إذا قلبنا المسألة على كافة وجوهها فسنجد أن وزارة الداخلية تتصدر من يتحملون المسؤولية عن مذبحة بورسعيد. ولذلك تستحق الداخلية ووزيرها الهجوم العاصف في التحرير، والشارع، والبرلمان.كما يستحق الوزير وقيادات الوزارة المساءلة والمحاسبة السياسية والأدبية والجنائية على الكارثة المروعة إذا ثبتت مسئوليتهم فعلا. لم يمر يومان فقط على بيان الوزير أمام البرلمان متحدثا عن انجازاته في تحقيق الأمن، إلا ووقعت المذبحة في ظل تقصير أمني واضح، وعدم تأمين المباراة رغم حساسيتها، ومن تواجد من جنود الأمن المركزي وبعض الضباط وقفوا يتفرجون على الدماء التي تسيل، وكأن الأمر لا يعنيهم. يقال إن الداخلية تواطأت متعمدة في مذبحة بورسعيد لتلقين "التراس" الأهلي درسًا لأنه تجرأ عليها في أزمة شارع محمد محمود، وفي مظاهراته وهجماته ضدها مرات عديدة، ولدوره السابق خلال الثورة وموقعة الجمل. ستكون كارثة لو كان هذا التفسير صحيحا، لأن ذلك يعني سقوطا أمنيا وسياسيا وأخلاقيا مشينا لجهاز الأمن المسئول عن حماية المواطنين بأن يتآمر عليهم بأساليب وضيعة لو تأكدت فلابد أن يكون العقاب مضاعفا. ويقال أيضا أن الداخلية لو كانت تدخلت لتفريق جمهور المشجعين المشتبكين وسقط ضحايا لكانت قامت القيامة عليها كما حصل في حالات سابقة، وهذا عذر أقبح من ذنب، لأنه ليس بالضرورة أن تستخدم الشرطة العنف المفرط الذي يؤدي لسقوط ضحايا في فض الاشتباكات، وبهذا النمط من التفكير فإن الشرطة ستختزل دورها في الفرجة على أي التحامات أو اشتباكات بين المصريين في أي مكان حيث ستتركهم يصفون بعضهم البعض ثم تتدخل بعد ذلك لتحرير المحاضر، وعمليا فهذا هو سلوك بعض الضباط ممن يتواجدون في أماكن عملهم، فمن يذهب ليستغيث بهم لا يتحركون للقيام بدورهم في الإنقاذ إنما يتركون المشتبكين يواصلون المعركة دون تدخل لحماية الأرواح والمرافق والمصالح العامة والخاصة. وتكون كارثة لو كانت الشرطة سمحت للبلطجية بدخول الإستاد بكل ما حملت أياديهم من أسلحة بيضاء وآلات حادة وعصي ووسائل تساعد على الإيذاء في مدرجات يتواجد فيها آلاف المشجعين حيث التوتر والتعصب والحماس يكون هو سيد الموقف خصوصا في مباراة ذات حساسية خاصة ساهم الإعلام في زيادة التعبئة والشحن الجماهيري بشأنها، وبالتالي تشتعل الاشتباكات أسرع ما تشتعل النار في الهشيم.وتكون الكارثة مضاعفة لو كانت الشرطة فعلت ذلك وهي تعرف أن هؤلاء البلطجية المسلحين سيقومون بهجوم دموي انتقامي مرتب على مشجعي الأهلي أما لتأديبهم أو لإثارة مزيد من الفزع والخوف والفوضى في البلاد للمقايضة بين الطوارئ والأمن، أي إعادة الطوارئ لينال المصريون الأمن، فمن الواضح أن الشرطة لم تعد تستطيع العمل إلا وسيف الطوارئ في يديها، وأنها في ظل الوضع الطبيعي غير قادرة على القيام بدورها بكفاءة. لذلك فإن التحقيق في المذبحة لابد أن يكون جادا وعميقا وسريعا للإجابة الحاسمة على كل الأسئلة المطروحة بنزاهة وشفافية لان الداخلية صارت على المحك في هذه المأساة. وقد تمنيت لو كان وزير الداخلية قد تخلى عن صمته وهو جالس في البرلمان بالجلسة الطارئة الخميس الماضي وهو يتلقى أعنف الهجمات وذلك ليقول كلمتين : أتحمل المسئولية، وأستقيل من منصبي.لكنه لم يفعل وظل على صمته ثم غادر في نهاية الجلسة بصحبة رئيس الوزراء الذي تلقى هو الآخر سيلا من الهجمات العنيفة ، وكان واجبا عليه هو الآخر أن يستقيل.لكن فضيلة الاستقالة من باب تحمل المسئولية السياسية في الكوارث التي تتعرض لها الأوطان كما حصل في بورسعيد لازالت بعيدة عن تفكير ونهج المسئولين في مصر رغم حصول الثورة والتغيير، وواضح أنهم مسئولين من زمن لاعلاقة له بزمن الثورة، لذلك هم منفصلون عن واقع مصر الثورة. الداخلية محاصرة بالاتهامات، وهي والحكومة والمجلس العسكري في مأزق يصعب الخروج منه إلا بسرعة انتخاب الرئيس وتسليم السلطة ليتم البدء جديا في إعادة بناء هذه الوزارة المعضلة لتنزل من عليائها لتعيش على الأرض مع المصريين لتكون خادمة لهم وليست سيدة عليهم.