فى تطور لافت، انتشرت ظاهرة سرقة المساجد خلال الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق سواء للأشخاص أو الممتلكات التى تحتويها هذه المساجد ويكون معظمها أثرى قيمته لا تقدر بالمال. وسائل كثيرة وحيل مختلفة يستخدمها اللصوص فى السرقة، فمنهم من يستغل تصوير الأفلام السينمائية بالمساجد الأثرية الكبرى وينفذ عملية السرقة خلال الوقت المخصص للتصوير، مستغلاً عدم الرقابة والزحام الذى يصاحب تصوير الأفلام، والبعض الآخر يستغل ضعف التواجد الأمنى والحماية الكافية فى المساجد والثغرات الأمنية لتنفيذ السرقة فى الوقت المناسب. يقترب منك بحذر وقلق شديد، يجلس بجانبك فى المسجد كأنه شخص عادى، ثم يستغل التوقيت الأنسب الذى تغفو فيه عيناك من التعب ويمد يديه إلى جيبك فى هدوء تام لا تشعر به ويحصل على ما يريد «محفظة أموال أو تليفون محمول أو جواز سفر».. تلك هى الطريقة الأشهر للسرقة فى المساجد، وخصوصاً السيدة زينب والحسين والسيدة عائشة والسيدة نفيسة وغيرها. المسئولون فى وزارة الأوقاف تبرأوا من التهم الموجهة إليهم بالإهمال فى حماية المواطنين داخل المساجد من السرقة، وأكدوا أن هذه الظاهرة سببها الرئيسى التقصير الأمنى من جانب الشرطة نتيجة التواجد الأمنى الضعيف وغير الكافى داخل المساجد، موضحين أن العاملين بالوزارة يقوموه بكل ما فى وسعهم لمنع السرقة.. ولكن دون تحقيق فائدة كاملة بنسبة 100% وإنما يستطيعون منع نسبة قليلة من الحوادث. وطالب المسئولون بزيادة أعداد أفراد الأمن داخل كل مسجد من المساجد الكبرى، بحيث لا يقل عن 5 أفراد متواجدين باستمرار داخل المسجد حتى يمنعوا هذه الظاهرة ولو بشكل تدريجى ثم القضاء عليها نهائياً، لأن معظم اللصوص من صغار السن والمتسولين وعند رؤيتهم لأفراد الأمن بالزى الشرطى ينتابهم الخوف وعلى الأقل سيترددون كثيراً قبل قيامهم بالسرقة. من جانبه قال الدكتور فؤاد عبدالعظيم وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد سابقا، إن المتسولين واللصوص يجتمعون فى المساجد الكبرى من أجل السرقة والتسول ويعتبرون ذلك مصدر رزقهم.. وللأسف أصبحت عادة سيئة تضر بالمساجد كثيراً. ويوجد أفراد أمن على أبواب المساجد للتفتيش، ولكنهم لا يستطيعون تفتيش الكل بل المشتبه بهم فقط. وأضاف «عبدالعظيم» أن وزارة الأوقاف تحاول بشتى الطرق الحفاظ على المساجد من السرقة، ولكن لن تستطيع السيطرة بنسبة 100% على الأوضاع، مشيراً إلى أنها تعاقدت مؤخراً مع شركة للنظافة والأمن الإدارى. وأوضح وكيل وزارة الأوقاف أن الأمن داخل وخارج المساجد مسئولية قوات الشرطة وليس وزارة الأوقاف لأن المساجد الكبرى بها حراسة وعناصر من الأمن الوطنى والمباحث ولا يقتصر الأمر عند الأمن الإدارى وعمال المساجد الذين تعينهم وزارة الأوقاف.. لكن هذه العناصر عددها قليل ولا يستطيعون السيطرة على المسجد بكامله. وطالب عبدالعظيم بزيادة عدد أفراد الأمن داخل المساجد وخصوصاً أفراد المباحث للقضاء على ظاهرة السرقة التى تفشت وانتشرت بشكل كبير فى الفترة الأخيرة، فهى ظاهرة غريبة على المصريين المعروفين بحبهم لزيارة المساجد الكبرى وخاصة آل البيت. وأشار إلى أن السلوك الدينى فى المساجد عند المصريين أصبح غير موجود عند زيارة المقامات والأضرحة، إذ أصبح المسجد بالنسبة لهم فندقاً للراحة والنوم وليس العبادة وينتظرون بالساعات وصول الطعام والشراب كل يوم، موضحاً أنهم يفترشون أرض المساجد ولا يتركونها نظيفة. كما أصبحنا نشاهد أيضاً تبجح كثير من الناس على عمال المساجد وقلة الأدب فى التعامل عندما يخبرهم العمال بأن ما يفعلونه خطأ.. قائلاً: «اللوم مش على العمال وفراشين المساجد لأن بقى فيه تبجح وقلة أدب فى التعامل وزعيق وضرب للعمال فى بعض الأحيان». وأكد وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، أن هذه الأساليب لا تليق بحرمة المساجد ونعانى منها كثيراً فى الوقت الحالى، مشيراً إلى أن ظاهرة السرقة وانحطاط السلوك الدينى تحتاج إلى التكاتف للقضاء عليها، كما طالب المسئولين ببذل مزيد من الجهد للحفاظ على بيوت الله وعدم انتهاك حرماتها. أحمد جودة، كاتب مسجد السيدة زينب، قال إن السرقة منتشرة فى المساجد الكبرى وخصوصاً مسجد السيدة زينب بسبب قلة التواجد الشرطى والأمنى داخل المسجد وليس تقصيراً من جانب عمال وزارة الأوقاف. وأضاف «جودة»: إننا نقوم بتنبيه المصلين بعدم النوم فى المسجد منعاً للسرقة.. لكنهم لا يستجيبون لتحذيراتنا، مشيراً إلى أن إدارة المسجد تطالب الشرطة دائماً بالتواجد معنا فى المسجد ولكنها لا تكون متواجدة باستمرار. وأضاف: «المسجد كبير وعاوز أقل حاجة 5 أفراد شرطة على أبواب المسجد يمرون من آن لآخر علشان الناس تخاف منه والحرامية يشعروا بوجود خطر عليهم ويمكن أن يلقى القبض عليهم.. واللصوص يمكن أن يستغلوا مسجد السيدة زينب القريب من المستشفيات الموجودة فى منطقة قصر العينى.. سرطان الأطفال، وطبعاً أكثر مكان الإنسان بيرتاح فيه هو الجامع والناس اللى بتيجى المستشفيات دى بتبقى من بلاد بعيدة وبيبقوا منهكين من السفر وبيضطروا للنوم فى المسجد من التعب.. وطبعاً اللى بييجى معاه فلوس للعملية مثلاً والكشوفات الطبية والتليفونات وغيرها من الحاجات اللى ممكن تتسرق». وأشار كاتب مسجد السيدة زينب إلى أن إدارة المسجد طلبت من الشرطة أكثر من مرة التواجد الدائم فى المسجد وزيادة عدد أفراد الأمن وبالفعل موجود واحد من المباحث فى المسجد.. لكنه لا يكفى ولن يستطيع القيام بأى شىء بمفرده، ولذلك فإننا نحتاج إلى تواجد شرطى مكثف لأن أمن المسجد الإدارى لن يستطيع عمل شىء لأنهم غير مدربين مثل الشرطة وأقصى حاجة ممكن يقوموا بها تفتيش حقيبة شخص مشتبه به فقط. وحول طريقة التعامل مع اللصوص عند القبض عليهم، قال إن معظم اللصوص للأسف أطفال متسولون ويتناولون المخدرات.. وعندما يتم القبض على أحدهم تقوم إدارة المسجد بتسليمه إلى الشرطة ولكن للأسف يخرج من القسم بعد فترة قصيرة ويعود للسرقة مرة أخرى. وأوضح أن دور إدارة المسجد يتمثل فى تحذير الناس من السرقة عن طريق كتابة التحذيرات ولصقها على جدران المسجد لكى يراها الجميع، مضيفاً: «نحن لا ننفى مسئوليتنا ولكننا نفعل كل ما بوسعنا». وذكر أن تعليمات وزارة الأوقاف فى المساجد الكبرى تتمثل فى الالتزام بمواعيد فتح وغلق المسجد فى التوقيتات المحددة ومنع النوم والجلوس لمدة طويلة أكثر من اللازم فى المقام، لأنه يعتبر مزاراً سياحياً يأتى إليه الناس من كل أنحاء البلاد ولكن الزائرين لا يتبعون التعليمات. وأشار إلى أن أكثر ما يتم سرقته داخل المسجد التليفونات المحمولة وحقائب السيدات وجوازات السفر، وغير ذلك من الأشياء، أما القطع الأثرية فى المسجد لم يتم سرقة أى شىء منها لأنها موضوعة فى مخزن لا يصل إليه أحد. وقال أحد أفراد الأمن الإدارى بمسجد السيدة زينب، رفض نشر اسمه، إن أفراد الأمن يعانون بشدة فى تأمين المسجد بسبب كثرة اللصوص مع وجود عدد كبير من المصلين والمحبين لزيارة مساجد آل البيت. وأضاف أن المسجد يأتى إليه زوار من كل أنحاء مصر، قائلاً: «أشكال وألوان والواحد مش بيكون عارف اللى نايم جنبه ده مين ولا شغال إيه وعلشان كده الحرامية بيستغلوا الموقف ويسرقوا المواطنين». وأوضح أن المواطنين يأتون إلى المسجد لكى يصلوا ويستريحوا من تعب السفر لو كانوا من بلاد بعيدة عن القاهرة، وبالتالى يضطرون إلى النوم وبحوزتهم أموالهم التى يمكن أن يسرقها اللصوص، مشيراً إلى أن الأمن عندما يلقى القبض على أحد اللصوص فإنه يسلمه للشرطة، ولكن الأشخاص الذين تمت سرقتهم يذهبون إلى قسم الشرطة ويطالبون بالإفراج عنه فى حالة رد المسروقات إليهم ولذلك يخرج اللص من الحبس بسرعة ويعود للسرقة مرة أخرى. وحول مقترح وضع صور للصوص على أبواب المسجد لمعرفتهم ومنع دخولهم، أشار إلى أن ذلك صعب تنفيذه لأن اللص عندما يتم القبض عليه ويخرج من الحبس يبتعد عن المنطقة لمدة قد تكون شهرين أو ثلاثة حتى ينسى الناس شكله وبعدها يعود من جديد ويمارس السرقة. وحول اتهامهم بالتقصير فى الحد من ظاهرة السرقة، قال: «نقوم بدورنا بشكل كبير ولكن لن نستطيع السيطرة بنسبة 100% على المسجد فعددنا قليل بالنسبة لحجم المسجد الكبير ونقوم بين الحين والآخر بالتصفيق لعمل نوع من الحركة داخل المسجد حتى يشعر النائم ويستيقظ ولكى يشعر الحرامى بالخوف بعض الشىء ويعرف أن هناك من يراقبه فيمتنع عن السرقة». وأضاف: «نحن نتلقى شتائم واعتداءات كثيرة فى المسجد من جانب المصلين الذين يتم سرقتهم ويلقون باللوم علينا لعدم منع اللص من السرقة رغم أننا نحذرهم أكثر من مرة ونطالبهم بعدم النوم ولكنهم لا يسمعون الكلام»، مؤكداً «إحنا مش شغالين عند كل واحد فى المسجد علشان نقف على دماغه وهو نايم .. إحنا مانعين النوم فى المسجد بسبب السرقة». ومن أبرز حوادث السرقة علي مدار السنوات الماضية للمساجد، سرقة 6 مشكاوات من مسجد الرفاعى فى يناير الماضى أثناء تصوير فيلم «الكنز» الذى يقوم ببطولته الفنان محمد رمضان، حيث استغل المتهم الرئيسى مسئولية توريد الإكسسوارات الخاصة بالفيلم وأثناء تصوير بعض المشاهد بمسجد الرفاعى قام بطلب صناديق إضافية من أحد العاملين معه وأزال المشكاوات وأخفاها داخل سيارته الخاصة وتم ضبط المشكاوات المبلغ بسرقتها قبل إتمام بيعها بمبلغ 900 ألف جنيه. وفى 2012، أصدرت وزارة الآثار بياناً تقول فيه إن 3 لصوص حاولوا سرقة 4 مشكاوات أثرية من داخل مسجد الرفاعى، وقاموا بفكها وتعبئتها فى أجولة، إلا أن رجال الأمن تصدوا لهم وقاموا بطردهم خارج المسجد. إلى جانب ذلك تم سرقة النص التأسيسى من المنبر الخشبى لمسجد تمراز الأحمدى، والنص التأسيسى لإيوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعى، والحشوات المكفتة بالفضة من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وأجزاء من الباب الخشبى لمسجد الأشرف برسباى الأثرى بمنطقة الجمالية، وحشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباى بصحراء المماليك وسرقة حشوات جانبى منبر مسجد الطنبغا الماردانى، كما تمت سرقة بعض حشوات منبر مسجد أبوحريبة، والعديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ والتى تكررت حوالى 3 مرات، وحشوات بابى الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفى، واختفاء منبر مسجد قايتباى الرماح، وسرقة حشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسى المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر. وتعرض باب المقصورة الأثرية لقبة مسجد الإمام الشافعى فى القاهرة للسرقة، حيث تمت سرقة الباب الخشبى للمقصورة والذى يبلغ طوله 70سم، إضافة إلى مجموعة من الزخارف الخشبية المعمارية صغيرة الحجم. وتعتبر هذه السرقة هى الثالثة التى تعرض لها المسجد الأثرى خلال السنوات الثمانى الأخيرة. ففى سنة 2009 تمت سرقة حشوة خشبية من داخل المسجد، وفى 2014 تمت سرقة 5 حشوات أثرية، لكن فى المرة الثالثة كانت الخسارة أكبر فهى تتعلق بباب المقصورة بقبة المسجد. وفى السياق ذاته كرم الشيخ محمد العجمى وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، 4 عمال بمسجد سيدى بشر التابع لإدارة أوقاف المنتزه، لقيامهم بضبط أحد الأشخاص أثناء محاولته سرقة صندوق النذور بالمسجد.