«ماما نفسى آكل حلوى العيد وألبس ملابس جديدة، وأذهب الملاهى مثل كل الأطفال، ليه أنا وأخواتى مش زى زملائى فى المدرسة، دائما نجد أنفسنا أقل منهم فى كل شىء، نفسنا نفرح زى الأطفال يا ماما». هذه الكلمات وقعت على أذن الأم المسكينة مثل الصاعقة، بكت وقالت لطفلها، لا تزعل يا حبيبى سوف أحقق لك أنت وأخواتك كل ما تحلم به. تتحمل مسئولية 4 أطفال، تركها زوجها البائع وفر هاربًا من تحمل المسئولية، بعد أن ضاق بهم الحال، وساءت ظروفهم المادية، خاصة عقب سقوط منزلهم وأصبحوا يفترشون الأرصفة، عجز الزوج عن الوقوف أمام التيار وتحمل المسئولية وتركهم وفر هارباً، ظلت الزوجة تبحث عنه فى كل مكان، ونظراً لأنها وحيدة ولم تجد سنداً لها بعد زوجها غير أطفالها، طرقت جميع الأبواب الجيران وأقارب زوجها ولكن للأسف دون جدوى، كان الرد على سؤالها واحد خرّجى الأطفال من المدارس وخليهم يشتغلوا يساعدوكى. قررت الأم أن تتحمل هى المسئولية ورفضت عمل أطفالها وظلت تبحث عن عمل فى كل مكان حتى تمكنت من الحصول على عمل «عاملة نظافة» بمحل حلويات شهير، وتمكنت من الحصول على حجرة فوق أسطح أحد المنازل، رغم أنها حجرة صغيرة تحوى الكثير من الحشرات وافقت بها لأنها فى حدود إمكانياتها حتى تستطيع أن تواصل تعليم أطفالها الأربعة، قالت: كنت أحرم نفسى من كل شىء من أجل أطفالى، حاولت أن أسعدهم ولكنى دائماً كنت أجد فى عيونهم الحزن واللوم على حياتنا الصعبة، ولكنى كنت أبث فيهم الأمل فيما سيحول حياتنا للأفضل هو التعليم، حصل طفلى الأول على الشهادة الإعدادية، وتمكن من الدخول الثانوية العامة وحصلت نجلتى على الشهادة الابتدائية، وأصبحت بالصف الأول الإعدادى وتبقى طفلى «زياد» آخر العنقود الذى يبلغ من العمر 5 سنوات، رغم صغر سنه، إلا أنه كان دائماً يرفض أحوالنا وينتقض عيشتنا ويقارنها بأقرانه لكن الظروف كانت أقوى منى، حاولت أن أوفر لهم جزء من متطلباتهم ولكن الظروف هى التى كانت تجعلنى عاجزة أمام متطلباتهم، هذا كان أكثر شىء يكسرنى هو عجزى عن تحقيق أحلامهم ونظراتهم بالحرمان التى لم تفارق خيالى ودموعهم التى يحاولون إخفاءها من أمامى خوفاً علىّ، كنت أجلس أبكى وأطفالى نائمين وأصلى وأطلب الرحمة ومساندة الله لى فى رحلة كفاحى، رغم كل هذه الصعوبات لم أتهاون فى تربيتهم، رفضت الزواج من أجل الحفاظ على أطفالى من التشرد والتفكك الأسرى، واستمر بى الحال سنوات وسنوات أشق الصخر من أجل أبنائى، إلى أن جاء اليوم الموعود الذى لم أتوقعه أن يحدث فى حياتى ويحولها إلى دمار، أخذت طفلى الصغير معى العمل لأنه كان مريضاً ولم أجد أحد يجلس معه فى المنزل لأن أشقاءه خرجوا مع زملائهم للتنزه، وهناك شاهد طفلى الحلوى وجلس ينظر إليها نظرة الحرمان وهو يقول لى نفسى فى الحلوى يا أمى هو ليه إحنا مش زى باقى الأطفال اللى تيجى مع أسرهم وتشترى الحلوى، دائماً محرومين إلى متى يستمر الحال، قلبى كان يتقطع وأنا أسمع كلام طفلى ونظراته التى كانت تذبحنى وأنه يشتهى المخبوزات والحلويات ولم أستطع أن أوفر له شيئاً، ذهبت لصاحب المحل وطلبت منه شراء نصف كيلو من الحلوى وأن يخصم قيمته من راتبى كل شهر، لم أتوقع أن يكون رده على بالرفض ونهرنى قائلاً: روحى أشترى لأولادك اللى على قدك «الحلوى ده مش مستوى اللى أمثالكم» سقطت الكلمات وكأنها طعنات فى صدرى، ورجعت لطفلى أمسح دموعه التى كانت تتناثر على وجهه قائلة له: صاحب الشغل وافق وسوف أحضر لك الحلوى بعد مغادرتنا العمل، تلاعب الشيطان بعقلى ووسط الزحام والجميع مشغول وقمت بسرقة طبق حلوى من المحل، بعد انتهاء العمل وأخفيته داخل حقيبتى، ولكن للأسف شك صاحب المحل فىَّ خاصة بعد أن شاهد فرحة طفلى وابتسامته التى تبدل حاله من حزن إلى فرح، قام بإيقافى وبتفتيشى عثر على طبق الحلوى، ظل يسبنى بالألفاظ واتهمنى أمام طفلى إننى «حرامية»، قام بإبلاغ الشرطة وحرر ضدى محضر واتهمنى بالسرقة وتحولت إلى مجرمة ولى سوابق بسبب «طبق المخبوزات». بكت الأم قائلة: هل يعقل أن خطأ واحداً ارتكبته لى أسعد طفلى يحولنى إلى مجرمة وحياتى مهددة بالسجن وتشريد أطفالى، أنا ليست حرامية ولا سارقة طوال حياتى أرفض الحرام، ولكنى عجزت أمام رغبته ودموعه، أخذت الطبق وأنا فى قرارة نفسى أن أسدد ثمنه من راتبى بدون علم صاحب المحل، وهو اللى دفعنى لذلك بسبب رفضه، وانعدام الرحمة من قلبه ولم يبال بدموع الطفل المسكين. قالت الأم: لا أبرر غلطتى ولكنى لم أجد وسيلة أخرى، خاصة أن راتبى كان لا يكفى لشراء الحلوى لأطفالى بسبب ارتفاع الأسعار، أنا لم أطلب غير الرحمة بى أنا وأطفالى المساكين فى حالة أننى حكم على بالسجن وسوف تحول أسرة كاملة للتشرد والضياع وستضيع سنوات عمرى والشقاء الذى كابدته طوال السنوات الماضية هباء.. أنا أريد الرحمة مع العدل.