعربة الأخيرة من القطار المصري الإسلامي. هل خسرت أميركا كثيرا من صعود الإسلاميين أم أنه ترتيب مسبق بدرجة أو بأخرى يحقق لها أيضا مصالح استراتيجية ربما لم تتكشف أبعادها، بعد أن قررت التوجه شرقا نحو الباسفيك وشبه تخليها عن حضورها التاريخي في الشرق الأوسط؟. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية