أما إن للعسكر أن يعودوا إلي ثكناتهم بعد عام من الحكم.. وأن يتركوا السياسة لأهل السياسة والاقتصاد لأهله وقد شاءت الأقدار أن يتولوا المسئولية وإن لهم أن يسلموا أمانة الوطن وحكم البلاد إلي رئيس مدني منتخب.. شكراً للمجلس العسكري علي ما قدموه للبلاد في ظروف ولولا «رباطة جأشهم» وقدرتهم علي الصبر والتحمل لكانت البلاد قد تحولت إلي سوريا أخري وليبيا أخري، آن للعسكر أن يسلموا بالأمر الواقع وهو أن الشعب يريدهم أن يعودوا إلي ثكناتهم.. أن يتركوا حكم البلاد لرئيس منتخب وكفانا عاماً من حكم «العسكري» بما له وما عليه، آن لهم أن يعودوا إلي عملهم الأصلي وثكناتهم لحماية حدود البلاد التي تتهددها المخاطر من كل الجهات حيث العدو الإسرائيلي والقلاقل في السودان وليبيا وقراصنة البحر المتوسط الذين يخطفون السفن ومراكب الصيد المصرية، عقيدة الجيش المصري العظيم هي إما النصر أو الشهادة ولهم ساحتهم في تحقيق هذه العقيدة، أما ما يقومون به الآن فهو ليس دورهم وهو دور الشرطة التي اختفت عقب ثورة 25 يناير العام الماضي، وبدأت في التعافي خطوة خطوة، ولو الصبر الذي تتحلي به القوات المسلحة تجاه المضايقات والاستفزازات من جانب بعض من يسمون أنفسهم ثواراً مدسوس بينهم كثير من البلطجية والخارجين علي القانون، لكانت بحور الدم إلي الركب كما يحدث الآن في سوريا الشقيقة، وقد جرت عدة محاولات لجر الجيش لمصادمات مع الشعب في أحداث السفارة الإسرائيلية وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، سقط خلالها شهداء ومصابون من الجانبين، ولكن العقلاء من الجانبين أطفأوا نار الفتنة. لقد أصبح مطلب تسليم العسكري للسلطة لرئيس مدني منتخب مطلباً ملحاً وعاجلاً، خاصة بعد تصاعد المظاهرات والمسيرات بين التحرير وماسبيرو ومختلف الميادين في الإسكندرية والمحافظات، فهل يستجيب المشير طنطاوي للمطالب الشعبية قبل فوات الأوان وعدم التزام سياسة العناد التي تحلي بها مبارك الرئيس المخلوع التي أودت به إلي المحكمة؟.. الآن وقد أصبحنا أمام خيارين للخروج من الأزمة التي تستفحل يوماً بعد يوم، للوصول إلي الهدف الذي يوافق عليه الجميع وهو رئيس مدني منتخب، علينا أن نلتزم بخارطة الطريق التي حددها الإعلان الدستوري الذي صدر عقب استفتاء الشعب في 19 مارس علي تعديلات الدستور.. الذي يحدد انتخاب رئيس للدولة عقب الانتخابات البرلمانية التي أتمها مجلس الشعب بنجاح، والآن تجري انتخابات مجلس الشوري الذي لا لزوم له غير خراب ميزانية مصر التي تعاني بإنفاق نحو مليار جنيه في انتخابات لم يحضرها أحد ومجلس يرفضه الشعب وربما يتم إلغاؤه في الدستور الجديد، ولكن العسكر صمموا علي إجراء تلك الانتخابات ووجود مجلس الشعب رغم كل الأصوات الرافضة في إطار سياسة العناد التي يتحلون بها، ثم اجتماع مجلسي الشعب والشوري لانتخاب لجنة إعداد الدستور وفتح باب الترشح لانتخاب رئيس الجمهورية في 15 أبريل القادم كما أعلن «العسكري»، وإجراء الانتخابات في 20 يونيو والإعادة في 27 يونيو القادم، ثم تسليم السلطة إلي الرئيس المنتخب في 30 يونيو المقبل وعودة العسكر إلي ثكناتهم، وهناك خيار آخر وهو فتح باب الترشيح لانتخاب الرئيس عقب اجتماع مجلسي الشعب والشوري في 29 فبراير الحالي دون انتظار لإعداد الدستور والاستفتاء عليه لتتم تسليم البلاد في موعد أقصاه 29 أبريل إلي رئيس منتخب، فهل يستمر العسكر في إهدار الفرصة التي هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، خاصة أن كل الطرق تؤدي إلي رئيس منتخب؟ هناك من يتخوف من إجراء انتخاب رئيس الجمهورية في ظل قيادة المجلس العسكري، ولكن شهادة حق إنهم قد أجروا الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري في نزاهة وشفافية كاملة، وحموا اللجان الانتخابية وصناديق الانتخابات ولم تحدث مشكلة كبيرة أو دماء سالت كما حدث في الماضي فلماذا التخوف من إجراء انتخاب رئيس الجمهورية في ظل قيادتهم، ولنا تجربة صادقة معهم في انتخاب البرلمان، حيث التزموا الحياد بين جميع الأطراف والأحزاب المتنافسة في الانتخابات، مصر الآن علي المحك ومستقبلها مرتهن بعودة البلاد إلي سلطة مدنية حيث الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وكفانا عاماً من القلاقل والفتنة والمؤامرات، آن أن يعود الجيش إلي عمله الأصلي في حماية حدود البلاد وقد تَحمل فوق طاقة البشر خلال العام المنصرم من الثورة، خاصة أنه قد سلم سلطة التشريع والرقابة إلي مجلس الشعب المنتخب بمجرد حلف اليمين الدستورية، وقد قارب دوره علي الانتهاء في ظل وجود حكومة وبرلمان منتخب، فلماذا لا يسرع خطي تسليم البلاد قبل أن تسوء العلاقات بينه وبين الشعب، وهناك من يعمل علي ذلك إلي درجة القطيعة والوقيعة بين الطرفين سواء من داخل البلاد أو خارجها؟ لقد ضللنا الطريق إلي الديمقراطية وغرر بالشعب عندما تم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي وافق عليها بنسبة 77٪ وأصدوا الإعلان الدستوري الذي حدد الانتخابات أولاً قبل إصدار الدستور، فلا تتحدثون عن شرعية استفتاء 19 مارس، فالاستفتاء كان تعديلاً لبعض مواد دستور 1971، ورغم ذلك تم تنحية الاستفتاء ونتائجه جانباً وصدر إعلان دستوري يمثل دستوراً جديداً في حد ذاته حدد طريقة الانتخابات البرلمانية وكذلك انتخابات رئيس الجمهورية، بالإضافة إلي صدور الدستور الجديد للبلاد الذي يتم بعد انتخاب البرلمان والرئيس. ألا يمثل الإعلان الدستوري التفافاً علي إرادة الشعب في الاستفتاء، فلماذا لا يصغي العسكري إلي صوت العقل ويتم انتخاب رئيس الجمهورية فوراً بدلاً من سلق الدستور في فترة زمنية غير كافية، وقد يكون عدم صدور الدستور في توقيت سريع مبرراً لهم لمد فترة بقائهم في الحكم مما يزيد من حالة الاحتقان في الشارع المصري، فهل نخرج من كل هذه اللوغاريتمات برئيس منتخب ثم دستور البلاد الذي سيتم بمقتضاه تحديد نظام الحكم في مصر هل هو نظام رئاسي أم برلماني أم نظام مختلط يجمع بين الرئاسي والبرلماني؟.. وساعتها سيجد مجلس الشعب نفسه أمام خيار الحل وسيجد مجلس الشوري نفسه في خبر كان، خاصة أن هناك شبه إجماع شعبي علي إلغائه لعدم جدواه تشريعياً، خاصة أن ثلث أعضائه معينون وليس من الوجاهة الاجتماعية أن يصبح لدينا مجلس للوردات، كما في بريطانيا أو مجلس الشيوخ كما في أمريكا فلم نصل بعد إلي هذه الدرجة من الرفاهية الاقتصادية والسياسية فقد آن ل «بيت العائلة» كما سماه الرئيس السادات عند إنشائه لأن يختفي وكفانا مجاملات ومصاريف لا لزوم لها من دم الشعب. حان الوقت لنقل السلطة بطريقة شرعية دستورية وديمقراطية سليمة وكفانا عاماً قد ضاع من عمر الثورة وعمر الشعب في «خزعبلات» بعد أن ضللنا الطريق، الحالة الاقتصادية لم تعد تحتمل مزيداً من إضاعة الوقت، البطالة تقصم ظهور الشباب وحالة الحزن واليأس هي المسيطرة علي كل بيت مصري فلا أمل ولا عمل، الاقتصاد ينهار، خاصة بعد هروب أموال كثيرة خارج البلاد ووصول حجم الاحتياطي المالي في البنك المركزي من العملات الأجنبية إلي حد الخطر وأصبح لا يكفي استيرادنا أكثر من 6 شهور، فقد تقلص الاحتياطي من 36 مليار دولار إلي 18 ملياراً، فماذا تنتظرون يا سيادة «العسكري» حتي تسلموا مقاليد السلطة في البلاد إلي رئيس مدني منتخب لا أظن أنكم تريدون تسليمها جثة هامدة. لا تنتظروا يونيو القادم يا سيادة العسكري فهذا وقت ضائع علي البلاد نحو الاستقرار، فنحن لا نسير علي شريط قطار لا نستطيع أن نتجه يميناً أو يساراً فهناك مرونة، خاصة أننا أصبح لدينا مجلس للشعب جاء بإرادة حرة ومجلس الشوري منعدم الأهمية والفاعلية أوشك علي الاكتمال، فلماذا لا نسرع الخطي؟.. العالم كله ينتظر رئيساً منتخباً كما البرلمان الذي تم انتخابه حتي يثق فينا ويمد يد العون لنا، هل تنتظرون أن يعرضنا أحد ورئيس وزراء حكومة الإنقاذ الدكتور كمال الجنزوري لم يدخل مقر مجلس الوزراء الرئيسي في شارع مجلس الشعب حتي الآن؟.. يتحدثون عن عدم توافر مناخ الأمن والأمان للاستثمار فكيف يثقون فينا ويمدوننا بمال ورئيس الوزراء محاصر في مقره المؤقت أيضاً بالمظاهرات والاعتصامات الفئوية. لنسرع الخطي في توصيل البلاد إلي الاستقرار وبر الأمان بإكمال الانتخابات، عودوا إلي ثكناتكم يرحمكم الله مشكورين علي ما قدموته للبلاد، خاصة أنكم أعلنتم مراراً وتكراراً أنكم ستسلمون السلطة ونحن نصدقكم ولكن لا تسلموا حكم البلاد وقد خربت، تحركوا يا سادة نحو حل يرضي الشعب والثوار ويحفظ ماء وجوهكم فالكل يتنافس في حب مصر ولكن بطريقته الخاصة، أعيدوا لنا الثقة فيكم وسنحملكم علي رؤوسنا فقد أوفيتم بالعهد وأديتم الأمانة، لقد وعدتم ب 6 شهور بقاء في الحكم وطالت معكم «شوية» حين ضللنا الطريق ويجب أن نحسم أمرنا بقرار في أيديكم يفرح به كل المصريين، ليهدينا الله جميعاً إلي ما يحب ويرضي وفيه مصلحة البلاد والعباد.