رجل من زمن فات، يؤمن بكل قلبه وعقله بقيمة الكلمة والقلم ورسالته الراقية والمثقفة، وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل، مازال مرابطًا على حبه للقلم وقطع الغيار الخاصة به، ولا ينشغل باله طوال اليوم إلا بالحبر وأنواع الأقلام العالمية والقديمة قدم الأزل. الفنان عم ماهر فتحي محمود، وصل لدرجة أخصائي تصليح أقلام، ويزاول المهنة منذ 35 عامًا بعد أن جاء للمحل في سنة 1982 وتعلم المهنةوعشقها، خاصة أنه يصل لذروة سعادته عندما يعيد تصليح القلم للزبائن التي في الأغلب ورثته عن شخص عزيز، أو محبوب غالٍ، وكان يعتقد أنه انتهي، ولكن الصنايعي يعيد للقلم رونقه مرة أخرى وكأنه جديد، حتى تعود الذكريات القديمة ثانية، ويشعر الزبائن بالفرحة العارمة. ويقول الأخصائي: "جيت هنا لصاحب المحل الحاج طه حسب الله أستاذ الأقلام في مصر وعلمني المهنة وحبيتها، نسبة الناس اللي بتستخدم الأقلام خاصة الحبر كبيرة لحد الوقت الحالي، التصليح في حد ذاته يجعلك تُحيي شيئا معدوما، أو قلما عزيزا عليك، بترجع للزبون الذكريات الغالية مش بس بترجع له القلم". يجلس عم ماهر، طوال النهار على "الفترينة" بواجهة مكتبة حسب الله، في بداية ممر طلعت حرب بجوار الأمريكيين، وكأنه دكتور ينتظر الزبائن وبجواره أكثر من نظارة ليرى بدقة المشكلة في القلم ويقوم بتصليحها، موضحًا: "الناس بتقول القلم انقرض، لكن من 82 لحد دلوقتي نفس النسبة، لسه لحد الآن في ناس مثقفة وبتشتري وبتهادي بعض أرقى وأفضل أنواع الأقلام". وتابع قائلا: "في ناس هاوية الأقلام، وبتيجي عندي مع أولادها تعلمهم الهواية والثقافة ويتفرجوا على الأنواع والأشكال، القلم لن ينقرض أبدًا، خاصة في ظل وجود أشخاص مثقفين وناس بتحب القلم عمره ماهينقرض، أنا موجود أو ناس بعدي هيتعملوا الصنعة وعمره ماهيختفي ليوم الدين". المخترع يأتي بقطع غيار الأقلام من كل دول العالم، ويضع في المحل أرقى وأقدم الأنواع، ويتفاخر بنفسه قائلًا: "مش مجرد قلم بتصلحه، تصليح الأقلام يحمل معاني كثيرة، بستورد قطع الغيار وأنواع الأقلام من كل مكان في العالم، في قلم صعب تلاقي له قطع غيار، وفي قلم ملوش قطع غيار خالص، بس الحمد لله الواحد ربنا بيوفقه وبيخترع له حاجات ترجع القلم زي ما كان الأول بالظبط". يعرفه جيدًا كبار الشخصيات والمثقفون، وأغلب زبائنه له معهم عشرة كبيرة، ويتعاملون معه منذ سنوات بعيدة، ويرجح هو ذلك لأنه يتعامل مع الصنعة ليست كعمل يأتي منه بأموال ولكنها هواية وتفكير وإبداع قبل كل شيء، وأن جمالها الوحيد يكمن في فنها الخاص بها وحدها، مضيفًا: "أنواع الأقلام كثيرة جدًا ولكن القلم في النهاية هواية ورغبتك هي من تحدد نوع القلم، وكل شخص يهوى نوعا بعينه يرتاح بالكتابة به، وتستريح له، ولكن الإقبال يزداد دائمًا على أنواع الباركر 51، والشيفرز". وبتأثر شديد أنهى حديثه بأنه قضى أفضل سنوات عمره في هذه المهنة، وأنه سيظل طوال حياته يعيد تصليح الأقلام إلى أن يأتيه الموت وتنتهي مسيرته، حبًا في المهنة بعيدًا عن مسألة الماديات، متابعًا: "هفضل أصلح الأقلام لحد ما أموت حبًا في المهنة مش في الفلوس".